حقيقة إبن ملجم
في البداية يجب أن نعلم إن عبد الرحمن بن ملجم [ لعنة الله
عليه ] هو من أصحاب أمير المؤمنين ظاهرا وإنه كان شديد الحب لأمير المؤمنين عليه السلام كما كان يزعم وكان أمير المؤمنين عليه السلام يذكره بأمر شديد عليه ألا وهو إنه قاتله وهذا أمر يجب الالتفات إليه جيدا لأن مصير الإنسان متعلق بحسن الخاتمة إن لم تكن لديه مقدمات حسنة فإن سوء الخاتمة من أشد الأمور على الإنسان حيث يسلبه الله حسن التوفيق باختياره ويكون مصداقا لقوله تعالى[ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ويحسبون إنهم يحسنون صنعا ]. عبد الرحمن بن ملجم الحميري وعداده في مراد وهو حليف بني جبلة من كنده ، ويقال ان مراد اخواله ، قال الكلبي : هو عبد الرحمن بن عمرو بن ملجم بن المكشوح بن نفر بن كلدة بن حمير وكان كلدة اصاب دما في قومه من حمير فاتى مراد فقال : اتيتكم تجوب بي ناقتي الارض ، فسمي تجوب(1) فعلى هذا يكون عداده في كندة وللقاءه بأمير المؤمنين عليه السلام خبر في غاية الأهمية واللطافة .
لما توفي عثمان وبايع الناس أمير المؤمنين عليه السلام كان رجل يقال له حبيب بن المنتجب واليا على بعض أطراف اليمن من قبل عثمان فأقره أمير المؤمنين عليه السلام وكتب إليه كتابا يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى حبيب بن المنتجب سلام الله عليك أما بعد : فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على محمد عبده ورسوله وبعد فإني وليتك ما كنت عليه لمن كان من قبل فأمسك [ فأمكن ] على عملك وإني أوصيك بالعدل في رعيتك والإحسان إلى أهل مملكتك واعلم أن من ولي على رقاب عشرة من المسلمين ولم يعدل بينهم حشره الله يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه لا يفكها إلا عدله في دار الدنيا فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقرأه على من قبلك من أهل اليمن وخذ لي البيعة على من حضرك من المسلمين فإذا بايع قوم مثل بيعة الرضوان فامكث في عملك وأنفذ إلي عشرة يكونون من عقلائهم وفصحائهم وتقاتهم ممن يكونون أشدهم عونا من أهل الفهم والشجاعة عارفين بالله عالمين بأديانهم ومالهم وما عليهم وأجودهم رأيا وعليك وعليهم السلام .
وطوى الكتاب وختمه وأرسله مع أعرابي فلما وصل إليه وضعه على عينه ورأسه فلما قرأه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وآله ثم قال : أيها الناس اعلموا إن عثمان قد قضى نحبه وقد بايع الناس من بعده العبد الصالح والإمام الناصح أخا رسول الله صلى الله عليه واله وخليفته وهو أحق بالخلافة وهو أخو رسول الله وابن عمه وكاشف الكرب عن وجهه وزوج ابنته ووصيه وأبو سبطيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فما تقولون في بيعته والدخول في طاعته؟
قال فضج الناس بالبكاء والنحيب وقالوا :
ـ سمعا وطاعة وحبا وكرامة لله ولرسوله ولأخي رسوله ، فأخذ البيعة منهم عامة فلما بايعوا قال لهم :
أريد منكم عشرة من رؤساءكم وشجعانكم أنفذهم إليه كما أمرني
فقالوا : سمعا وطاعة .
فاختار منهم مائة ثم من المائة سبعين ثم من السبعين ثلاثين ثم من الثلاثين عشرة منهم عبد الرحمن بن ملجم [ لعنه الله ] وخرجوا من ساعتهم فلما أتوه عليه السلام سلموا عليه وهنئوه بالخلافة فرد عليه السلام ورحب بهم فقدم بن ملجم وقام بين يديه وقال :
السلام عليك أيها الإمام العادل والبدر التمام والليث الهمام والبطل الضرغام والفارس القمقام ومن فضله الله على سائر الأنام صلى الله عليك وعلى آلك الكرام أشهد أنك أمير المؤمنين صدقا وحقا وإنك وصي رسول الله صلى الله عليه واله والخليفة من بعده ووارث علمه لعن الله من جحد حقك ومقامك أصبحت أميرها وعميدها لقد اشتهر بين البرية عدلك وهطلت شآبيب فضلك وسحائب رحمتك ورأفتك عليهم ولقد نهضنا الأمير إليك فسررنا بالقدوم عليك فبوركت بهذه الطلعة المرضية وهنئت بالخلافة في الرعية.
ففتح أمير المؤمنين عليه السلام عينيه في وجهه ونظر إلى الوفد فقربهم وأدناهم فلما جلسوا دفعوا إليه الكتاب ففضه وقرأه وسر بما فيه فأمر لكل واحد منهم بحلة يمانية ورداء عدنية وترس عربية وأمر أن يفتقدوا ويكرموا فلما نهضوا قام بن ملجم [ لعنه الله ] ووقف بين يديه فأنشد :
أنت المهيمن والمهذب ذو النـدى وابن الضراغم في الطراز الأول
الله خصك يا وصـي مـحــــــمـد وحباك فضلا في الكتـاب المنــزل
وحباك بالزهـراء بنـت محـــــــمـد حـورية بنـت النـبـي المرســـــــــل
ثم قال :
يا أمير المؤمنين ارم بنا حيث شئت لترى منا ما يسرك فوالله ما فينا إلا كل بطل أهيس وحازم أكيس وشجاع أشوس ورثنا ذلك عن الآباء والأجداد وكذلك نورثه الأولاد .
