كتب الخبير الامني ومستشار الامن القومي الامريكي السابق في العراق دوغلاس أ. أوليفانت مقالا في موقع "المسلة" الاخباري، اليوم السبت جاء فيه - الأخبار عن العراق باتت سيئة. أربعة مشاكل متشابكة ولكن متميزة – قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام، السياسة المختلة في العراق، الإنهيار التام للدولة السورية واتساع الحرب الباردة بين السعودية و إيران- تحديات لتعطيل الإستقرار الركيك الذي حققه العراقيون في أعقاب الحرب الأهلية في 2006-2008 العراق، ومرة أخرى يشكل نموذجا لـ"مشكلة الأشرار".
هناك كم هائل من الإستنتاجات التي وصلت عقب الأخبار السيئة. لا يحتاج المرء للقراءة الكثيرة لمعرفة سلسلة من الفرضيات التي توضع حول مستقبل العراق، كالفرضيات القائلة بأن بغداد على وشك السقوط، رئيس الوزراء العراقي المالكي باتت أيامه معدودة، كردستان قريبة من الإستقلال وإنتاج النفط في خطر.لا شيء مؤكد من تلك الفرضيات و بعضها غير مرجح للغاية. فلنغطهم واحدة تلو الأخرى.
1. بغداد على وشك السقوط
وهذا غير محتمل بشدة. رغم المقارنات بين سقوط سايغون في 1975 وسقوط بغداد، هذه التوقعات بدأت تطرح ، لا تزال بغداد مدينة فيها ستة ملايين نسمة، الأغلبية منهم شيعة منذ سنة 2007 على الأقل، وبعد موجة من التطهير العرقي أخرج الكثير من المواطنين السنة. غالبية القوات الأمنية العراقية هم من الشيعة، ومن المحتمل أن يقاتلوا بعزيمة أقوى من تلك في شمال العراق. كما أن مقام الكاظمية أحد أكثر المواقع الموقرة عند الشيعة، ويقع على الطرف الشمالي لبغداد. نستطيع أن نتوقع تفان إلى أقصى الحدود لحماية هذا الصرح من تقدم جموع الدولة الإسلامية، ولا سيما من جانب الميليشيات الشيعية التي جرى حشدها مؤخراً.
في الواقع، بدأت خطوط المعارك تستقر شمال بغداد وسامراء وهي مدينة أخرى مختلطة مع مقام شيعي آخر مهم هو مسجد العسكريين فيها. يحدث هذا حتى قبل انخراط أي أعداد ملحوظة من القوة الجوية، سواء كانت القوة الجوية الأمريكية، الإيرانية، السورية والروسية أو العراقية (عن طريق الطائرات المكتسبة حديثا)، التي تم استدعاءها للعمل. إذا استقرت الجبهة الشمالية واستطاع مقاتلو الدولة الإسلامية التحصن في مواقع دفاعية ومدن، قد تصبح القوة الجوية ذات فائدة محدودة أما إذا بدأ مقاتلو الدولة الإسلامية بالتقدم بكثرة إلى بغداد، قد يشكلون أهدافا ملفتة للقوة الجوية.
هذا لا يعني أن بغداد ليست قيد التنازع. يجب أن نهتم بأمرين بالأخص. الأول هو مطار بغداد الدولي، صلة الوصل الرئيسة بين العاصمة والعالم الخارجي و ونقطة الدعم للقوات العراقية.
يقع مطار بغداد الدولي في الطرف الغربي لمحافظة بغداد وتحده الضواحي ذات الأغلبية السنية منها العامرية من الشرق وأبو غريب من الجنوب. الحدود الغربية لمطار بغداد عبارة عن صحراء مفتوحة تقود إلى محافظة الأنبار. هو في منطقة شديدة الانكشاف جغرافياً.
الأمر الثاني، هو أننا لا يجب أن لا نتفاجأ من أن نجد "طوابير خامسة" من المتطوعين السنة في بغداد. يمكن لأحياء الغزالية والدورة وأبو غريب والعامرية والاعظمية جميعها أن تشهد عودة أو إعادة استنهاض للميليشيات القومية المتحالفة بشكل موارب مع الدولة الإسلامية في العراق والشام (أو مجرد خلايا للدولة الإسلامية) في الأسابيع القادمة.
