تسمى في بغداد الحنة هي شجيرات ذات ازهار بيضاء على شكل عناقيد يكثر زراعتها في ايران والهند وتزرع في البصرة في جنوب العراق في منطقة الفاو. وتباع الحناء في (شورجة) بغداد مسحونة لدى العطارين ومعبئة بأكياس تصنع من قماش سميك، وترسم على الكيس صورة رجلين احدهما يحمل غصن الحناء ويكتب تحت الصورة (حنا جور) وهي حناء مستوردة من ايران وتعتبر اجود انواع الحناء عند اهل بغداد القدامى. يقول احد التجار في منطقة الشورجة ويدعى صافي عباس «ان هناك بعض النسوة يبحثن عن العيارات البسيطة في الشراء وهنا نبيع الحناء بعيار (اسطنبول) وهذه تختلف اسعارها باختلاف نوعيتها». والواقع ان بيع وشراء الحنة هي الحيدة التي لم تندثر بفعل عامل الزمن والتطور في العراق، وكثيرا ما توصف الحنة ايضا في استعمالات كثيرة تخص شعر المرأة، ابتداء من اللون الى اطالة الشعر الى تقوية جذوره. وقد عرف اهل العراق الحناء منذ قديم الزمان ولم تكن الاعياد تمر من دون ان تكون الام قد هيأت (طاسة الحنة). وتقول سورية عبد الله (ام حسن) (88 عاما) ان من متممات الاستعداد لاستقبال العيد (كتهيئة الملابس الجديدة وعمل الكليجة وغيرهما) هي حنة العيد حيث تعجن الام الكمية الكافية من الحناء قبل ليلة العيد وتهيئ قطعا كافية من الملابس القديمة لتشد بها ايادي اولادها بعد وضع الحنة، اذ تجتمع العائلة حول الجدة والام والاخت الكبرى اللواتي يقمن بوضع الحناء على ايدي الصغار اولادا وبنات وتربط بقطعة القماش ويطلب منهم ابقاؤها (مصمومة) أي مغلقة حتى الصباح حيث تقوم عندها الام بغسل ايدي اطفالها فتظهر اكفهم منقوشة بما يسمى (سجاجين). وهناك افراح اخرى مازالت تمارس فيها وضع الحناء على الاكف قبل موعد هذا الفرح في العراق وهو اليوم الذي يسبق يوم الختان، وعادة ما يجعل الاهل هذا اليوم قبل العيد بيوم واحد وفي ايام زمان كان اهل العراق يستدعون القابلة التي قامت بتوليد المولود الذي سيجري ختانه. ويقول الممرض الاهلي طه الطائي الذي اعتاد اهالي منطقته ان يقوم بعملية ختان اولادهم منذ ثلاثين عاما ان من ضمن مراسيم الطهور (الختان) هو ليلة الحنة حيث تقام الافراح ومجالس الطرب كل حسب امكانياته المادية فمنهم من يقيم (الجالغي البغدادي) ومنهم من يقيم الدومة او ما يسمى الصفكة، وقد اشتهر اهالي بغداد ايام زمان بهذه الصفكات التي يقيم فيها الاغنياء الليالي ويأتون بكبار قراء المقام البغدادي، وليالي الحناء مازالت تقام قبل يوم الختان في بغداد وبقية محافظات العراق. اما حنة العروس والعريس فهي من عادات العراقيين ايضا ولا يمكن ان يكون الفرح كاملا من دون هذا اليوم المبارك كما تقول ام سهيلة (76 عاما)، فيوم الحنة شيء كبير لاهل العروس والعريس على حد سواء، وايذانا لدخول عش الزوجية وكان في ايام زمان كما تقول ام سهيلة وهي تتذكر ايام عرسها وحنتها قبل ستين عاما توضع الحناء على اطراف اصابع العروس ثم يلف خيط رفيع كي لا تتعداه الحناء وتسمى (الكشتبانات) ثم توضع في راحة اليد ليرة ذهب وتوضع الحناء على راحة اليد لتغطي الليرة الذهبية، وعند جفاف الحناء في صباح اليوم التالي تظهر الدائرة في راحة اليد وفي اطراف اصابع العروس، وهناك حنة للقدم وحنة للمدعوات باختلاف اعمارهن وحنة للعريس ايضا، وقد استمرت وضع الحناء الى يومنا هذا بالنسبة للعروس والعريس. وتستعمل الكثير من النساء العراقيات الحناء للشعر وهناك الكثير منهن يرغبن بوضعه ايضا قبل العيد بيوم واحد. تقول داليا وهي صاحبة محل للحلاقة في بغداد ان الكثير من النسوة في العراق يستعملن الحناء لصبغ الشعر باللون الاحمر المرغوب فيه ومنهن من يستعملنها لتقوية الشعر ومنعه من السقوط حيث تخلط الحناء بقشور الرمان او صفار البيض مع مسحوق الكزبرة وورق التفاح الجاف. تقول الحاجة فوزية خاتم ان النساء في العراق كن ومازلن يستخدمن الحناء لشعورهن «وكنا في ايام زمان نبيت بها ونذهب عند الفجر الى حمام السوق وخصوصا في ايام الاعياد، وكانت النسوة الكبيرات في السن يخلطن مع الحناء مادة الوسمة وهي مادة تضيف اللون الغامق الى الحناء»، غير ان احدا لا يضع الحناء في الاشهر الحرم او بعد أي حادث وفاة للاقارب او للجيران، ومازالت هذه العادات قائمة الى يومنا هذا. وهناك استخدامات اخرى للحناء، اذ تستخدمها النسوة ايضا بخلطها مع مادة الصبر وهي مادة على شكل دوائر صغيرة صلبة مرة المذاق وتعجن هذه المادة مع الحناء وتوضع بين اصابع القدم مساء لتغسل صباح اليوم التالي وذلك لمعالجة الحكة وتقوية الجلد، وهذه العادات وغيرها مازالت قائمة الى يومنا هذا. وقد ذكرت الحنة او الحناء في الكثير من الاغاني العراقية القديمة والحديثة، وتغنى مطربو ايام زمان والان بمن تضع الحنة وتتمختر في شوارع بغداد لجمالها.
ابو النون