قال فاستحسن أمير المؤمنين كلامه من بين الوفد فقال:ما اسمك يا غلام ؟
قال : اسمي عبد الرحمن .
قال عليه السلام : ابن من ؟
قال : إبن ملجم المرادي .
قال له عليه السلام : أ مرادي أنت ؟
قال : نعم يا أمير المؤمنين .
فقال عليه السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وجعل أمير المؤمنين يكرر النظر إليه ويضرب إحدى يديه على الأخرى ويسترجع ثم قال له :
ويحك أ مرادي أنت ؟
قال : نعم .
فعندها تمثل عليه السلام بقوله :
أنا أنصـحك منـي بالـوداد
|
|
مكاشفة وأنـت من الأعـــادي
|
أريد حـياتـه ويريد قتلــي
|
|
عذيـرك من خلـيلك من مـراد
|
قال الأصبغ بن نباته : لما دخل الوفد على أمير المؤمنينعليه السلام بايعوه وبايـعه بن ملجم فلما أدبر عنه دعاه أمير المؤمنينعليه السلام ثانيا فتوثق منه بالعهود والمواثيق أن لا يغدر ولا ينكث ففعل ثم سار عنه ثم استدعاه ثالثا ثم فقال بن ملجم : ما رأيتك فعلت هذا بغيري .
فقال عليه السلام : امض لشأنك فما أراك تفي بما بايعت عليه .
فقال له بن ملجم : كأنك تكره دخولي عليك لما سمعته من اسمي وإني والله لا أحب إلا الإقامة معك والجهاد بين يديك وإن قلبي محب لك وإني والله أوالي وليك وأعادي عدوك .
قال : فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام وقال له :
يا أخا مراد إن سألتك عن شيء تصدقني فيه .
قال : أي وعيشك يا أمير المؤمنين ، فقال له عليه السلام : هل كان لك داية يهودية فكانت إذا بكيت تضربك وتلطم جبينك وتقول لك : أسكت فإنك أشقى من عاقر ناقة صالح وإنك ستجني في كبرك جناية عظيمة يغضب الله بها عليك ويكون مصيرك إلى النار
فقال : قد كان ذلك ، ولكنك والله يا أمير المؤمنين أحب إلي من كل أحد .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : والله ما كذبت ولا كذبت (1)ولقد نطقت حقا وقلت صدقا وأنت والله قاتلي لا محالة وتخضب هذه من هذه وأشار إلى لحيته ورأسه ولقد قرب وقتك وحان زمانك .
فقال بن ملجم : والله يا أمير المؤمنين إنك أحب إلي من كل ما طلعت عليه الشمس ولكن إذا عرفت ذلك مني فسيرني إلى مكان تكون ديارك من دياري بعيدة .
فقال عليه السلام : كن مع أصحابك حتى آذن لكم بالرجوع إلى بلادكم ثم أمرهم عليه السلام بالنزول في بني تميم فأقاموا ثلاثة أيام ثم أمرهم بالرجوع إلى اليمن .
فلما عزموا على الخروج مرض بن ملجم [ لعنه الله ] مرضا شديدا فذهبوا وتركوه فلما برأ أتى أمير المؤمنين عليه السلام فكان لا يفارقه ليلا ولا نهارا ويسارع في قضاء حوائجه وكان يكرمه ويدعوه إلى منزله ويقربه وكان مع ذلك يقول له : أنت قاتلي ، ويكرر ذلك
أريد حياته ويريد قتلي
|
|
عذيرك من خليلك من مراد
|
فيقول له : يا أمير المؤمنين إذا عرفت ذلك مني فاقتلني .
فيقول له : إنه لا يحل ذلك أن أقتل رجلا قبل أن يفعل بي شيئا .
وفي خبر آخر قال : إذا قتلتك فمن يقتلني (1)؟
فسمعت الشيعة ذلك فوثب مالك الأشتر والحارث الأعور وغيرهما من الشيعة فجروا سيوفهم وقالوا :
يا أمير المؤمنين من هذا الكلب الذي تخاطبه بمثل هذا الخطاب مراراً وأنت إمامنا وولينا وأبن عم نبينا فمرنا بقتله.
