المسلسلات التاريخية عبث بذاكرة الأمة
الدكتور عادل عامر
استطاع مسلسل “سرايا عابدين” أن يجذب إليه المشاهدين معتبرا على التفخيم في الملبس والديكور، ومتشبثا إلى حد كبير بمسلسل “حريم السلطان”.أن “سرايا عابدين” هو “أسوأ مسلسل في شهر رمضان”، “رغم ذلك هو الأعلى مشاهدة وذلك بالديكورات والتصوير المبهر”.’عيب المسلسل أن كاتبة المسلسل ركزت على حياة الخديوي إسماعيل النسائية، ولكن لا يمكن أن نغفل عن فترة الخديوي إسماعيل التي امتدت 17 عاماً وبها بناء ونهضة كبيرة”. أخطاء المسلسل التاريخية، وأولها قتل الخديوي لأخيه أحمد رفعت، وهذا خطأ فادح لابد أن تسأل فيه كاتبة المسلسل، وأيضا إنشائه لمجلس شورى النواب في عيد ميلاده الثلاثين وهذا خطأ آخر، أيضا “سرايا عابدين” نفسها تم بناءها بعد تولى الخديوي للحكم بسنوات كثيرة”.المسلسل تم عمله لتشويه صورة أسرة إسماعيل، وأنه رجل يعشق النساء والجنس فقط، أكثر من إبراز أعمال الخديوي إسماعيل ومشاريعه في مصر “.
بعد مرور الأسبوع الأول من شهر رمضان بدأت بعض المسلسلات والبرامج تواجه اتهامات عديدة أخطرها التطبيع وتزييف التاريخ. فى مقدمة الأعمال التي تعرضت للهجوم والانتقاد مسلسل «صديق العمر» بأنه يهدف إلى تشويه صورة والدها، مؤكدة أن توقيت إذاعته يثير التساؤلات، خاصة أن المصريين رفعوا صورة والدها فى ثورة يونيو.
إن مسلسل صديق العمر «دون المستوى» وإن الفنان جمال سليمان لم يلمس أي شيء من شخصية والده على عكس الفنان أحمد زكى الذي لم يكن يشبهه، ولكنه اقترب من شخصية عبد الناصر وكذلك الفنان مجدي كامل.
العمل الثاني الذي يواجه اتهامات بتزييف التاريخ، هو مسلسل «سرايا عابدين» الذي يعتبر أضخم إنتاج درامي هذا العام، واتهمه البعض بأنه تقليد للمسلسل التركي «حريم السلطان»، معتمدا على تعلق الجمهور المصري والعربي بدراما القصور وقصص الحب والغيرة. ووصل الهجوم على المسلسل وحجم الأخطاء التاريخية التي يضمها إلى مرحلة اضطرت المؤرخ ماجد فرج المتخصّص فى تاريخ الأسرة العلوية إلى كتابة تقرير يومي عن المسلسل لمتابعة ورصد الأخطاء التي يضمها. وزاد من حدة الغضب تجاه المسلسل وصنّاعه أن مؤلفته هبة مشارى حمادة، كويتية الجنسية. أن أحداث المسلسل افتتحت بخطأ فادح وهو إقامة حفل عيد ميلاد الخديوي إسماعيل الثلاثين عام 1860م وهو المولود عام 1830 م، داخل “سراي عابدين” في حين أن السراي لم يشيد أساساً في ذلك التاريخ، لأن السراي اكتمل تشييده عام 1872م. أي بعد 12 عشر عاماً من مشاهد عيد ميلاد الخديوي إسماعيل الذي لم يكن أصلا إسماعيل باشا خديوي (حاكم) مصر في عمر الثلاثين ولم يكن حتى ولياً للعهد وقتها، لأنه في العام 1863 أصبح “واليا” ثم حصل على لقب “خديوي” عام 1867″ أي أن المسلسل جعله الخديوي (الحاكم) قبل 7 سنين أن من الخطأ قول مسمى “جلالة الخديوي” بل يقال “عظمة الخديوي”. لأن لقب “جلالة” مرتبط بالمملكة المصرية وظهر بعد عام 1922.فلقد قامت الكويتية بالتحريف في أحداث المسلسل، عندما لجأت إلى اختلاق حادثة قتل إسماعيل أخيه الأمير رفعت للاستيلاء على ولاية العهد وهو لم يحدث في التاريخ. “إذا كانت الأحداث لست واقعية ولا تاريخية، لماذا لم تلجأ لكتابة قصة تاريخية خيالية وفي نفس الأجواء الزمنية والديكورية مثل قصة كينغ آرثر وغيرها من الأدب الكلاسيكي، لماذا بالتحديد الخديوي إسماعيل؟!.وأيضا يظهر العلم المصري في المسلسل بهلال واحد ونجمة واحدة غير أنه في عصر الخديوي إسماعيل كان أحمر بثلاثة أهلة وثلاث نجوم، حسب الدكتور ماجد فرج الذي أكد أن شخصية خوشيار هانم (يسرا) كانت سيدة محترمة جداً وطيبة جدا وحنونة جداً ومحسنة جداً أما الحيزبون فهي من خيال المؤلفة كما أنّ الوالدة باشا خوشيار هانم التي تجسّدها يسرا لم تسكن قصر “سرايا عابدين”، بل “قصر الدوبارة” الواقع حاليا في منطقة “جاردن سيتي”. وتساءل مغردون عن سبب عدم استعانة صنّاع العمل بخبراء في التاريخ المصري. أن الخديوي إسماعيل وأسرته كانوا يتحدثون اللهجة المصرية التي نتكلمها اليوم، أما اللهجة التركية المقعرة التي تم تداولها في الإعمال الدرامية فهي من إفراز المسرح الكوميدي في بداية القرن العشرين، بهدف السخرية من الشخصية التركية في هذا الوقت بسبب العداء بين المملكة المتحدة التي كانت أعلنت حمايتها على مصر وقتذاك، وبين الدولة العثمانية، وهي صورة كاريكاتيرية لا علاقة لها بالتركية ولا العربية، وهذا ما وجدناه من خلال مقابلتنا للأتراك في الحياة العامة أو الفنانين الذي يتحدث بعضهم العربية والتركية ولا نجد هذه اللهجة بينهم أبدا.
