اللجأة صقرية المنقار هي لجأة (سلحفاة بحرية) مهددة بالانقراض تعيش في مختلف أنحاء العالم. تنتمي اللجأة صقرية المنقار فصيلة السلاحف البحرية، وهي تعد النوع الوحيد في جنسها، فيما يتبعها تحت نوعان مختلفان يعيش أحدهما (E. i. imbricata) في المحيط الأطلسي والآخر (E. i. bissa) بالمحيط الهادئ.[1]تشبه اللجأة صقرية المنقار في مظهرها السلاحف البحرية الأخرى، فطبيعة جسدها مسطَّحة، وتحميها صدفة قوية، وتستعمل أرجلاً مثل الزعانف لتوجيه نفسها في المحيط المفتوح. تمتاز هذه السلاحف بمنقارها الحادّ المعقوف الذي يفرقها عن السلاحف الأخرى، إضافةً إلى حوافّ صدفتها الحادة التي تبدو كالمنشار. يتغير لون جلد اللجأة صقرية المنقار بدرجةٍ صغيرة تبعاً لحرارة المياه التي تسكنها، ومع أنها تعيش جزءاً من حياتها في المحيط المفتوح، إلا أنَّها تقضي وقتاً أكثر في الأهوار الضَّحلة والشعاب المرجانية.تواجه اللجأة صقرية المنقار خطر الانقراض بسبب صيَّادي السمك، إذ يصنِّفها الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة كنوعٍ معرض لخطر الانقراض بشدَّة.[2] كما أن هذا النوع كان لفترةٍ المصدر الرئيسي لأصداف السلاحف التي تصطاد ويُتَاجر بها للتزيين. اللجأة صقرية المنقار محميَّة بموجب اتفاقية التجارة العالمية بالأنواع المهددة بالانقراض (سايتس)، التي تحظر صيد السلحفاة أو المتاجرة بها أو بمنتجاتها.[3]
الانتشار الجغرافي[عدل]
تقطن اللجأة صقرية المنقار أجزاءً واسعةً من محيطات العالم، إلا أنَّها تتركَّز بصورة رئيسية حول الشعاب المرجانية المدارية في المحيط الأطلسي والهندي والهادئ. فمن بين كافة أنواع السلاحف البحرية، هذه اللجأة من أكثرها تفضيلاً للمياه المدارية. يقسِّم العلماء الانتشار الجغرافي السكاني للجأة إلى جمهرتين أساسيَّتين، إحداهما في المحيط الأطلسي والأخرى بالمحيطين الهادئ والهندي.[4]
جمهرة الأطلسي[عدل]
يصل انتشار اللجأة صقرية المنقار في المحيط الأطلسي غرباً حتى خليج المكسيك، وشرقاً وجنوباً حتى رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا.[4][5][6] تعيش كذلك قبالة الساحل البرازيلي، خصوصاً عند سواحل ولاية باهيا، وتمتدُّ مواطنها شمالاً حتى فلوريدا وفرجينيا[7] وماساتشوستس في الولايات المتحدة الأمريكية غرب الأطلسي،[8] وكذلك في مياه القنال الإنكليزي (بحر المانش) المتجمِّدة شرق الأطلسي، حيث تقع أبعد دائرة عرضٍ شمالاً شوهدت فيها اللجأة صقرية المنقار حتى الآن.تقع شواطئ التعشيش الأساسية للجأة في البحر الكاريبي على جزر الأنتيل الصغرى وباربادوس[9] وغوادلوب[10] وتورتوغيورو وكوستاريكا،[11] إضافةً إلى ولاية يوكاتان المكسيكية. كذلك، تتغذى هذه السلاحف في المياه المقابلة لسواحلكوبا،[12] وكذلك حول جزيرة مونا قرب بورتوريكو،[13] وفي أماكن أخرى.