فقال لهم : اغمدوا سيوفكم بارك الله فيكم ولا تشقوا عصا هذه الأمة أترون إني أقتل رجلاً لم يصنع بي شيئاً فلما انصرف إلى بيته اجتمعت الشيعة واخبر بعضهم بعضاً بما سمعوا وقالوا :
إن أمير المؤمنين يجلس إلى الجامع وقد سمعتم خطابه لهذا المرادي وهو ما يقول إلا حقاً وقد علمتم عدله وإشفاقه علينا ونخاف أن يغتاله هذا المرادي فتعالوا نقترع على أن يحوطه كل ليلة منا قبيلة فوقعت القرعة في الليلة الأولى والثانية والثالثة على أهل الكناس فتقلدوا سيوفهم أقبلوا فيليلتهم إلىالجامع فلما رآهم على تلك الحالة قالعليه السلام : ما شأنكم ؟
فأخبروه ، فدعا لهم وتبسم ضاحكاً وقال :
جئتم تحفظوني من أهل السماء أم من أهل الأرض ؟
قالوا : من أهل الأرض
قال : ما يكون شيء في السماء إلا هو في الأرض وما يكون من شيء في الأرض إلا هو في السماء ثم تلا[ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ] (1)
ثم أمرهم أن يأتوا منازلهم ولا يعودوا لمثلها ثم إنه صعد للمأذنة وكان إذا تنحنح يقول السامع ما أشبهه بصوت رسول الله صلى الله عليه واله
فتأهب الناس لصلاة الفجر وكان إذا أذن يصل صوته إلى نواحي الكوفة كلها ثم نزل فصلى وكانت هذه عادته .
أقام بن ملجم في الكوفة إلى أن خرج أمير المؤمنين إلى غزاة النهروان فخرج بن ملجم معه وقاتل بين يديه قتالاً شديداً فلما رجع إلى الكوفة وقد فتح الله على يديه قال بن ملجم [ لعنة الله عليه ] :
يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أتقدمك إلى المصر وأبشر أهله بما فتح الله عليك من النصر .
فقال له عليه السلام : ما ترجو بذلك ؟
قال : الثواب من الله والشكر من الناس وأفرح الأولياء وأكمد الأعداء فقال له عليه السلام : شأنك ؟
ثم أمر بحله سنية وعمامتين وفرسين وسيفين ورمحين فسار بن ملجم ودخل الكوفة وجعل يخترق أزقتها وشوارعها وهو يبشر الناس بما فتح الله على أمير المؤمنين عليه السلام وقد دخل العجب في نفسه .
فانتهى به الطريق إلى محلة بني تيم فمر على دار تعرف بالقبيلة وهي أعلى دار بها وكانت لقطام بنت سخينة بنت عوف بن تيم اللات(1) وكانت موصوفة بالحسن والجمال والبهاء والكمال فلما سمعت كلامه إلتفتت إليه وسألته النزول عندها ساعة(2) لتسأله عن أهلها فلما قرب من منزلها وأراد النزول عن فرسه خرجت إليه ثم كشفت له عن وجهها وأظهرت له محاسنها فلما رآها
أعجبته وهواها من وقته فنزل عن فرسه ودخل إليها وجلس في دهليز الدار وقد أخذت بجماع قلبه فبسطت له بساطا ووضعت له متكأ وأمرت خادمتها أن تنزع أخفافه وأمرت له بماء فغسل وجهه ويديه وقدمت إليه طعاما فأكل وشرب وأقبلت إليه تروحه من الحر فجعل لا يمل من النظر إليها وهي مع ذلك مبتسمة في وجهه سافرة له عن نقابها بارزة له عن جميع محاسنها ما ظهر منه وما بطن فقال لها :
أيتها الكريمة لقد فعلت اليوم بي ما وجب به بل يبغضه علي مدحك وشكرك دهري كله فهل من حاجة أتشرف بها وأسعى في قضاءها .
قال : فسألته عن الحرب ومن قتل فيها فجعل يخبرها ويقول :
فلان قتله الحسن عليه السلام وفلان قتله الحسين عليه السلام إلى أن بلغ قومها وعشيرتها وكانت قطام [ لعنها الله ] على رأس الخوارج وقد قتل أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الحرب من قومها جماعة كثيرة منهم أبوها وأخوها(1) وعمها ، فلما سمعت منه ذلك صرخت باكية ثم لطمت خدها وقامت من عنده ودخلت البيت وهي تندبهم طويلا ، فندم بن ملجم فلما خرجت إليه قالت :
يعز علّي فراقهم فمن لي بعدهم أفلا ناصر ينصرني ويأخذ لي بثأري ويكشف عن عاري فكنت أهب له نفسي وأمكنه منها ومن مالي وجمالي فرق لها بن ملجم [ لعنه الله ] وقال لها :
ـ غضي صوتك وارفقي بنفسك فإنك تعطين مرادك .
فسكتت من بكاءها وطمعت في قوله ثم أقبلت عليه بكلامها وهي كاشفة عن صدرها ومسبلة شعرها فلما تمكن هواها من قلبه مال إليها بكليته .
واستحوذ عليه الشيطان
ثم جذبها إليه وقال لها :
ـ كان أبوك صديقا لي وقد خطبتك منه فأنعم لي بذلك فسبق إليه الموت فزوجيني نفسك لآخذ لك بثأرك . ففرحت بكلامه وقالت :
ـ قد خطبني الأشراف من قومي وسادات عشيرتي فما أنعمت إلا لمن يأخذ لي بثأري ولما سمعت عنك إنك تقاوم الشجعان فأحببت أن تكون لي بعلا وأكون لك أهلا .
فقال لها : فإني والله كفء كريم فاقترحي علي ما شئت من مال وفعال .
فقالت له : لئن قدمت على العطية والشرط فها أنا بين يديك فتحكم كيف شئت
فقال لها : وما العطية والشرط ؟؟
فقالت له : فثلاثة آلاف دينار (1)وعبد وقينة
فقال : هذا أنا ملي به فما الشرط المذكور ؟؟
نم على فراشك حتى أعود إليك ، ثم إنها دخلت خدرها فلبست أفخر ثيابها ولبست قميصا رقيقا يرى صدرها وحليها وزادت في الحلي والطيب وخرجت في معصفرها فجعلت تباشره في محاسنها ليرى حسنها وجمالها وأرخت عشرة ذوائب من شعرها منظومة بالدر والجوهر فلما وصلت إليه أرخت
لثامها عن وجهها ورفعت معصفرها وكشفت عن صدرها وقالت:
إن قدمت على الشرط المشروط ظفرت بهذا جميعه وأنت مسرور مغبوط فملأ بن ملجم عينه منها فحار عقله وهوى لحينه مغشيا عليه ساعة فلما أفاق قال: يا منية النفس ما شرطك فاذكريه لي فإني سأفعله ولو كان دونه قطع القفار وخوض البحار وقطع البراري واختلاس النفوس ؟؟
قالت له الملعونة : شرطي عليك أن تقتل علي بن أبي طالب بضربة واحدة بهذا السيف في مفرق رأسه يأخذ به ما يأخذ ويبقي ما يبقي .
فلما سمع بن ملجم كلامها استرجع ورجع إلى عقله وأغاضه وأقلقه وصاح بأعلى صوته : ويحك ما هذا الذي واجهتني به بئس ما حدثتك به نفسك من المحال ، ثم طأطأ رأسه وهو يسيل عرقا وهو متفكر في أمره ثم رفع رأسه إليها وقال لها : ويلك من يقدر على قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المجاب الدعاء المنصور في السماء والأرض ترجف من هيبته والملائكة تسرع إلى خدمته ، ويلك من يقدر على قتل علي بن أبي طالب وهو مؤيد من السماء والملائكة تحوطه بكرة وعشيا ولقد كان في أيام رسول اللهصلى الله عليه واله إذا قاتل يكون جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك الموت بين يديه فمن هو هكذا لا طاقة لأحد بقتله ولا سبيل لمخلوق على اغتياله ومع ذلك إنه قد أعزني وأكرمني وأحبني ورفعني وآثرني على غيري فلا يكون ذلك جزاءه مني أبدا فإن كان غيره قتلته لك شر قتلة ولو كان أفرس أهل زمانه وأما أمير المؤمنينعليه السلام فلا سبيل لي إليه
فصبرت عليه حتى سكن غضبه ودخلت معه في المداعبة والملاطفة وعلمت إنه قد نسي ذلك القول ثم قالت :
ـ يا هذا ما يمنعك من قتل علي بن أبي طالب وترغب في هذا المال وتنعم بهذا الجمال وما أنت بأعف وأزهد من الذين قاتلوه وقتلهم وكانوا من الصوامين القوامين فلما نظروا إليه وقد قتل المسلمين ظلما وعدوانا اعتزلوه وحاربوه ومع ذلك فإنه قد قتل المسلمين وحكم بغير حكم الله وخلع نفسه من الخلافة وإمرة المؤمنين فلما رأه قومه على ذلك اعتزلوه فقتلهم بغير حجة له عليهم .
فقال لها إبن ملجم :
ـ يا هذه كفي عني فقد أفسدت علي ديني وأدخلت الشك في قلبي وما أدري ما أقول وقد عزمت على رأيي ثم أنشد
ثـلاثـة آلاف وعبـد وقيـــــــــــــــنـة وقتـل عـلي بالحسام المصـــــــمم
فلا مهر أغلى من علي وإن غـلى ولا فتك إلا دون فتك بن ملجم
فأقسمت بالبيت الحرام و من أتى إليه جهارا من حــل ومحــــــــــرم
لقد أفسدت عقلي قطام وإننـــــــي لمنها على شـك عظيم مذمــــــــم
لقتل علي خير من وطئ الــــــثرى أخ البدر الـهادي النبي المكــــرم
ثم أمسك ساعة وقال :
فلم أر مهرا ساقه ذو سماحــــــة كمهر قطام من فصيـح وأعجـــم
ثـلاثـة آلاف وعبـد وقينـــــــــــــــه وقتـل عـلي بالحسام المصمـــــــــم
فلا مهر أغلى من علي وإن غلى ولا فتك إلا دون فتك بن ملجم
فأقسـم بالبيت الحرام و من أتى إليه جهارا من حــل ومحـــــــــــرم
لقد خاب من سعى بقتل إمامــه وويل له من حر نار جهـــــــــــــنم(1)
ثم قال لها :
ـ أجليني ليلتي هذه حتى أنظر في أمري وآتيك غدا بما يقوى عليه عزمي .
فلما هم بالخروج أقبلت إليه وضمته إلى صدرها وقبلت ما بين عينيه وأمرته بالاستعجال في أمرها وسايرته إلى باب الدار وهي تشجعه وأنشدت له أبياتا فخرج الملعون من عندها وقد سلبت فؤاده وأذهبت رقاده ورشاده فبات ليله قلقا متفكرا فمرة يعاتب نفسه ومرة يفكر في دنياه وأخرته فلما كان وقت السحر أتاه طارق
فطرق الباب فلما فتحه فإذا رجل من بني عمه على نجيب وإذا هو رسول من أخوته إليه يعزونه في أبيه وعمه ويعرفونه إنه خلف مالا جزيلا وإنهم دعوه سريعا ليحوز ذلك المال فلما سمع ذلك بقي متحيرا في أمره إذ جاءه ما يشغله عما عزم عليه من أمر قطام فلم يزل مفكرا في أمره حتى عزم على الخروج وكان له اخوة لأبيه وأمه وقد كانت أمه من زبيد يقال لها عدنية وهي ابنة أبي علي بن ماشوج وكان أبوه مراديا كانوا يسكنون نجران صنعاء (1)فلما وصل إلىالنجف ذكر قطام ومنزلتها في قلبه ورجع إليها فلما طرق الباب أطلعت عليه وقالت : من الطارق ؟؟
فعرفته على حالة السفر فنزلت إليه وسلمت عليه وسألته عن حاله فأخبرها بخبره ووعدها بقضاء حاجتها إذا رجع من سفره وتمليكها جميع ما يجيء به من المال فعدلت عنه مغضبة فدنا منها وقبلها وودعها وحلف لها إنه يبلغها مأمولها في جميع ما سألته فخرج وجاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام وأخبره بما جاء إليه لأجله وسأله أن يكتب إلى إبن المنتجب كتابا ليعينه على استخلاص حقه فأمر عليه السلام كاتبه فكتب له ما أراد ثم أعطاه فرسا من جياد خيله فخرج وسار سيرا حثيثا .
حتى وصل إلى بعض أودية اليمن فأظلم عليه الليل فبات في بعضها فلما مضى من الليل نصفه وإذا هو بزعقة عظيمة من صدر الوادي ودخان يفور ونار مضرمة فانزعج لذلك وتغير لونه ونظر إلى صدر الوادي وإذا بالدخان قد أقبل كالجبل العظيم وهو واقع عليه والنار تخرج من جوانبه فخر مغشيا عليه فلما أفاق وإذا بهاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو يقول :
اسمع وع القول يا بن ملـجم إنـك في أمر مهول عظــــــــــيم
تظمر قتل الفارس المـكــــرم أكرم من طاف ولبى و أحرم
ذاك علي ذو النقاء الأقـــــدم فارجع إلى الله لكيلا تنــــــدم
فلما سمع توهم إنه من طوارق الجن وإذا بالهاتف يقول :
ـ يا شقي يا بن الشقي أما ما أضمرت من قتل الزاهد العابد العادل الراكع الساجد إمام الهدى وعلم التقى والعروة الوثقى فأنا علمنا بما تريد أن تفعله بأمير المؤمنين ونحن من الجن الذين أسلمنا على يديه (1)نحن نازلون بهذا الوادي فإنا لا ندعك تبيت فيه فإنك ميشوم على نفسك ثم جعلوا يرمونه بقطع الجنادل فصعد فوق شاهق فبات بقية ليله فلما أصبح سار ليلا ونهارا حتى وصل اليمن وأقام عندهم شهرين وقلبه على حر الجمر من أجل قطام .
ثم إنه أخذ الذي أصابه من المال والمتاع والأثاث والجواهر وخرج فبينما هو في بعض الطريق إذ خرج عليه قطاع الطريق فسايرهم وسايروه فلماقرب من الكوفة حاربوه وأخذوا جميع ما كان معه ونجا بنفسه وفرسه وقليل من الذهب على وسطه وما كان تحته فهرب على وجهه حتى كاد أن يهلك عطشا وأقبل سائرا في الفلاة مهووسا جائعا عطشانا فلاح له شبح فقصده فإذا بيوت من أبيات العرب فقصد منها بيتا فنزل عندهم واستسقاهم شربة ماء فسقوه وطلب لبنا فأتوه به فنام ساعة فلما استيقظ أتاه رجلان وقدما إليه طعاما فأكل وأكلا معه وجعلا يسألانه عن الطريق فأخبرهما ثم قالا له :
ممن الرجل ؟
قال : من بني مراد .
قالا : أين تقصد ؟
قال : الكوفة .
فقالا : كأنك من أصحاب أبي تراب(1)؟
قال :نعم
فاحمرت أعينهما غيظا وعزما على قتله ليلا وأسرا ذلك ونهضا فتبين له ما عزما عليه وندم على كلامه فبينما هو متحير إذ أقبل كلبهم ونام قريبا منهم فأقبل اللعين يمسح بيده على الكلب ويشفق عليه ويقول :
ـ مرحبا بكلب قوم أكرموني .
فاستحسنا ذلك وسألاه ما اسمك ؟
قال : عبد الرحمن بن ملجم
فقالا له : ما أردت بصنعك هذا في كلبنا ؟
فقال : أكرمته لأجلكم حين أكرمتموني فوجب علي شكركم وكان هذا منه خديعة ومكرا .
فقالا : الله أكبر الآن وجب حقك علينا ونحن نكشف لك عما في ضمائرنا.
مؤامرة الخوارج
نحن قوم نرى رأي الخوارج وقد قتل علي أعمامنا وإخواننا وأهالينا كما علمت فلما أخبرتنا إنك من أصحابه عزمنا على قتلك في هذه الليلة فلما رأينا صنيعك هذا بكلبنا صفحنا عنك ونحن الآن نطلعك على ما قد عزمنا عليه :
فسألهما عن أسمائهما فقال أحدهما : أنا البرك بن عبد الله التميمي وهذا عبد الله بن عثمان العتيري صهري وقد نظرنا إلى ما نحن عليه في مذهبنا فرأينا أن فساد الأرض والأمة كلها من ثلاثة هم أبو تراب ومعاوية وعمرو بن العاص .
