ما يجري في الكون من أحداث ، مرتبط ببعضه في سياق دقيق من الأسباب والمسببات كحلقات سلسله متصلة ..
لا يهم إن كان بعض هذه الحلقات صغيرا وبعضها كبيرا ..
فلا فرق بين انكسار حلقة صغيره أو انكسار حلقة كبيرة ، فالنتيجة واحدة في الحالين ..
هي تحطم السلسلة و انفراط عقدها .
نحن نقول عن واحد أنه اتفه من ذبابه . . هل فكرت ماذا يمكن أن تصنع الذبابة ؟
إن ذبابة واحدة تافهة ، يمكن أن تحمل على أرجلها الدفتيريا والسل والدوسنتاريا وشلل الأطفال والكوليرا
ويمكنها أن تبيد أمة وتفنى جيلاً ، وتقلب دفة النصر في معركة .. تفعل كل هذا وهى ذبابة !
إن ميكروباً لا يرى بالعين قتل في سنة 1919م اكثر من عشرين مليون ضحية !
وهو لا يعدو أن يكون ميكروبا لا يرى ..!
وهذا الكيميائي الذي يكتب بحثا في العفن .. لا تتهمه بالجنون والتفاهة فالعفن ليس شيئا تافها ..
ألم يخرج لنا البنسلين ؟
وما اتفه الذرة .. إنها لا ترى بأكبر ميكروسكوب .. وهى ليست سوى فرض من فروض الكيمياء ..
أليس كذلك .. ؟
ومع ذلك فإن تلك الذرة المفترضة هي التي أنهت الحرب العالمية الثانية وجعلت اليابان تركع وتخسر الحرب .
إنها سلسلة من الحلقات كما قلت ..
سلسلة مترابطة .. لا يهم أبدا أن يكون بعض هذه السلسلة كبيرا وبعضها صغيرا ..
فبدون أي من تلك الحلقات لا يكون للسلسلة وجود.
والذي يقول عن أي شخص انه تافه ، لأنه لم يفعل في نظره شيئا ذا بال .. فإنما يدل على جهله هو نفسه أولا ..
فمن يدرى ماذا يفعل هذا غدا .. قد يكون مثل "مندل " الذي لم يكن يفعل شيئا سوى تلقيح أزهار حديقته والتأمل في نسلها ثم اكتشف قوانين الوراثة !
كما إن السكوت أحيانا يكون خير من الكلام .. " رب صمت هو البيان المبين " .
لكل شئ في هذه الدنيا خطره مهما كان ضئيلا ..
قد تغير أنت الدنيا ..! نعم ، قد تفتح عينيك غدا فتكتشف شيئا .. وقد تكون أنت جندي اليوم وقائد المعركة غدا .
النمرود بن كنعان هو أحد أربعه حكموا العالم .. ومات بسبب بعوضه دخلت في انفه ولم يجده كل حرسه وجنده وعتاده .
لا تحقرن صغيرة وان ضعفت ** أن البعوضة تدمى مقلة الأسد
و الاسكندر المقدوني ا لذي دوخ العالم .. خرج من مقدونيا فاتحا .. وهب على العالم القديم كالإعصار ..
لم يعد إلى بلاده جراء لدغة بعوضه .. فقد مات بالملاريا أثناء عودته من الهند ولا أحد يعرف أين دفن .
وقد تعبث أنت بقدمك تحت شجرة غدا فتكتشف قبر الاسكندر .. من يدري ،وتصبح أغنى رجل في العالم ، وتصبح حديث الصحف لعدة سنوات . !
ونبي الرحمة عليه الصلاة والسلام يقول " بحسب إمرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم " .
فقط : لا تقل على أحد انه تافه ..
احترم أي أحد مهما صغر شأنه .. الطفل .. و زبال الطريق .. وعامل المقهى .. و الفقير والمسكين ..
ومن لا حيلة له ولا صولجان في يده ..
أنت بالاحترام لن تخسر شيئا وستكسب قلوب الناس .. إذا فعلت هذا فانك سوف تخطو أول خطوة لتكون رجلًا حكيما.
..
-- د. مصطفى محمود || كتاب : الشيطان يحكم --