خنقوا العروبة بأفعالهم وحرفوا الديانة باموالهم !
ثريا عاصي
منذ أن جيـّشوا المعذبين في الأرض في بلاد العرب، وأرسلوهم إلى الحرب في افغانستان 1979 ـ 1989، عاود تيار الإسلاميين الظهور حيث أتسم المنضوون تحت لوائه بالقساوة والغـِلظة .
فلهذا التيار كما هو معروف موردان : الولايات المتحدة الاميركية وحلفاؤها والتابعون لها من جهة واموال النفط الخليجية من جهة ثانية. أما أستحقاق تسمية أسلاميين فمرده إلى أضطلاع التيار المذكور بدعوة الناس إلى الدخول في ديانة ليس فيها من الأسلام إلا إسمه. أغلب الظن أن هذا التيار توكل الإسهام في مشروع أستعماري، متلبسا دور الجهاد في سبيل الله بصياغة أميركية .
تقول وسائل الإعلام ان الإسلاميين «السنة» أقتطعوا جزءا من العراق وآخر من سوريا، وأقاموا عليهما «الدولة الإسلامية» وبايعوا خليفة عليهم . ترافق ذلك مع نشاط أعلامي كثيف وهادف. من المرجح أن الغاية منه تضخيم مفاعيل الصدمة التي من المفروض انها وقعت شمال العراق، حيث تفيد الروايات بانه ما ان ظهرت نذُرُ هجوم « جماعات داعش » حتى فرّ جنود الجيش العراقي مخلفين سلاحهم في مواقعهم، ومن لم يستطع الهرب نزع بزته العسكرية وأختبأ، اما الذين لم يسعفهم الحظ فقد أعدموا رميا بالرصاص أو ضربا بالسيف ! ..
أنه الطوفان «الإسلامي» .. الذي سيغطي ولايات الدولة الإسلامية الثلاث عشرة! ويـْحكم أيها الرعاديد أذا تمنعتم عن مبايعة الخليفة أمير المؤمنيين وعن طاعة أمره !
ما هي مصداقية الروايات المذكورة، أين الحقيقة وأين الخداع، كيف نفصل الحنطة عن الزؤان ؟ عندما يزعم الإعلام، وابواق الدعاية، أن كردستان هي ولاية من ولايات الدولة الإسلامية، الا يعني ذلك أن السلطة في أقليم كردستان العراقي هي حليفة وشريكة داعش،! ألا يعني أن نظام البرزاني هو نظام داعشي واستطرادا يمكننا أن ننعت حكومة أردوغان بالداعشية ايضا، أعتمادا على الهلوسة والهذيان عن امارتي الأناضول واوروبا… ما أود التأكيد عليه هنا هو ان القول بان جماعات داعش، هزمت جيش العراق وأستولت على جزء من سورية هو استخفاف بعقول الناس . ناهيك عن التهويل بان داعش تستعد في الراهن لتلقين حزب الله درسا قاسيا، قبل ان تضم لبنان إلى الدولة الأسلامية، طاهرا مطهرا من المارقين والمشركين وأتباع البدع..
لا شك في أن الدول التي تشن الحرب على سوريا، تقف وراء هذه الجماعات . ليس من حاجة للتوسع والبسط من أجل البرهان على ذلك . فالحكومة الأردوغانية التي من المحتمل ان يكون الخليفة امير المؤمنين، قد ولّجها أمر «أمارتي» الأناضول وأوروبا كما لمّحنا أعلاه، هي بالقطع شريك في الحملة الداعشية، تحت مظلة حلف الأطلسي ! الا يشتري الأروبيون والأميركيون النفط من داعش، في الموانئ التركية! غريب أمر الدول، التي تنتهك الأعراف الدولية، فتهبط ألى مستوى التبادل التجاري مع العصابات الخارجة عن القانون والأخلاق!
من البديهي اننا حيال مشروع الغاية منه تقسيم الاوطان على قاعدة مذهبية. المسألة واضحة وضوح الشمس. كذب الذين زعموا ان الثورة تفجرت طلبا للحرية وللدولة الحديثة التي تضمن العيش الكريم لمواطنيها، أو أخطأوا او باعوا ضمائرهم وأقلامهم والسنتهم !
السؤال الذي ينهض هو ببساطة، هل أن قيام الدول الداعشية يصب في مصلحة «السنة» وهل أن إعطاء «الشيعة » دولة في جنوب العراق وطرد «الشيعة» من جنوب لبنان والبقاع وبيروت، فيهما فائدة للسنة . يجب أن يـُفهم أن القصد من كلمتي سنة وشيعة، بدلالاتهما السياسية والحزبية وليس الدينية .
بكلام أكثر صراحة ووضوحا، هل ان الفرقة والقسمة ستخففان من وطأة الهيمنة الأميركية والإسرائيلية على شعوب الدول الداعشية. نحن نعرف ان العلاقات جيدة بين دولة البرزاني وبين المستعمرين الإسرائيليين وأن التنسيق بينهما في العراق كامل. ونعرف أيضا أن السيد أردوغان الأكثر حماسة للحلف الإسلامي ـ الأطلسي، إلى جانب أمير قطر، مرتبط بالمستعمرين الأسرائيليين بوشائج أقتصادية وأستراتيجية قوية.
ينبني عليه أن شعوب دول داعش، لن تكون في مأمن من المستعمرين الأميركيين والإسرائيليين . هل ستعقد هذه الدول صلحا مع دولة الأخيرين، وأي ثمن سيطلب منها؟ العبرة في تجربة محمود عباس وفريقه في مباحثات السلام المستمرة منذ حوالى عشرين سنة او أزيد!
ورغم أن مسألة الدين ليست موضوع هذا البحث، فما أنا بصدده هنا هي مسألة وطنية بحتة أتناولها أنطلاقا من إعتقادي بضرورة اختيار نهج علماني في الشأن العام، أي فصل الدين عن الدولة، إلاّ أني أتساءل عن المبررات التي تحدو الجماعات كمثل داعش ومن هم على شاكلتها، و من يقدم لهم الدعم، إلى الأساءة للديانة الإسلامية وللمسلمين إلى هذا الحد، الذي يكاد أن يكون ألتزاما مأجورا من اجل أثبات المقولات التي يسوقها أصحاب نظرية « صراع الحضارات » عن طبائع المسلمين وميولهم « الجينية» نحو العنف والفوضى . ليس من حاجة هنا للإشارة إلى سمعة وصورة الأسلام والمسلمين على الصعيد العالمي، أستنادا إلى سلوك جماعات كمثل تلك التي تنشط تحت الراية السوداء « أشهد أن لا إله الا الله .. وان محمد رسول الله» من أجل الثورة في سوريا والعراق والبلاد المغاربية والإفريقية، فترتكب الجرائم الشنيعة دون أن يخرج المسلمون، أو الذين يدعون الفقه والعلم في بحور الرسالة المحمدية عن صمتهم .
أن الصورة التي تعطيها الجماعات الإرهابية «الإسلامية»، عن الإسلام والمسلمين، هي صورة سلبية وبشعة، كمثل صورة العربي التي تكونت في الذهنية الغربية من خلال تصرفات وأفعال أمراء النفط الخليجيين، عندما يزورون عواصم الغرب. خنقوا العروبة بأفعالهم وحرفوا الديانات بأموالهم . عجبا من أمر هؤلاء الأمراء؟ هل الديانة بئر، يغترفون منها ما يلبي رغباتهم وشهواتهم وسطوتهم ، كما لو كانت بئرا تتقيأ نفطا!
صحيفة الديار