فأما أبو تراب فإنه قتل رجالنا كما رأيت وفكرنا أيضا في الرجلين معاوية وابن العاص وقد وليا علينا هذا الظالم الغشوم بسر بن أرطأة يطرقنا كل وقت ويأخذ أموالنا وقد عزمنا على قتل هؤلاء الثلاثة فإذا قتلناهم توحدت الأرض وأقعد الناس لهم إماما يرضونه .
فلما سمع بن ملجم كلامهما صفق بإحدى يديه على الأخرى وقال :
ـ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة إني لثالثكما وإني أوافقكما على رأيكما وإني أكفيكما أمر علي بن أبي طالب .
فنظرا إليه متعجبين من كلامه فقال : والله ما أقول لكما إلا حقا .
ثم ذكر لهما قصته فلما سمعا كلامه عرفا صحته وقالا :
إن قطام من قومنا وأهلها كانوا من عشيرتنا فنحن نحمد الله على اتفاقنا .
فهذا لا يتم إلا بالإيمان المغلظة فنركب مطايانا ونأتي الكوفة ونتعاقد عندها على الوفاء .
فلما أصبحوا وركبوا حضر عندهم بعض قومهم فأشاروا عليهم وقالوا :
لا تفعلوا ذلك فما منكم أحد إلا ويندم ندامة عظيمة فلم يقبلوا وساروا جميعا حتى أتوا البيت وتعاهدوا عنده .
فقال البرك : أنا لعمرو بن العاص .
وقال العنري : أنا لمعاوية .
وقال بن ملجم : أنا لعلي بن أبي طالب .
فتحالفوا على ذلك ثم تفرقوا وقد عينوا يوما معلوما يقتلون فيه الجميع ثم سار كل منهم على طريقه (1).
(1)انساب الاشراف ج2 ص488 .
تجيب : بطن من كندة وهو أشرس بن شعيب بن السكون بن كندة كانوا يسكنون الكسر في وسط حضرموت وكان منهم بحضرموت في عهد الهمداني ألف وخمسمائة منهم أربعمائة فارس وكان لهم خطة بمصر تعرف بإسمهم ( معجم قبائل العرب ج1 ص 116)
(1)أي ما كذبت بما قلت ولا كذبت بما قيل لي من هذه الأخبار .
(1)وأطرف هذه الأخبار جميعا إن أمير المؤمنين عليه السلام كان ينادي في الملأ إن من أراد أن ينظر إلى قاتلي فلينظر لهذا ويشير إلى عبد الرحمن بن ملجم فقد قال له يوما عبد الرحمن (( لعنه الله )) :
ـ يا أمير المؤمنين أحلف لك ثلاثة أيمان إني أحبك وأنت تحلف لي إني لا أحبك فقال عليه السلام : ويلك إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان فأسكنها الهواء فما تعارف منها هناك ائتلف في الدنيا وما تناكر منها اختلف في الدنيا وإن روحي لا تعرف روحك وقد عرض علينا المحب والمبغض فما رأيتك فيمن أحبنا ثم قال عليه السلام : إذا سركم أن تنظروا إلى قاتلي فانظروا إلى هذا .
فقيل له أفلا تقتله ؟
قال عليه السلام كيف أقتل قاتلي ؟
((مستدرك نهج البلاغة ص 87)) الهادي كاشف الغطاء .
فسلام عليك يا أمير المؤمنين يوم ولدت ويوم علمت إن قاتلك عبد الرحمن ويوم علمت الساعة التي تقتل فيها
(1)التوبة 51
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان قنبر غلام علي يحب علياً عليه السلام حباً شديداً فإذا خرج علي صلوات الله عليه خرج على إثره بالسيف فرآه ذات ليلة فقال يا قنبر ما لك ؟ فقال : جئت أمشي خلفك يا أمير المؤمنين قال ويحك أمن أهل السماء تحرسني أو من أهل الأرض ؟
فقال : لا بل من أهل الأرض . فقال عليه السلام : إن أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلا بإذن الله من السماء فارجع ، فرجع ( أصول الكافي ج 2 ص 59 )
(1)فطام بن شجنة ، وكان علي قتل اباها شجنة بن عدي واخاها الاخضر بن شجنة يوم النهروان. انساب الاشراف ج2 ص491 .
(2)ذكر المبرد في الكامل ج3 ص 129 إن عبد الرحمن (( لعنه الله )) مر في أحد الأيام بدار من دور الكوفة فيها عرس فخرج منها نسوة فرأى فيهن امرأة جميلة يقال لها قطام بنت الأصبغ التيمي فوقع قلبه في حبها وقال لها :
يا جارية أيم أنت أم ذات بعل ؟
فقالت : بل أيم .
فقال لها : هل لك في زوج لا تذم خلائقه ؟؟
قالت : نعم ولكن لي أولياء أشاورهم .
ودخلت فتبعها ثم خرجت إليه فقالت :
يا هذا إن لي أولياء آلوا أن لا يزوجوني إلا على ثلاث آلاف درهم وعبد وقينه .
