إحسانك يعودُ إليك !
:
هبّت من نومها فَـزِعةً على نداءِ أخيها المرتفع !
هرعتْ إليهِ وهي تنتفضُ خوفاً ..
صرخَ بوجهِها : لماذا لـمْ تكوي ثوبي ؟
أجابته بانكسار :كُنتُ مُتعبةً ونسيت *
أخذت الثّوب وقامتْ بــ كــيّــهِ بسرعة
وصرخاتُ أخيها الغاضبة تَستعجِلُها
ثمّ خرجَ إلى عمله غاضباً وأغلق الباب بعصبيّة
انطوتْ على نفسها بانكسارٍ :
- لماذا لا أخبرُ أُمّي عن تصرفاتِ هذا المتعجرِف ؟
فهو يعتقدُ أنّه الآمرُ النّاهِي في البيتِ أثناء سفرِ الوالدِ الطّويل
وأنا أُخفِي سوءَ تعاملهِ معي شفقةً على أُمّي المسكينة
بسببِ دوامها المدرسيّ في إحدى القُرى البعيدة
في رحلةٍ يوميّةٍ من الثّالثةِ والنّصفِ صباحاً وحتّى الرّابعة عصَراً
خوفاً أن أزيد همُومها ومُعاناتها فلديها ما يكفيها
لكن .. لم يعدْ لي طاقةً بأكثرِ من هذا !
حزمَتْ أمرها ثمّ أخبرتْ والدتها ، تفاجأتْ الأُمّ كثيراً
واشتعلت غضَباً مـمّا سمـعـتـه !
- لماذا لم تـُخبـرينـِي يا مٌنـى مُنذُ البِداية ؟
ألسْنَا صديقات نتبادلُ الــهُمومَ والأسرار ؟
انهمرتْ الدّمُوعُ من عينيها ، وهي تقولُ :
- بلى يا أمّي ؛ لكنّــي أشفقتُ عليكِ من تعبِ عملكِ
ولا أريدُ أن أزيدَ هـمّكِ هـمّـاً
أمسكتْ أمّها بيدِهَا ونظرتْ في عينيها
- نـبضِـي هو نبضُـكِ يا ابنتي ، وهـمّي هـو هـمّكِ
ولا أسمحُ لأيٍّ كان أنْ يؤذيكِ حتّى لو كان هو ولدي !
وليس معنى كونهُ رجلاً أنْ يتسلّطَ على البنات ؛ وأيُّ رُجولةٍ في فِعلِه ؟
دَعِي الأمرَ لي وثِقِي أنّهُ لنْ يُؤذيكِ بعدَ اليوم بإذنِ الله
عادَ إلى البيتِ مساءً ليُمثّلَ دورَ الإبنِ الـمُؤدّبِ أمَامَ أُمّه
نادتهُ في غرفتِها وخاطبتهُ بحزمٍ وهُدوءٍ :
- لا أسمحُ لكَ أنْ تمسّ أُختكَ بأذى
ولو كُنتَ تُريدُ رِضانا أنا ووالدكَ ؛ فلتعلمْ أنّ رِضانا في إحسانكَ لأُختك
احترامكَ لأختكَ دليلُ رُجولتك ، وإهانتكَ لها دليلُ ضعفٍ و كِــبْـر
ولا يدخلُ الجنّة من كانَ في قلبهِ مثقالّ ذرّةٍ مِن كِــبْـر
ولابدّ أن تعلم أنّ اللهَ يراكَ وسيُحاسبكَ على أفعالكَ حتّى لو لم يكن أحداً يراك
أُختكَ منْ لحمكَ ودمكَ ، وهي رَحـِمَكَ التّي يجبُ عليكّ وصلها
أحسنْ إليها وتأكّّدْ أنّ الإحسان سيعودُ إليكَ يوماً ما
مرّتْ الأيامُ والسّنِين
وفي ذلكَ البيتِ العَتِيق
قَبَعَ رَجلٌ كبيرٌ في السّنّ توفيتْ زوجتهُ وتزوّجَ أولادهُ وسَافَروا
ولكنّهُ أصرَّ على البقاءِ في منزلهِ
ولا تزالُ هُناكَ امرأة تأتيهِ كُلّ حِين
تحملُ لهُ الطّعامَ وتُنظّفُ لهُ المنزلَ وتُساعدُهُ في شُؤونِه
ثُـمّ تجلسُ إليهِ تُسامِرهُ بحكاياتها وأخبارِها لتُخفّفَ عنهُ وحدَته
- نظرَ إليها بامتنانٍ قائلاً :
لا أعرفُ كيفَ أُوفّيكِ حَقّكِ ،
ولا أقولُ إلا شكرَ اللهُ لكِ يا أُختي الغالية مُـنـى
ابتسمتْ لهُ بحنانٍ ، وضَمّتْ يدَهُ بينَ كَفّيها :
أنتَ وصيَةِ الوالدة رحمَها الله
ومَا أكرَمْــتَـنِـي بهِ من إحسانٍ في شبابك ؛
لنْ أنسَاهُ لكَ وأنتَ في شيخُوختك
فاضتْ عيناهُ بالدّموعِ وهُو يتذكّرُ كلمةَ والدتِه :
المعروفُ لا يُنسى ، والدّيّـــان لا يـموت
وإحسانكَ سيعُودُ إليكَ يوماً ما !
( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ )