الطفولة بهجة الحياة وإشراقة المستقبل نرعاها بأهداب العيون، ونحاول أن نوفر لها مناخاً سعيداً مفعماً بالسعادة والأمن والطمأنينة والثقة والكرامة. وينظر كل منا إلى طفله فيراه أجمل الأطفال، ويمعن النظر فيه أكثر وبواقعية فيحلم أن يكون قوي الجسد، ممشوق القوام، يثير إعجاب الآخرين، وتنظر الأم إلى فم طفلها أكثر من مرة خلال النهار وتتساءل هل يأكل طفلي جيداً أم لا.
الصراع بين الأم وطفلها على مسألة الطعام: الحقيقة إن مسألة الغذاء مسألة لا يمكن أن نعرف لها قاعدة ما عند بعض الأمهات، إذ إن بعضهن ينظرن إلى طفلهن على أنه لا يأكل جيداً رغم أنه يأكل بشكل جيد، وقد ينظر آخر إليه على أنه يأكل جيداً رغم أنه سيء التغذية. وتزداد شكوى الأم من شهية طفلها بعد إتمام العام الأول، فلقد أصبح يأكل أقل من قبل من الخبز واللحم والفاكهة، وفي كثير من الأحيان يرفض تناول أي صنف من الطعام ما عدا صنفاً واحداً لمدة أسبوع.
ويتسلل القلق إلى نفسها رويداً رويداً خوفاً من أن يصاب طفلها بالمرض، لأن كمية الغذاء التي يتناولها غير كافية. ويزداد ضيق الأم عندما تعرف أن طفلها غير مريض، وأنه يلعب كثيراً، ويبذل مجهوداً كبيراً في الشقاوة، وليس عنده أي حساسية مرضية لأي نوع من الطعام.. ومع ذلك يرفض أن يتناول كمية الطعام المناسبة.
ويزور الأسرة أحياناً قريب أو صديق ما ويقول للأم: ( إن صحة طفلك ليست على ما يرام ولونه مخطوف قليلاً.. نحيف أكثر من اللازم ). وتزداد الأم ألماً وضيقاً وترى في هذه الملاحظات إهانة لها، لأنها تحاول تغذية الطفل لكنه يرفض تماماً... وقد تفكر في ضربه.. ولكنها تعرف من خلال التجربة أن أسلوب الضرب غير مفيد ولن يزيد الطفل إلا عناداً.
وتبدأ الحرب مع الطفل إن جاز التعبير من أجل أن يأكل، وتستسلم له أحياناً كثيرة، وتلبي جميع المطالب من أجل إدخال الطعام إلى فمه، ولكن ذلك يضاعف من قدرة الطفل على العناد وعلى رفض الطعام. وتصبح المسألة هي الدوران في حلقة مفرغة تجري فيها الأم بالطعام وراء الطفل ويجري فيها الطفل مصراً على عناده.. ونتيجة لذلك نجد الآلاف من الأطفال يميلون إلى النحافة رغم إن ظروف أسرهم تتيح لهم تناول أجود ألوان الطعام.
وتنتشر هذه المشكلة بصورة أكبر في الأسرة التي تكون فيها ضعيفة الشهية للطعام منذ طفولتها... فكما كانت جدة الطفل تعلق على صحة أمه، فالأم تعلق بدورها على صحة ابنها. وللتربويين رأي آخر إذ يرى هؤلاء أنه لا جدوى من محاولات الإغراء التي تقوم بها الأم لتشجيع الطفل على تناول الطعام. ولا جدوى من القلق لأن التشجيع في ظل القلق يخلق حالة من العناد عند الطفل؟
لذلك على الأم أن تحاول جعل وقت تناول الطفل للطعام وقتاً سعيداً قدر الإمكان، وأن تقدم له ما يحب من أصناف الطعام، والانتباه إلى أي شعور يعتري ضيقاً أم سروراً فإن الطفل قادر على التقاطه والتأثر به.
• أسباب قلة شهية الطفل:
ولكن لماذا تنخفض شهية الطفل في عامه الثاني؟ وتعد هذه الفترة من حياة الطفل من أكثر الفترات التي تظهر فيها مشكلة قلة الشهية. ذلك أن وزن الطفل لا يزيد بالمعدل الذي كان يزيد فيه من قبل. فالطفل في حالته الطبيعة يزيد وزنه بمعدل خمسمائة غرام شهرياً خلال العام الثاني. وبهذا نستدل أن جسد الطفل خلال العام الأول يضع أمامه هدافاً رئيساً هو أن يزيد في الحجم والقوة، معتمداً في ذلك على التغذية الجيدة والنوم، ثم يقل معدل النمو الجسدي للطفل بعد أن يتم عامه الأول.
ويزداد وعي الطفل في عامه الثاني، يرى العالم من حوله ويحاول التعرف عليه. يتعلم بعض الحركات والحروف وتظهر عنده الرغبة في تأكيد ذاته. وهذه الأمور جملة تكون سبباً في عدم إقباله على الطعام بالشهية المفتوحة ذاتها مثلما كان في عامه الأول. كما أن ظهور أسنان الطفل يستغرق الشهور الأولى من عامه الثاني، ولا بد أن تترك أثراً سلبياً على شهيته، وتظهر في هذه الفترة أربعة أضراس له وهي مسألة صعبة بالنسبة للطفل.
ولبعض المربين رأي آخر في الطفل الذي لديه مشكلة غذائية. إذا يرى هؤلاء أن الطفل يشبه أمه أثناء طفولتها. فقد تكون هي أيضاً لها مشاكل غذائية بخصوص الطعام أثناء طفولتها. فلربما كانت ترفض بعض أنواع الطعام مما كان يثير غضب أمها عليها. ويرون أيضاً أن الأمهات اللواتي كانت لهن مشاكل مع أسرهن بخصوص الطعام لا ينجحن عادة في حل هذه المشاكل مع أبنائهن.
ومن خلال معايشة الأم لطفلها تعرف تماماً أن الطفل يلتقط بإحساسه أي ضيق أو توتر أو سرور في إحساس أمه. وهذه القدرة على التقاط مشاعر أمه قد تجعله يرفض الطعام لأنه مر المذاق في فمه عندما تكون هناك مشاكل بينه وبينها. إن الأم الواعية تعرف من خلال تجربتها مع طفلها أن قابلية الطفل لأنواع الطعام يعتريها الكثير من التقلب سواءً بالنسبة للخضروات أو الألبان أو البقول أو اللحوم..
لكن غالبية الأطفال يحبون اللحوم والفاكهة. وعلى الأم أن تقدم اللحم للطفل مفروماً حتى يستطيع مضغه وبلعه، وتبقى عملية إكراه الطفل على أي صنف من أصناف الطعام التي لا يحبها عملية مصيرها الفشل.
• دور الأم في زيادة شهية الطفل:
والمشكلة بحاجة لحل، والحل بسيط جداً إذا أدركت الأم أن العناصر المفيدة للجسم موجودة في أي طعام يحبه الطفل.. الفاكهة مناسبة للطفل، الخبز كذلك والحليب غذاء جيد. إن أي صنف يحبه الطفل إلى جانب الفيتامينات سيكون غذاءً جيداً، والاعتماد على صنف واحد من الطعام لن يكفل لجسم الطفل كل العناصر اللازمة لنموه ولكن هذا الطعام مفيد على أية حال.
ويرى بعض الأطباء المختصين بالأطفال أنه ليس من الضروري أن يصاب الطفل بالأمراض نتيجة لقلة شهيته، ولذلك ينصحون الأمهات بتقديم طعام للطفل يحبه على أن تسد الفيتامينات النقص الذي يسببه امتناع الطفل عن تناول بعض الأطعمة.
كما أن مسألة البطء في زيادة الوزن هي مسألة طبيعة في العام الثاني من حياة الطفل، والعلاج الذي يمكن أن يساعد في حل مشكلة قلة الشهية عند بعض الأطفال هو ألا تضع الأم أمام طفلها أي طعام لمدة أربعة شهور، إلا الألوان التي يحبها شريطة أن تكون مفيدة وشاملة لكل العناصر الضرورية. والبداية هي أن تنظم قائمة بأصناف الطعام التي يحبها الطفل، وعليها ألا تقنع نفسها بأن طفلها يكره كل أنواع اللحوم لأنه من المؤكد أنه يحب بعض أنواعها، فقد يحب اللحم المفروم أو المسلوق.. أو المشوي..
والأم الواعية لا ترغم طفلها على تناول طعام يكرهه. ولا تنقل اتجاهاتها السلبية نحو بعض الأطعمة لطفلها. ولا تقدم الطعام للطفل إلا وهو جائع تماماً. وبإمكانها أن تفسح له المجال ليأكل بمفرده إذا كان يرغب بذلك، وتجعله يأكل مع مجموعة أطفال أو راشدين لتزداد شهيته نحو الطعام، أو تقدم له الطعام مع بعض الحكايات التي يحبها أو مشاهدة التلفاز. والأهم من ذلك ألا تجبره على ترك اللعب من أجل الطعام. وعليها قبل كل شيء أن تمنع عنه أنواع السكاكر والشوكولا والعصير قبل الطعام بساعتين على الأقل.
• إن الغذاء شيء أساسي في حياة الطفل
فلنحاول قدر الإمكان تحقيق التوازن الغذائي وحل مشكلة قلة الشهية بقليل من العبر، والأسرة السعيدة والهادئة والمنظمة يكون تعرضها لمثل هذه المشكلة قليل جداً، وعلينا ألا ننسى النزهات القصيرة للطفل بين الحين والآخرة فهي تساعد على فتح الشهية.
ويرى بعض الأطباء المختصين بالأطفال أنه ليس من الضروري أن يصاب الطفل بالأمراض نتيجة لقلة الشهية، ولذلك ينصحون الأمهات بتقديم طعام للطفل يحبه على أن تسد الفيتامينات النقص الذي يسببه امتناع الطفل عن تناول بعض الأطعمة، والبطء في زيادة الوزن مسألة طبيعية في حياة الطفل بعامه الثاني.
منقول