فقال : لك ذلك .
قالت : وشريطة أخرى .
قال : ما هي ؟؟
قالت : قتل علي بن أبي طالب فإنه قتل أخي في يوم النهروان .
قال : ويحك ومن يقدر على قتل علي بن أبي طالب وهو فارس الفرسان وواحد الشجعان .
قالت : لا تكثر فذلك أحب إلينا من المال إن كنت تفعل ذلك وتقدر عليه وإلا فاذهب إلى سبيلك . فلما رآها تقول الجد قال لها :
والله ما جئت الكوفة إلا لقتل علي فقد أعطيتك ما سألتك .
قال : ما يغنيك أو ما يغنيني منك قتل علي وأنا أعلم إن قتلته لم أفلت .
ثم قال لها : لما رأيتك آثرت تزويجك .
فقالت : ليس إلا الذي قلت .
قالت : إن قتلته فنجزت فهو الذي نبغي فتبلغ شفاء نفسي ويهنأ بك العيش معي وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها .
أقول : عند المبرد إن هذا حدث بعد عودته من مؤتمر الخوارج لقوله ما دخلت الكوفة إلا لقتل علي ، وانظر أيضا مقاتل الطالبيين ص 21
(1)وذكر إبن دريد في الإشتقاق ص 186 إن المستورد من رجال تيم بن عبد مناة وكانت له نجدة ولقى معقل بن قيس الرياحي وكان معقل على شرطة علي بن أبي طالب عليه السلام فقتل ل واحد منهما صاحبه ، وأخته قطام وهي التي تزوجت إبن ملجم لعنه الله واشترطت عليه أن يقتل علي بن أبي طالب عليه السلام .
(1)في بعض الروايات ثلاثة آلاف درهم والتحقق من ذلك صعب جدا لأن الروايات في الغالب تذكر الرقم مجردا عن الصفة وإن كان الأرجح دينار لأن الدولة في ذلك العصر كانت كثيرة المال والخير عميم.
(1)الاختلاف في نسبة هذه الأبيات واسع بين المؤرخين فالطبري في تاريخه ج6 ص 220 والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 170 والشبلنجي في نور الأبصار ص 105 يروونها للفرزدق مرة ومرة لابي مياس المرادي بهذه الصورة:
تضمــن للآثــام لا در دره ولاقى عقابا غير ما متـصـــرم
فلم أر مهرا ساقه ذو سماحـــة كمهر قطام من فصيح وأعـجـم
ثـلاثـة آلاف وعبـد وقينــه و ضرب علي بالحسام المصـــمم
فلامهر أغلى وإن غلا من علـــي ولا فتك إلا دون فتك بن ملجـم
ولاغروا للأشراف إن ظفرت بهــم كلاب الأعادي من فصيح وأعجـم
فحربة وحشـي سقت حمزة الـردى وحتف علي من حسـام بن ملجـم
أما المبرد في الكامل ج3 ص 197 ينسبها لعبد الرحمن وأبو الفرج في المقاتل ص 28 فقد نسبها لإبن أبي مياس الفزاري والأبيات مهملة في مقاييس اللغة ج4 ص 472 لإبن فارس ونسبتها لأبي مياس المرادي شاعر الخوارج ضعيفة لا تصح كونها تقدح بعبد الرحمن الخارجي كما إن الذي في المتن قد يكون مضافا والأصل من قوله :
فأقسمت بالبيت ………… كي يكون الأمر معقولا وإلا فلا يصح أن يذم عبد الرحمن نفسه قبل الفعل بهذا القول ولا يرتدع والله العالم .
(1)هنالك أدلة تؤكد إن عبد الرحمن لم يكن مراديا فهو إما يهودي عداده من مراد أو إنه دعي إذ القاعدة المتسالم عليها إن قتلة الأنبياء والأوصياء أولاد بغايا ويدل على ذلك أخبار :قال الإمام الباقر عليه السلام : إن عاقر ناقة صالح أزرق بن بغي وإن قاتل علي إبن بغي وكانت مراد تقول ما نعرف له فينا أبا ولا نسبا ، وإن قاتل الحسين عليه السلام إبن بغي وإنه لم يقتل الأنبياء إلا أولاد البغايا .
( بحار ج42 ص 313 عن قصص الأنبياء للراوندي )
عن حنان بن سدير عن رجل من مزينة قال :
ـ كنت جالسا عند علي فأقبل إليه قوم من مراد ومعهم بن ملجم فقالوا :
ـ يا أمير المؤمنين إن هذا طرأ علينا ولا والله ما جاءنا زائرا ولا منتجعا وإنا لنخافه عليك فاشدد على يديه.
فقال له علي عليه السلام : اجلس ، فنظر في وجهه طويلا ثم قال عليه السلام :
ـ رأيتك إن سألتك عن شيء وعندك منه علم هل أنت مخبري عنه ؟؟
قال : نعم ، وحلف عليه .
فقال عليه السلام : أ كنت تصارع الغلمان وتقوم عليهم فكنت إذا جئت فرأوك من بعيد قالوا : إبن راعية الكلاب ؟؟
قال : اللهم نعم
فقال له : مررت برجل وقد أبقعت فنظر إليك وأحد النظر فقال : أشقى من عاقر ناقة ثمود ؟ =
قال : نعم
فقال له : قد أخبرتك أمك إنها حملت بك في بعض حيضها فتعتع هنيهة ثم قال: نعم حدثتني بذلك ولو كنت كاتما شيئا لكتمت هذه المنزلة .