أنا أشك بأن تكون خطة مقاتلي الدولة الإسلامية هي إستعمال قوى داخلية لخلق نقاط الضعف التي يمكن استغلالها من قبل وحدات عسكرية أكثر تقليدية لها من الشمال. لا أعتقد أن هناك من يصدق أن مقاتلي الدولة الإسلامية قادرون على اتخاذ المزيد من الاجراءات الهامة جنوبا، ولكن هذا لا يعني أننا لن نرى مناوشات في شوارع بغداد. لذا ، هل سنرى عنفاً متزايداً في أكثره طائفي ؟ نعم ، من الممكن . بغداد تسقط؟ غير محتمل بتاتاً.
2. المالكي على وشك الرحيل.
هذا محتمل، ولكنه بعيد. أولا مع منع نهايته المبكرة، المالكي سوف يذهب فقط من خلال عملية مشروعة من تشكيل حكومة جديدة، وهو نحو ذلك يصر. ليس واضحا بالتحديد ماذا يعني هؤلاء الذين يدفعون المالكي للرحيل. تحت أي آلية دستورية سوف يذهب، وكيف سيعين خليفته ؟ وليس من الواضح ما هو المقصود بـ "الوحدة الوطنية" الحكومة -- ببساطة تجاهل نتائج الانتخابات الأخيرة ؟ أحد يرغب بأن بعض نقاد المالكي تقرأ الدستور العراقي إن عملية تشكيل حكومة جديدة تكون طويلة ومعقدة كما أشارت نتائج أول جلسات البرلمان العراقي في 1و 8 يوليو.
اجتمع البرلمان فترة طويلة بما يكفي لتوضيح أنه لم يكن هناك توافق في الآراء بين السنة في العراق على من هو المتحدث الآتي في البرلمان.(تقليديا منصب سني، ودستوريا من يعين)، الطائفة الشيعية والحزب الكردي أجابو أنهم لن يتم الحديث حول من سيكون الرئيس ورئيس الوزراء حتى يكون هناك متحدث في البرلمان، لذا فتوقعوا صيفاً طويلاً( ذهب في البداية البرلمان إلى عطلة حتى أغسطس – آب، ولكن الضغط الدولي أجبر المشرعين لإعادة جدولة لتاريخ 13 تموز).
عندما يأتي الأمر إلى تشكيل حكومة، يظل المالكي في موقع السيطرة، على الأقل عددياً، إن لم يكن نفسيا . كتلته التي عُززت إلى حد غير قليل من قبل شعبيته بين ناخبيه الخواص قد ربحت 28% (92 من 328) من المقاعد في مواجهة 9 أحزاب أساسية. في هذا النظام 28% تشكل نسبة رئيسية . نذكر بأن المواطنين السنة في العراق ليسوا سوى حوالي 20 في المائة من السكان (+\- 5%_ لم يكن هناك أي تعداد منذ عقود)، الأحزاب السنية الثلاث الرئيسية مجتمعة قد تربح 52 مقعدا مما يجعلها 18%.
هذه هي الحقائق الإنتخابية. لسقوط المالكي، سيكون من المهم جدا في الأيام المقبلة أن لا يعطى الانطباع لأولئك الذين وضعوا ثقتهم في صناديق الاقتراع بأن الأقلية السنية يمكن أن تطيح بالحكم بقوة السلاح، وهذا سيكون سابقة مأساوية.
على هذه الحالة، حزب المالكي، الدعوة، الذي يشكل جوهر خطابه في ائتلاف دولة القانون، هو الوحيد القادر على اتخاذ قرار رحيله. ويبدو أن هذا الأمر بعيد عن التحقيق. ولكن على الرغم من أنه من الممكن تحقيقه من الناحية العددية، فمن الصعب أن نرى سيناريو فيه رئيس الوزراء المقبل من غير دولة القانون-- إنه المالكي أو خليفته المختار. لاتزال دولة القانون في حالة حرجة بسبب وصايتها الإنتخابية، ولكن أيضاً بسبب إحتوائها للمركز في السياسة العراقية. الأحزاب الشيعية الرئيسية الأخرى على حد سواء أكثر عداء للنظام السابق وأكثر تعاطفا مع إيران.
