عندما يُكنك المسؤول
كاظم فنجان الحمامي (مجلة الابتسامة)
نحن الآن في أمس الحاجة إلى استبدال لافتات (ممنوع التدخين) بلافتات أخرى تحمل عبارة (ممنوع التكنيك), خصوصاُ بعدما تفشت ظاهرة التكنيك في الدوائر الحكومية, وصرنا نقف بطوابير طويلة خلف نافذة المسؤول المنشغل بالتكنيك مع شبكة الانترنت عبر برامج الواتساب في هاتفه النقال.
ولسنا مبالغين إذا قلنا أن هذه الظاهرة الدخيلة انتشرت انتشاراً صاروخياً في أروقة الدوائر الحكومية, فتسببت في تعطيل الأعمال العامة, وفرضت أعذاراً جديدة للتسويف والتأجيل وإهدار الموارد الإدارية, حتى وصل الحال بآلاف الموظفين إلى إهمال واجباتهم الأساسية, والانعزال في زاوية بعيدة من زوايا مكاتبهم, بغية استثمار أوقات الدوام الرسمي لأغراض التصفح والمراسلة وتبادل الصور والمسجات, بينما اصطف المراجعون خارج فناء المبنى الحكومي بانتظار صحوة المسؤول من غيبوبة الواتساب واليوتيوب والفيسبوك والسكايب.
فالدوام الرسمي عندنا موزع بنسب متباينة لتناول طعام الإفطار, وتناول المرطبات, والمزاح والثرثرة الفارغة, والبحث في شبكة الانترنت, ومحاولة التطفل على المواقع المحظورة, ناهيك عن التكنيك الذي استحوذ على الوقت كله, وصار من الطقوس الرسمية لمعظم الموظفين والموظفات.
ما أن تضطرك الحاجة إلى مراجعة أي دائرة من دوائرنا الحكومية حتى تشاهد مجاميع من الموظفين يتصفحون برامج الألعاب في هواتفهم الرقمية, التي تعمل باللمس, في الوقت الذي تكدست فيه الملفات فوق رفوفهم المكتبية, وتشاهد موظفة شابة في مكان آخر تبحث عن بغيتها في المواقع المخصصة للأزياء, وموظف يقرأ بريده الالكتروني, أو يروّح عن نفسه بقراءة الفيسبوك, بينما ترى الغالبية العظمى منهم وقد هاموا على وجوههم في بحار التكنيك والدردشة والترفيه والتسلية, وتاهوا بلا هدف في أعماقها السحيقة.
مما لا خلاف عليه أن أوقات العمل أمانة في أعناقنا, وأن الله جل شأنه يأمرنا بأداء الأمانات, ويتعين علينا استثمار أوقات العمل في التحديدات المتعارف عليها, وتستثنى من ذلك الأوقات المستقطعة ضمن الحدود المسموح بها, ولابد من القضاء على ظاهرة التكنيك المستشرية هذه الأيام في أروقة الدوائر الحكومية على وجه العموم, بينما لا نرى لها أي أثر في مكاتب القطاع الخاص. وهذا هو الفارق الحقيقي بين التدبير والتبذير.