فقال له عليه السلام : قم ، ثم قال عليه السلام : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله إنه يقول : قاتلك شبه اليهودي بل هو اليهودي لعنه الله بحار ج42 ص 198
وكذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام حين ضرب : قتلني إبن اليهودية .
وقد مر عليك في المدخل تفسير الصادق عليه السلام قوله تعالى :
(( وقضينا إلى بني إسرائيل الإسراء /4)) فراجعه .
(1)عن سلمان الفارسي قال : كنا مع رسول الله (( صلى الله عليه وآله وسلم)) في يوم مطير ونحن ملتفتون نحوه فهتف هاتف : السلام عليك يا رسول الله فرد (C) وقال من أنت قال عرفطة بن شمراخ أحد بني نجاح قال صلى الله عليه واله :
ـ اظهر لنا رحمك الله في صورتك قال سلمان فظهر لنا شيخ ازب أشعر قد لبس وجهه شعر غليظ متكاثف قد واراه وعيناه مشقوقتان طولا وفمه في صدره فيه أنياب بادية الطول وأظفاره كمخالب السباع فقال الشيخ : يا نبي الله ابعث معي من يدعوا قومي
= إلى الإسلام وأنا أرده إليك سالما فقال النبي ( صلى الله عليه واله ) أيكم يقوم معه فيبلغ الجن عني وله الجنة فلم يقم أحد فقال ثانية وثالثة فقال علي أنا يا رسول الله فالتفت النبي ( صلى الله عليه واله ) إلى الشيخ فقال وافني إلى الحرة من هذه الليلة أبعث معك رجلا يفصل حكمي وينطق بلساني ويبلغ الجن عني قال فغاب الشيخ ثم أتى في الليل وهو على بعير كالشاة ومعه بعير آخر كارتفاع الفرس فحمل النبي (صلى الله عليه واله ) عليا عليه وحملني خلفه وعصب عيني وقال لا تفتح عينيك حتى تسمع عليا عليه السلام يؤذن ولا يردعك ما ترى فإنك آمن فسار البعير فاندفع سايرا يدف كدفيف النعام وعلي يتلو القرآن فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر أذن علي عليه السلام وأناخ البعير وقال : انزل يا سلمان فحللت عيني ونزلت فإذا أرض قوراء فأقام الصلاة وصلى بنا ولم أزل أسمع الحس حتى إذا سلم علي عليه السلام التفت فإذا خلق عظيم وأقام علي يسبح ربه حتى طلعت الشمس ثم أقام خطيبا فخطبهم فاعترضنه مرده منهم فأقبل علي عليه السلام فقال :
ـ اللهم بالكلمة العظمى والأسماء الحسنى والعزائم الكبرى والحي القيوم ومحيي الموتى ومميت الأحياء ورب الأرض والسماء يا حرسة الجن ورصدة الشياطين وخدام الله الشرهاليين وذوي الأرحام الطاهرة اهبطوا بالجمرة التي لا تخطيء والشهاب الثاقب والشواظ الممزق والنحاس القاتل بكهيعص والطواسين والحواميم ويس ونون والقلم وما يسطرون والذاريات والنجم إذا هوى والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والأختام العظام ومواقع النجوم لما أسرعتم الانحدار إلى المردة المتولين المتكبرين الجاحدين أثار رب العالمين قال سليمان : فأحسست بالأرض من تحتي ترتعد وسمعت في الهواء دويا شديدا ثم نزلت نار من السماء صعق كل من رآها من الجن وخرت على وجوهها مغشيا عليها وسقطت أنا على وجهي فلما أفقت إذ دخان يفور من الأرض فصاح بهم علي ارفعوا رؤوسكم فقد أهلك الله الظالمين ثم عاد إلى خطبته وقال يا معشر الجن والشياطين والغيلان وبني شمراخ وآل نجاح وسكان الآجام والرمال والقفار وجميع شياطين البلدان اعلموا أن الأرض قد ملئت عدلا كما كانت مملوءة جورا هذا هو الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون فقالوا : آمنا بالله وبرسوله وبرسول رسوله فلما دخلا المدينة قال النبيu لعلي ماذا صنعت قال أجابوا وإذعنوا وقص عليه خبرهم فقال : لا يزالون كذلك هائبين إلى يوم القيامة . مناقب آل أبي طالب ج2 ص 137
(1) كانت الكوفة ـ وما تزال ـ شعار التشيع والولاية لأمير المؤمنين عليه السلام فحالما يعرف الرجل أنه كوفي أو ذاهب إلى الكوفة حتى يفهم أنه شيعي موال لأمير المؤمنين ولذلك قالوا عليهم السلام :
ليس بلد من البلدان ومصر من الأمصار أكثر محبا لنا من أهل الكوفة ( بحار الأنوار ج22/85 )
(1)هذه الرواية بطولها عن بحار الأنوار للمجلسي ج 42 ص 259 وقال عنها:
وجدتها في كتاب عتيق عن بعض أصحابنا برواية أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد البكري عن لوط بن يحيى.