لفظة مملوك ، تعني مما يملك بقصد تربيته والاستعانة به في الجيش أو الإدارة ، وهي عكس لفظة ( العبيد ) الذين استخدموا أيضا في الجيش و تعني العبودية ، ذلك لأن العبد أبواه من الرقيق ، في حين أن المملوك يولد من أبوين حرين ثم يباع في الأسواق، ويعرف عن المماليك ،بانهم بيض الوجوه يينما العبيد يتميزون بسواد بشرتهم
والمماليك مفردها مملوك وهو اسم مشتق من الفعل (( ملَكَ )) ويقال عبد مملكه بفتح اللام ، أي سبي وملك دون أبويه ، ومما يذكر أن هذا المعنى مأخوذ من القرآن الكريم ، من خلال قوله تعالى ) وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ () .
اما أصلهم فأنهم ينتمون إلى شعوب مختلفة ،إذ تعد بلاد القفجاق ، الممتدة إلى البحر الأسود وبلاد ماوراء النهر، وبلاد الجركس في القوقاز المصدر الرئيسي الذي يأتي منه المماليك إلى أقاليم الدولة العربية الإسلامية،فضلا عن عدد من الدول الأوربية مثل اسبانيا والمانيا وغيرها يجلب منه المماليك .
وتواجدهم في البلاد الإسلامية ،إما يكون عن طريق الشراء أو الأسر في الحروب أو الهدايا التي كان يؤديها حكام أقاليم بلاد ماوراء النهر على شكل رقيق للأمراء والخلفاء.
أما سبب جلبهم من قبل التجار الى بلاد الإسلامية يعود لعدة أسباب منها اقتصادية وصناعية أو لإغراض عسكرية، وبين ياقوت الحموي إلى أن الترك عموما كانوا يبيعون أولادهم ذكورا وإناثا.
و كانت هناك أسواق خاصة لبيع المماليك يذهب إليه التجار الذين كانوا أغلبهم من النصارى ، و اليهود ، و الفرس. وهذه الأسواق في بلاد الروم والمدن الإيطالية الذين كانت لها مستعمرات على البحر الأسود، والتي أصبحت سوق لبيع المماليك ، ويتميز أهل جنوه بأنهم كان لهم دور مميز في تجارة العبيد،اذ كانت لهم مستعمرة كافا – Caffa ، على بحر المتوسط ، مركزا للمتاجرة بمماليك من الجورجين والأرمن ، ثم امتد نشاطهم فيما بعد إلى مدن أوربا ، فكانوا يتاجرون بالمماليك من اليونان والسلاف والألبان .
اما تاريخ وجودهم في البلاد الاسلامية ،أي استخدامهم في وظائف الدولة فانه يعود الى فترة الخلافة العباسية ، اذ كان أصبهبذ طبرستان يبعث للخليفة المنصور عددا من الغلمان الأتراك ضمن الجزية التي يرسلها للخلافة .
وكان الخليفة المنصور يشرف بنفسه على تدريب الغلمان والمماليك على استعمال السيف والرمي بالنبل والتدريب على القتال، ولم يلبث أن اتسع استخدامهم في ولايات الدولة العربية الإسلامية خلال العصر العباسي الثاني ، وخصوصا في عهد الخليفة المعتصم بالله،الذي استخدم بشكل واسع من اجل تدعيم حكمهم الذين عرف عنهم القوة والشجاعة ،فضلا عن ظهور عن دويلات مستقلة في المشرق،ذات أصول تركية وفارسية مستغلة ضعف الخلافة العباسية ،الذين أكثروا من شراء المماليك وخصوصا الأتراك الذين دربوهم واعتمدوا عليهم في الجيش والإدارة.
وقد برزت هذه الظاهرة في مصر التي وضح فيها نفوذ المماليك في الدول التي حكمت البلاد باسم الخلافة العباسية ، كالدولة الطولونية التي أسسها أحمد بن طولون سنة ( 254هـ-868م ) الذي استخدم الاتراك وغيرهم بشكل واسع من اجل تدعيم نفوذه واستقلاله عن العباسيين. والدولة الإخشيدية ومؤسسها ، محمد بن طغج الأخشيد سنة ( 323هـ-934م ) الذين نهجوا نفس نهج الدولة الطولونية في الاعتماد على الاتراك والديلم في جيشه اذ بلغ عدهم اكثر من ثمانين الف . وإذا كان حكام الدولة الفاطمية الأوائل ، قد اعتمدوا على المغاربة والسودان في إعداد جيوشهم ، فإن حكامهم الأواخر ومنذ عهد المستنصر فصاعدا أكثروا من الاعتماد على المماليك الترك في وظائف الدولة القيادية .