في المحيط الهندي، تتواجد اللجأة صقرية المنقار بأعدادٍ كبيرة بحِذَاء ساحل شرق أفريقيا حتى مياه جزيرة مدغشقر، فضلاً عن معظم سواحل جنوب آسيا، بما في ذلكالبحر الأحمر والخليج العربي وسواحل شبه القارة الهندية ومياه جنوب شرق آسيا، وكذلك أرخبيل الملايو وشمال أستراليا. في المحيط الهادئ، لا تقطن هذه السلاحف سوى الأقاليم المدارية وشبه المدارية منه دوناً عن غيرها، ويمتدُّ انتشارها فيه من طرف شبه جزيرة كوريا جنوب الغربيّ والأرخبيل الياباني شمالاً حتى مشارفنيوزيلندا جنوباً.تحتضن الفلبين عدداً من شواطئ تعشيش اللجأة، تقع بعضها في جزيرة بوراكاي،[14] بل وقد سُمِّيت مجموعة من الجزر جنوب غرب أرخبيل الفلبين "جزر السلاحف"، لأنَّ نوعين من السلاحف البحرية يعشِّشان على شواطئها، هما اللجأة الخضراء واللجأة صقرية المنقار.[15] في شرق المحيط الهادئ، غالباً ما تعشِّش هذه السلاحف في هاواي على جزر أواهو وماوي ومولوكيا وهاواي.[16] وأما في أستراليا فعادةً ما تعشِّش هذه اللجأة على جزيرة ميلمان الواقعة ضمن الحيّد المرجاني العظيم.[17] تصل مواقع أعشاش اللجأة صقرية المنقار غرباً حتى جزيرة كوزين وجزر سيشل، حيث تصنَّف على أنها نوعٌ محميٌّ في الأخيرة منذ عام 1994، وأدت هذه الحماية إلى بدء ازدياد أعدادها من جديد بعد تناقص حادٍّ وطويل الأمد،[18] وباتت جزر سيشل الداخلية مثل جزيرة ألدابرا مواقعاً لتغذّي اللجأة صقرية المنقار.[19][20]
جمهرة شرقيّ الهادئ[عدل]
تقطن اللجأة صقرية المنقار من شرقيّ المحيط الهادئ شري
طاً يمتدُّ من شبه جزيرة باخا كاليفورنيا المكسيكية إلى سواحل جنوب البيرو.[4] بالرغم من ذلك، صُنِّفت هذه السلحفاة منذ عام 2007 على أنَّها نوع مهدد بالانقراض إقليمياً في شرقيّ الهادئ، بعد الصيد الجائر الذي واجهته لمدة طويلة.[21] من جهةٍ أخرى، اكتشفت منذ ذلك الحين بضعة مواقع باقيةٍ بارزةٍ لتعشيش وتغذّي السلاحف، تتوزَّع على المكسيك والسلفادور ونيكاراغوا والإكوادور، ممَّا يتيح إمكانيَّة جديدةً لدراسة سلاحف هذا الإقليم علمياً وإعادة توطينها في بيئتها الطبيعية. تقطن اللجأة صقرية المنقار في معظم المناطق الأخرى من العالم الشعاب المرجانية والرفوف الصخرية، إلا أنها - على العكس من ذلك - تميل في شرقيّ الهادئ للعيش عند مصابّ الأنهار ببيئات غابات المانغروف، مثل تلك في خليج فونسيكا بالسلفادور ونيكاراغوا وفي خليج غواياكويل بالإكوادور وغيرها.[22]
الوصفمن العلامات السهلة لتمييز اللجأة صقرية المنقار طبيعة النتوءات الحرشفية السميكة التي تشكِّل صدفتها. إذ توجد من هذه النتوءات (التي تظهر كأشكالٍ شبيهة بالمعيَّن على الصدفة تفصل بينها خطوط سوداء سميكة) خمسٌ تمتدُّ عبر وسط الصدفة، من مؤخرة السلحفاة إلى رأسها، كما توجد أربعة أزواجٍ أخرى منها على جانبي الصدفة، مثلها في ذلك مثل معظم أنواع فصيلتها. تتداخل نتوءات السطح السفلي لصدفة السلحفاة بدرجةٍ كبيرة، بحيث تبدو الحافة الخلفية من صدفتها مسنَّنة الشكل وشبيهةً بحافة المنشار أو السكين الحادة.[24]