في هذه المرحلة يجب على الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى خارجاً يجب أن تكون حذرة للغاية. بيانات من الولايات المتحدة، ولا سيما من قبل الدول التي تعتبر معادية لحكومة المالكي مثل المملكة العربية السعودية وتركيا، داعية الى رحيل المالكي قد يكون لها آثار غير مقصودة، مثل شراء شعبيته. ومن المهم أيضا أن الولايات المتحدة على وجه الخصوص أن لا ينظر إليها باعتبارها "تختار" استبدال المالكي، واحتمال أن أي خليفة سيتعامل مع التحديات بأقل فعالية من المالكي جميعها حقيقية جدا.
3. كردستان الحرة هي ماضٍ معروف.
ليس بهذه السرعة. حظى الأكراد بالتأكيد بالأسابيع القليلة جيداً. ولكن الدولة لا تزال تحتاج العديد من الخطوات. لايزال الأكراد لم يطوروا مصدر إيرادات مستقل، ولا يرجح أن تفعل ذلك في حين أنها كانت لا تزال جزءا من العراق.
على الرغم من أن الحكومة الإقليمية الكردية (حكومة إقليم كردستان)، بالتعاون مع تركيا ، طورت البنية التحتية في ضخ النفط عبر خط أنابيب إلى ميناء جيهان، وتركيا، ملكية النفط في هذا النظام لاتزال متنازع عليها. الأكراد يزعمون أن الأنابيب لهم وحكومة بغداد تقول بأن ما في العراق هو لكل العراقيين لذا فلبغداد الحق في بيع النفط.
هذه إثنان من المطالب الفلسفية الذي يراها كل طرف في نص الدستور العراقي الفقير. المحق ليس له صلة وبالتالي لا يمكن إثباته، ولكن يبقى أن مضخات النفط لدى حكومة إقليم كردستان قيد التنازع، وبغداد إحتفظت بشركة محاماة مقرها الولايات المتحدة، (فينسون والكينز)، لمتابعة مطالبها بقوة.
على الرغم من أن الأكراد قد يكونوا قادرين على بيع الناقلة في بيع المارقة(ناقلة واحدة كاملة قد تم بيعها لإسرائيل بسعر مخفض، على الرغم من أن الأكراد ينفون ذلك) مما يجعله نظام توزيع غير موثوق.
لا يوجد أي طرف فاعل يعطي الأكراد الصلاحية لبيع نفطهم مهما كان متعاطفا معهم تحت غطاء شرعي. إذا أعلن الأكراد إستقلالهم وتم الإعتراف به دولياً، حينها لن بيرتبط هذا العنوان بنفطهم. بعيد عن الواقع أن تركيا - الدولة الوحيدة التي من خلالها الأكراد يمكن تصدير الهيدروكربونات الخاصة – متعاطفة مع إعلانهم لإستقلالهم.الأكراد لا يحتاجون فقط إلى دعم بليد، بل يحتاجون أيضاً إلى دعم فعال من الأتراك إذا أرادوا أن تكون بلادهم قابلة للتطور. سيبقى واجب الجكومة الكردية الإنتظار طالما يحل الغموض.وحتى الأكراد بأنفسهم يعترفون أنه لا وجود لإقتصاد قابل للحياة بعيدٌ عن محور النفط.
كما انه من غير الواضح ما تأثير التأسيس الفعلي للأكراد من المناطق المتنازع عليها ، وبالأخص كركوك ، سيترتب على حساب حالتها الأمنية.فلنستعر سطراً من الباحث العراقي كال صالح،" تشترك كردستان الآن 1000 كيلومتر من الحدود مع المتمردين".كما أنه سؤال مفتوح ما إذا كان سكان كركوك المختلطة عرقيا لن تقبل مثولهم إلى كردستان أساسا بقوة السلاح (حتى لو كان غير دموي).
