ودع اللبنانيون اليوم "مونديال البرازيل" بأجوائه واحتفالياته الرائعة، والتي نجحت في إخراجهم من رتابة حياتهم اليومية، ومعاناتهم المستمرة في ملفات الأمن والسياسة والاقتصاد.
ترك شهر المونديال الصاخب آثاراً إيجابية على دورة حياة اللبنانين في عدة قطاعات، وخصوصاً في القطاع السياحي حيث نجح في كسر حالة الجمود التي كان يعيشها هذا القطاع في غياب السائحين الأجانب.
على مدار شهر كامل، ازدحمت المقاهي في بيروت والمناطق بجموع الجماهير المونديالية المتنوعة في فئاتها السنية، والحريصة على مواكبة مختلف المباريات، حتى تلك التي لم يكن فيها منتخبها المفضل طرفاً.
بدا واضحاً حجم المواكبة الجماهيرية من خلال رصد عدسة "" (الصور) لحركة المقاهي، خصوصاً في وسط بيروت، وتحديداً في مجمع "بيال" الضخم حيث نصبت شاشة عملاقة استقطبت مئات المشجعين يومياً.
في هذا الشهر، ازدهرت عملية بيع أعلام الدول المشاركة والملابس الخاصة بمنتخبات المونديال، علما أن بعض المؤسسات المحلية تفننت في ابتكار أزياء خاصة بالمونديال، لاقت بدورها رواجا في الأسواق الللبنانية.
عرف تجار المفرقعات النارية شهراً استثنائياً، وان كان الاستعمال اليومي لهذه الأدوات اثار حفيظة شريحة كبيرة من المواطنين الذين استفزتهم الأصوات الصادرة عنها، بحيث تحولت ليالي المونديال في مفكراتهم لكوابيس لا مجال للهروب منها.
أما ما لم يتوقعه حتى أشد المتفائلين من أصحاب الشأن، فكان ازدهار تجارة بيع اللواقط الهوائية "انتين"، وذلك في اليوم الذي تأكد فيه تمكن "تلفزيون لبنان" من بث مباريات المونديال أرضياً. وقد أكد المسؤولون عن المخازن الكبرى في بيروت، انه وفي خلال يومين جرى بيع الآلاف من الأجهزة الأرضية اللاقطة، لدرجة ان الكميات نفذت خلال 24 ساعة، حيث كانت تلك البضاعة مكدسة في المخازن منذ سنوات، وبالكاد كان زبون يسأل عنها، لكن في زمن المونديال "انفرجت."
ويشار إلى انه على مدى شهر كامل، ازدانت العاصمة بيروت بأعلام الدول المشاركة بكأس العالم، ففوق الشرفات وأسطح البنايات، من السيارات وعلى أعمدة الإنارة، تتداخل رايات الدول المونديالية، في مشهد كرنفالي، انقسم حوله الشارع المحلي حيث تساءل كثيرون: "لماذا المغالاة في إظهار اللبنانيين لميولهم المونديالية؟"
وفيما رأى البعض في "حرب الأعلام" ظاهرة غريبة، رفض البعض الآخر تحميل المسألة أبعاداً أكثر من حجمهما الطبيعي، معتبراً التظاهرة احتفالية على الطريقة اللبنانية، في بلد يتحمس شعبه لكل شيء، في الرياضة كما في السياسة وباقي الأمور. ويرى أصحاب هذا الرأي ان المونديال شكل فرصة مؤاتية للشعب اللبناني حتى يتناسى همومه السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما المعيشية.
لكن المفارقة اللافتة هي أن البعض لا يجد إجابة مقنعة بموالاته لهذا المنتخب أو ذاك، فالبعض يحب البرازيل لأنها "الأقوى" بنظره، وذلك قبل خروجها المهين، فيما يجذب لاعبو المنتخب الإيطالي إعجاب الفتيات، واللواتي بكين بمرارة بعد توديعه الحلبة باكراً، أما محبو ميسي فهم بالتأكيد مع الأرجنتين كما يؤكدون، فيما لألمانيا حصة كبيرة من الأعلام المنتشرة على امتداد العاصمة وعرضها.
ويؤكد باعة الأعلام في لبنان، على أن علم الدولة المضيفة البرازيل كان الأكثر مبيعاً، يليه علما ألمانيا ثم إسبانيا والارجنتين، وخلال البطولة تصاعدت اسهم المنتخب الفرنسي، وبشكل لافت لاحقاً المنتخب العربي الجزائري.
ما هي الا أيام حتى يعود اللبنانيون للانشغال بمشاكلهم الحياتية، وينسوا المونديال الذي شغلتهم مبارياته، وجعلتهم يسهرون الليالي على رؤية العروض، وسماع السيمفونيات التي توالى على عزفها النجوم العالميون، طوال شهر كامل.
سيعود اللبناني الى التفكير بالمآسي اليومية التي يطالعها عبر صفحات الجرائد، ويتابعها عبر نشرات الاخبار، مترقباً توصل السياسيين الى حل يريح البلد