تبدو آثار اللجأة صقرية المنقار على رمال الشاطئ غير متناسقة الهيئة، وذلك لأنها تزحف على اليابسة بدفع نفسها دفعاتٍ متتالية. بالمقابل، تزحف السلحفاة الخضراء وسلحفاة المحيط جلدية الظهر على الرمال بشكلٍ متناسق، وتبدو آثارها على الشاطئ متناظرة.[25][19] بسبب تغذّي هذه السلحفاة على الحيوانات اللاسعة السامة، فإنَّ لحمها قد يصبح ساماً بدوره.[26]
تعيش السلاحف البالغة من هذا النوع عادةً في الشعاب المرجانية المدارية. غالباً ما تشاهد أثناء استراحتها بالكهوف وعلى الرفوف الصخرية، أو حول الشعاب المرجانية أثناء النهار. تقطن هذه السلاحف عدداً من الموائل المتنوِّعة بالنظر إلى كونها حيوانات مهاجرة، وتتراوح هذه الموائل من المحيط المفتوح إلى الأهوار الضحلة وحتى مستنقعاتالمنغروف عند مصابّ الأنهار.[24][27] المعلومات المعروفة عن الموائل المفضَّلة لصغار اللجأة شحيحة جداً، لكن يفترض - مثلها في ذلك مثل باقي السلاحف البحرية - أنها تقطن دائماً منطقة البحر المفتوح حتى سنّ البلوغ.[2
تعد اللجأة صقرية المنقار حيواناً قارتاً، إلا أن إسفنج البحر يمثِّل غذائها الرئيسي، حيث يؤلف ما يصل من 70 إلى 95% من كامل غذائها (بالنسبة لجمهرة البحر الكاريبي على الأقل). رغم ذلك ومثل الكثير من آكلات الإسفنج الأخرى، تنتقي هذه اللجأة أنواعاً محدَّدة من الإسفنج فقط، فيما تتجنَّب الكثير من الأنواع الأخرى. تتغذى جمهرة البحر الكاريبي على أربع رتبٍ أساسية من الإسفنج.[29] إلى جانبه، تتغذى هذه السلاحف أيضاً على الطحالبواللاسعات والمشطيات، إضافةً إلى قناديل البحر وشقائق نعمان البحر.[24] كما تتغذى على بعض الحيوانات السامة الشبيهة باللاسعات، مثل الأبابيات ورجل الحرب البرتغالي، لكنها تلجأ - أثناء تغذّيها عليها - لإغلاق عينيها لحمايتهما، وأما رأسها المدرَّع فإن الخلايا اللاسعة غير قادرةٍ على اختراقه أصلاً.[7]بصورةٍ عامة، اللجأة صقرية المنقار حيوانٌ كبير المرونة في غذائه، وقادرٌ على مقاومته بشدَّة. فالعديد من أنواع الإسفنج التي تتغذى عليها سامَّة بدرجةٍ كبيرة، بل وفي الكثير من الأحيان يكون سمُّها مميتاً للحيوانات الأخرى. بل وتركِّز هذه السلاحف في غذائها على الإسفنجيات التي تمتلك الكثير من إبر ثاني أكسيد السيليكون السامة.[7][29]
المعلومات المعروفة عن دورة حياة اللجأة صقرية المنقار شحيحة،[30] لكن بالإمكان تقسيمها إلى ثلاثة مراحل عامَّة، هي طور الصغر، منذ التفقيس وحتى بلوغ طول نحو 20 سنتيمتراً، ثم النمو، عندما تبدأ السلاحف بالتوجُّه إلى مناطق التغذي، ثم البلوغ، عندما تصبح ناضجةً جنسياً وجاهزةً للتكاثر.[31][32] قد يستمرُّ طور الصغر من نحو عامٍ إلى أربعة أعوام،[33][34] وبعدها عندما تبدأ السلاحف باختيار مناطق الغذاء فإنَّها تميل إلى الاستقرار في أماكنها،[35] رغم أنها قد تنتقل مع ذلك إلى البيئات الأخرى الشبيهة ببيئتها.[36]