ليس من الصعب أن نرى الأراضي الكردية المكتسبة حديثا تتحول إلى ساحات حرب مع النفط تحت هذه المناطق باقٍ في الأرض على مدى العقد المقبل. أخيرا، فإنه من الصعب تصور إيران، مع أقليتها الكردية من نحو 10 في المئة، متحمسة بشكل رهيب حول كردستان العراقية المستقلة والنفوذ الإيراني هو وجود حقيقي جدا في أربيل، تماما كما في بغداد. كون إيران لديها علاقات قوية مع كل من الأحزاب الكردية الرئيسية وقادة حكومة إقليم كردستان القيام بمسيرات سياسية إلى طهران يعتبر عادياً، تماما كما يفعل الزعماء الآخرين في المنطقة.
4. إنتاج النفط في خطر
الجزء الأكبر من إنتاج النفط في العراق، والآن في حوالي ثلاثة ملايين برميل يوميا يقع في أقصى جنوب البلاد، في وحول محافظة البصرة وهناك عدد قليل من الحقول الصغيرة ولكن هامة في أقصى الشمال الشرقي من كردستان العراق تساهم بضعة مائة ألف برميل أخر يوميا. لم يكن أي من هذه المناطق في أي مكان بالقرب من القتال الحالي.
كلها مخزنة في الجبال التي تقع في حكومة إقليم كردستان في الشمال الشرقي وعلى بعد مئات الكيلومترات من الجغرافيا العراقية الشيعية حصرا تقريبا في الجنوب. مصفاة بيجي، وهو مرفق أصبح ساحة قتال في الأسابيع الأخيرة، تركز حصرا على تكرير النفط داخلياأ وتوزيعه وليس جزءا من البنية التحتية العراقية للتصدير. لا يزال بذلك العراق على المسار الذي يسمح له بإنتاج أربعة ملايين برميل يوميا بحلول نهاية هذه السنة التقويمية، أو بعد ذلك بقليل.
بلا شك ، سوف يبطئ القتال توسع إنتاج النفط في العراق. عجز في بغداد لمعالجة عقود النفط والغاز، جنبا إلى جنب مع زيادة تكاليف الأمن والتأمين على وسائل شركات النفط الدولية يوجب علينا أن نكون الآن أقل تفاؤلا بشأن التوقعات بأن العراق سوف تنتج 6 ملايين برميل يوميا بحلول نهاية العقد. ولكن فكرة أن الجهاديين السنة سوف تجتاح حقول النفط في جنوب العراق بعيد المنال للغاية.
باختصار، حان الوقت لأخذ نفس عميق. على الرغم من تعرض النظام العراقي لصدمة مع إستيلاء جنود الدولة الإسلامية في العراق والشرق على الموصل و تكريت ، الوضع يبدو في استقرار. تعزز الدولة الإسلامية قبضتها في شمال العراق ، آخذة القبائل السنية تحت كنفها بينما يسعى المالكي والجماعات الشيعية المختلفة لحماية بغداد ومدن الأضرحة الشيعية. في الوقت الراهن، تبدو من هذه المجموعات لا تملك القوة لهزيمة أخرى.
ومع ذلك، لا أحد يصفق لهذا الواقع الجديد، وبينما العراق ليس حتى الان سورية، الأسابيع الماضية قد دفعته بالتأكيد في هذا الاتجاه على الرغم من أن التغيير قد يأتي - كذلك قد يكون هناك حكومة جديدة في بغداد ، والاستقلال الكردي بالتأكيد ليس مستحيلا، بل من غير المرجح أن يأتي بسرعة. سوف يستغرق إصلاح الدولة العراقية شهورا، إن لم يكن سنوات. في غضون ذلك، فإن العراق ربما سيستمر في تدبر أمره من خلال فصل الصيف،يقاتل جنود الدولة الإسلامية بنجاح أكبر أو أقل، مع زيادة الصراع الطائفي في جميع المناطق المختلطة من البلاد. مفاجأة كبيرة أخرى في المنطقة على الرغم من إحتمالها تبقى غير مرجحة. لكل الكلام السائب حول تقسيم البلاد و "نهاية سايكس بيكو،" يبدو أننا عالقون مع العراق كما هو، على الأقل في المستقبل المنظور.

المصدر