آية الولاية
هناك آيات كثيرة تدلُّ على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام نكتفي بآية الولاية وهي قوله تعالى:
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة/55).
هذه الآية من جملة الأدلَّة الواضحة على إمامته صلوات الله وسلامه عليه بعد النبي بلا فصل وقد جاءت في سياق الحصر بإنَّما وهي تقيد التخصيص قطعاً .
والاستدلال بالآية يتوقف على مقدمتين :
1- معنـى الولـيّ :
وهو بمعنى الأولى، والولاية فيها تعني الأولوية في التصرف وأحقيَّة القيام بالأمر وهي كولاية الله ورسوله وهذا مقتضى العطف بالواو وقد شاع هذا الاستعمال في القرآن الكريم كقوله:
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (مريم/5،6).
والمقصود هو من يكون أولى بحيازة الميراث والتصرُّف فيه.
قال شيخ الطائفة الطوسي رضوان الله تعالى عليه في التبيان:
“إن الله تعالى نفى أن يكون لنا ولي غير الله وغير رسوله والذين آمنوا بلفظة “إنما “ولو كان المراد به الموالاة في الدين لما خص بها المذكورين لان الموالاة في الدين عامة في المؤمنين كلهم قال الله تعالى “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (التوبة/71)."
2-”الذين آمنوا...”
لا يشمل إلا شخصاً واحداً وهذا واضح أيضاً ، إثباتاً لذلك قال الشيخ رحمه الله:
“ويدل أيضا على أن الولاية في الآية مختصة أنه قال: "وليُّكم" فخاطب به جميع المؤمنين ودخل فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره ثم قال ورسوله فاخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته فلما قال "والذين آمنوا" وجب أيضا أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية. وإلا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه وأدى إلى أن يكون كل واحد منهم ولي نفسه وذلك محال. وإذا ثبت أن المراد بها في الآية ما ذكرناه".
قال الشهيد مطهَّري رضوان الله تعالى عليه:
عندما نعود إلى أحكام الإسلام لا نجد فيها ما يدل على وجوب أن يأتي المسلم الزكاة وهو راكع، حتى نقول أن هذا الحكم عام يشمل الجميع ولا يفيد الحصر والتخصيص. وهذا يعني أن الآية تشير إلى واقعة حدثت في الخارج مرة واحدة"
فما هي هذه الواقعة إذاً:
إنَّ الواقعة معروفة بين المسلمين كالشمس في رابعة النهار نشير إلى بعض مصادرها بين العامة والخاصة، قال في تأويل الآيات:
“ونقل ابن طاووس في الكتاب الذي ذكرناه: أن محمد بن العباس روى حكاية نزول الآية الكريمة والولاية العظيمة من تسعين طريقا بأسانيد متصلة كلها من رجال المخالفين لأهل البيت عليهم السلام ثم عدد الرواة وسماهم . ثم نقل ثلاثة أحاديث منها بلفظها:
أحـدها: عن أبي رافع وفيه مناقب جليلة ومواهب جزيلة.
والثاني: ينتهي إسناده إلى عمر أنه قال: أخرجت من مالي صدقة يتصدق بها عني وأنا راكع أربعا وعشرين مرة على أن ينزل في ما نزل في علي عليه السلام فما نزل.
والثالثة: تتضمن أن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنين عليه السلام حلقة فضة منقوش عليها “الملك لله”.
أقـول:وقد رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن كهيل قال: تصدَّق علي بخاتمه و هو راكع، فنزلت "إنما وليكم الله و رسوله" ولإبن مردويه من رواية سفيان الثوري عن ابن سنان عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان علي قائماً يصلِّي، فمرَّ سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت. وروى الحاكم في علوم الحديث من رواية عيسى بن عبد الله ابن عمر بن علي حدثنا أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: نزلت هذه الآية "إنما وليكم الله ورسولهالآية" فدخل رسول الله المسجد والناس يصلُّون بين قائم وراكع وساجد وإذا سائل فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاك أحد شيئاً قال:لا إلا هذا الراكع يعني علياً أعطاني خاتمه. رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ وعن ابن مردويه من حديث عمّار بن ياسر"(انظر هامش تفسير الكشاف للزمخشري ج1 ص636)
هـذا: والروايات من طرقنا نحن كثيرة نكتفي ببعضها:
"في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن أحمد بن محمد عن الحسين بن محمد الهاشمي عن أبيه عن احمد بن عيسى عن أبي عبد لله عليه السلام في قول الله عز وجل: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا" قال: إنما يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم، الله ورسوله والذين آمنوا يعني عليا وأولاده الأئمة عليهم السلام إلى يوم القيامة، ثم وصفهم الله عز وجل فقال: "الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" وكان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر وقد صلى ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار، وكان النبي صلى الله عليه وآله كساه إياها، وكان النجاشي أهداها له، فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدق على مسكين، فطرح الحلة إليه وأومأ بيده إليه أن احملها: فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية وصيَّر نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة، يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون وهم راكعون، والسائل الذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام من الملائكة، والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة".
وأيضا ما ذكره أبو علي الطبرسي (ره) عن عباية بن ربعي عن أبي ذر وهو في المسجد الحرام حيث قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري إلى أن قال أما إني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا ....إلى آخر الحديث.
وأيضاً ما رواه الشيخ الصدوق محمد بن بابويه (ره) عن علي بن حاتم عن أحمد بن محمد قال : حدثنا جعفر بن عبد الله قال : حدثنا كثير بن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام.
قال الشهيد مطهَّري
"وقد اتفق الشيعة والسنة على نقلها ليس ثمة من يختلف من الشيعة والسنة في أن عليا عليه السلام أعطي خاتمه وهو في الصلاة، وأن الآية نزلت بشأنه. كما نعرف أن ليس في أحكام الإسلام ما يدل على وجوب الإنفاق في حال الركوع، ليصح أن يقال أن بعضهم -غير من خصته الآية وهو الإمام علي- عمل به إذا الآية تشير في قوله "ويؤتون الزكاة وهم راكعون" إلى ما من فعل ذلك في تلك الواقعة المعروفة، أي فيها إشارة وكناية.