التكاثرتزاوج اللجأة صقرية المنقار مرَّة كل عامين، ويكون التزاوج في أهوارٍ منعزلة، وأما التعشيش فإنه على الشواطئ القريبة من هذه الأهوار، والتي تكون عادةً بدورها على جزر نائية. عادةً ما يستمرُّ موسم تزاوجِ جمهرة المحيط الأطلسي من شهر أبريل إلى نوفمبر، وأما بالنسبة لجمهرة المحيط الهندي - في أماكن مثل جزر سيشل - فإنَّ الموسم يكون من شهر سبتمبر إلى فبراير.[19] بعد التزاوج، تجرُّ الإناث أجسادها الثقيلة إلى الشاطئ تحت جنح المساء، ثم تحفر عشاً في الرمال باستعمال أرجلها الخلفية، وتضع فيه بيوضها وتغطّيها بالرمل من جديد، وعادةً ما تحتوي أعشاش السلحفاة في البحر الكاريبيوفلوريدا نحو 140 بيضة. بعد انتهاء العملية - التي تأخذ بضعة ساعاتٍ - تعود الأنثى للبحر وتترك بيضها.[24][5]
تزن اللجآت الصغيرة حديثة الفقس في الغالب أقلَّ من 24 غراماً، وهي تفقس خلال الليل بعد نحو شهرين من وضع بيوضها. تكون ألوان الصغار قاتمةً، ولديها أصدافٌ بشكل قلبٍ وبطول نحو 2.5 سنتيمترات. يزحف الصغار غريزياً باتجاه البحر، إذ يجذبهم انعكاس القمر على سطح المياه (لذلك قد تعيقها أنوار الشوارع والمدن). والصغار التي لا تنجح ببلوغ البحر قبل طلوع الشمس تصبح فريسةً لطيور الكراكي وسرطانات الشواطئ وغيرها من الضواري.[24]
الفترة المبكرة من حياة اللجأة صقرية المنقار غير معروفةٍ حتى الآن. يفترض الأحيائيُّون أن الصغار - بعد دخولهم البحر - يتّجهون إلى منطقة البحر المفتوح، مثلها في ذلك مثل سائر السلاحف البحرية، لكن مدة بقائها في هذه المنطقة غير معروفة على وجه التحديد، وذلك لأن معدل نموّ السلحفاة غير معروف، لكن القياسات تشير إلى أنَّ السلاحف عندما تبلغ طول 35 سنتيمتراً تترك البحر المفتوح للعيش في الشعاب المرجانية عوضاً عنه.
النضج[عدل]
تصل اللجأة صقرية المنقار مرحلة البلوغ عند عمر 30 عاماً،[5] ويعتقد أن طول حياتها الإجمالي يصل 30 إلى 50 عاماً في البرية.[37] مثل معظم اللجآت الأخرى، تعيش هذه السلاحف في انعزالٍ لمعظم حياتها، ولا تلتقي أفراد نوعها الآخرين إلا للتَّزاوج، وهي تعد من الحيوانات المهاجرة كثيرة التنقل.[30] بسبب أصدافها القاسية، فإنَّ الضواري الوحيدة التي قد تفترس اللجأة صقرية المنقار البالغة هي القروش وتماسيح المياه المالحة والأخطبوطات، إضافةً إلى بعض أنواع أسماك المحيط المفتوح.[30]قد تتسبَّب عدة عوامل في نضج اللجأة وتنشيط أعضائها الجنسية، تكون سلسلةً من التأثيرات الحيوية وغير الحيوية مثل مورثات السلحفاة أو طبيعة الغذاء الذي تأكله.[38] مثل العديد من أنواع الزواحف الأخرى، فإنَّ السلاحف البحرية - حتى التي ولدت منها في نفس المكان ومن نفس المجموعة - يُستَبعد كثيراً أن تنضج جنسياً عند الحجم نفسه وخلال العمر ذاته.[39] يُقدَّر عمر النضج الجنسي عند اللجأة صقرية المنقار بما بين 10 سنواتٍ[40] و25 سنة في البحر الكاريبي،[41] وأما في المحيطين الهادئ والهندي فإنَّ السلاحف لا تضع البيض عادةً قبل عمر 30 إلى 35 عاماً.[42][43]
هيئة اللجأة صقرية المنقار هي إلى حدٍّ ما الهيئة النموذجية للسلحفاة البحرية. فمثل باقي أنواع الفصيلة، لدى هذه اللجأة جسد مفلطح. يصل طول السلاحف البالغة بالمتوسّط إلى متر واحد، ووزنها إلى نحو 80 كيلوغراماً، والرقم القياسي لوزن سلحفاة معروفةٍ كان 127 كلغم.
[7] لون الصدفة العلوي أصفر ضاربٌ للحمرة، ينتشر عليه نمطٌّ غير منتظمٍ من الخطوط الفاتحة والغامقة التي يسود حولها لونٌ أسود وبني مرقَّش