وبعد قيام الدولة الأيوبية في مصر بدأت صفحة جديدة في تاريخ الدولة العربية الإسلامية بالاعتماد على المماليك كثيرا، وخصوصا السنوات الأخيرة من القرن السادس وبداية القرن السابع الهجريين ،ازداد نفوذ المماليك في مصر ازديادا كبيرا ، وسرعان ما أصبح لهؤلاء المماليك كلمة مسموعة في مجريات الأحداث في أعقاب وفاة الناصر صلاح الدين الأيوبي سنة 589هـ-1193م ، وترتب على ذلك ازدياد أعداد المماليك في مصر والشام ازديادا كبيرا يسترعي الانتباه ، بسبب النزاع الذي تفجر بين ورثة صلاح الدين ومنافسيهم من أمراء المدن ومؤسسي الإمارات الأخرى في الجزيرة الفراتية ، وقد علق أبو شامة على تلك الأوضاع التي مرت بها مصر وبلاد الشام بقوله (( وأما هذا البيت فإن الآباء منه اتفقوا فملكوا ، وإن الأبناء منهم اختلفوا فهلكوا )) .
ونتيجة لكثرة استخدامهم في مصر آنذاك ،عمل التجار على جلبهم بكثرة ،ويكون دخولهم الى مصر عن طريق البحر، ثم ينتقلون إلى القاهرة عن طريق ثغري دمياط والإسكندرية ، أو عن طريق البر ، وكانت لهم أسواق في القاهرة خاصه بهم ، كسوق خان الخليلي ، وخان مسرور ، و هناك تجار يشرفون على هذه الأسواق ، ويقومون بشراء المماليك من التجار الوافدين ، فضلا عن هذه الأسواق ، فان هناك أسواق أخرى في مدينة الإسكندرية .
وكان بعض هؤلاء المماليك يشتريهم السلطان ، ويدفع ثمنهم من بيت المال أو من أمواله الخاصة أحيانا ، وكان يفضل شراء المماليك الصغار السن ، وهم الذين عرفوا بأجلاب ، أو جلبان . وتعني هذه الألفاظ أنهم جاءوا من بلاد أخرى ، أما أثمان كل واحد من هؤلاء المماليك فتتوقف على قيمتهم وعلى حسب مقادير العملات المختلفة المعروفة آنذاك ، وقد ذكر المقريزي أن الظاهر بيبرس مؤسس دولة المماليك في مصر قد بيع بثمانمائة درهم فقط ، وما ذكره القلقشندي عن الناصر فقد وصل ثمنه إلى ألف دينار حتى عرف بالألفي . والواقع أن هناك طرقا أخرى غير الشراء من الخارج للحصول على المزيد من المماليك فقد جرت العادة أن ينضم مماليك السلطان المتوفى أو المعزول إلى مماليك السلطان الجديد بالشراء أو الإكراه .
ويعدون من مماليكه ، وتطلق عليهم تسمية ( قرانصة أو قرايض ) أو مماليك سلطانية وغالبا ما كان يستوليعلى مماليك الأمراء الذين يتوفاهم الله أو يغضب عليهم أو يأمر بقتلهم ، وعندئذ تعرف هذه الفئة من المماليك بالسيفية،كما كان السلطان يقوم بشراء بعض أبناء المصرين ممن تضطرهم أوضاعهم المعاشية السيئة إلى بيع أولادهم و أن المماليك الذين يشتريهم السلطان أو الأمراء كان يضع أغلبهم في أماكن خاصة تعرف بالطباق أو الأطباق ، وهي مدارس عسكرية موزعة على مناطق متفرقة في القاهرة وخارجها ، لا سيما في القلعة وكان بعض هذه الأطباق يضم ألف مملوك ، وكانت لغة هؤلاء المماليك هي اللغة التركية المملوءة بالمفردات العربية والفارسية حتى أن لم يكونوا أتراكا .
واستطاع المماليك أن يسيطروا على حكم مصر بعد أن أصبحوا القوة الرئيسية فيها،في أواخر الدولة الأيوبية وخصوصا في عهد الملك الصالح ايوب637هـ – 1239م - 647هـ- 1249م ،الذي بعد وفاته ومقتل ابنه توران شاه 648هـ- 1250علي ايديهم ،تولوا السلطة في مصر فعليا، وكانت دولتهم الأولى تسمى المماليك البحرية :وهم الذين جلبهم الملك الصالح الأيوبي من صقلية وبلاد الأتراك وغيرها من البلدان، وأسكنهم جزيرة الروضة على النيل، فنسبوا إليها، واستمر حكمهم لمصر من سنة648-784هـ / 1250-1382م ،ودولتهم الثانية تسمى المماليك البرجية او الجركسية نسبة إلى الأبراج التي قطنوها بالقلعة والذين جلبوا في زمن المماليك البحرية لتعزيز قوتهم ونفوذهم وامتد حكمهم من سنة784-923هـ/1382-1517م