ثيرت قضية رفض عبد الحكيم جمال عبد الناصر للأداء الذي قدمه الممثل جمال سليمان، في شخصية الرئيس الراحل، ذاكرا أن الممثل «فشل في تجسيد شخصية والدي، فهذه لم تكن طريقة وقفته أو لهجته أو نبرة صوته أو حتى حضوره..». في حين ذكرت د. هدى عبد الناصر أن الممثل لم يتقن اللهجة المصرية. الأمر غريب إلى حد لأن جمال سليمان أتقن، حسب نقاد مصريين عديدين، اللهجة الصعيدية التي أداها في «قطار الصعيد»، ولم يشكُ أحد من لهجته في «طالع الفضـة» و«حدائق الشيطان»، وهي من بين أعماله المصرية المتعددة. الحضور والسلوك أمر مفهوم. لا أحد في أي فيلم أو مسلسل يمكن أن يلبس طقم الشخصية الحقيقية بكاملها.
تمثيل باسم سمرة مثلا رائع، لكن هل هي حركات وحضور المشير فعلا؟ هل تمثيل درة لشخصية برلنتي عبد الحميد هو نسخة طبق الأصل؟ هناك تقارب شديد في الحركات بين صبري فواز ومحمد حسنين هيكل، لكن حتى هذا لا يعني أن الأول جسد الثاني بالسنتيمتر. للمسلسل مشاكله المشار إليها، لكن التلاؤم بين الممثل والشخصية الحقيقية ليس واحدا منها، طالما أن التشابهات موجودة وغالبة. ما كان يحتاجه المسلسل، في حلقاته حتى الآن، هو المزيد من الحياة خارج المنوال الذي نطالع به الأحداث. تأليف درامي أوسع من دون تزييف الأحداث الواردة هنا بالاعتماد على معلومات ووثائق وحقائق. الحال أن حلقاته المتوفرة لا تعدو سيلا من اللقاءات والاجتماعات وتبادل الحديث بين شخصيات لعبت دورها في تلك الفترة. إخراج «اللبناني» عثمان أبو لبن ليس مسؤولا، كون عليه أن يتعامل والمادة المكتوبة والميزانية المتوفرة بين يديه.
أما فيما يتعلق بانسياق الخديوي إسماعيل خلف نزواته وتهافت النساء على قضاء ليلة معه كما يبرز العمل، فيقول محفوظ لـ”دوت مصر”: إن إسماعيل لم يكن زير نساء لأنه تعلم في فرنسا، وقضى جزءً كبيرًا من حياته ما بين فرنسا والنمسا، كما أنه كان قائدًا للجيش وأرسله محمد سعيد باشا في مهام عسكرية إلى السودان، وحتى لو كان ماجنا بالسليقة، فهذه الرحلة بكل تأكيد قد هذبت من غرائزه وبدائيته. أما كل ما ينسج حول ملوك مصر من الأسرة العلوية بشأن الجري وراء النساء، فهو من نسيج الخيال المصري ويحتوي على الكثير من المبالغات، ومن الخطأ إن نعتبره مرجعية تاريخية.
وإذا كان إسماعيل متزوجًا 3 زوجات، فهذا كان أمرًا طبيعيًا في المجتمع المصري آنذاك، فتعدد الزوجات في هذه الحقبة كان من سمة العصر والمجتمع، وإذا أردنا تقييم شخص يجب أن نقيمه من خلال طبيعة المجتمع في عصره وليس طبيعة المجتمع في المرحلة الحالية.
إن الأخطاء التاريخية العديدة التي وردت بالحلقات الأولى من المسلسل ربما تعود إلى رغبة المؤلف في تكييف التاريخ مع طبيعة الدراما المراد تقديمها، وهذا وارد إلا أن المسؤولية في النهاية تلقى على عاتق المخرج الذي يجب عليه ضبط العمل تاريخيا، وهناك الكثير من المتخصصين في المراجعات التاريخية كان ينبغي الرجوع إليهم في هذا الأمر.
أما الثوابت التاريخية فلا تحتاج إلى متخصصين في التاريخ، فالبحث العادي يمكن أن يصل إليها. ومن بين الأخطاء التاريخية الشنيعة بالعمل أنه في عام 1860، الذي بدأت عنده أحداث العمل، لم يكن الخديوي إسماعيل قد تولى الحكم من الأساس، ولو يكن قد حصل على لقب خديوي ، بل أنه تولي الحكم في 12 يناير 1863، وحصل على لقب خديوي بفرمان من الباب العالي عام 1867، أصبح بموجبه نظام الحكم وراثيًا لأكبر أبناء الخديوي، أي أنه قبل هذا التاريخ لم يكن هناك ما يسمى بولي العهد كما ورد بالعمل، ناهيك عن أن الملك فؤاد الأول، ولد عام 1868، بينما ولد الخديوي توفيق عام 1852، أي أن الخديوي توفيق كان الأكبر سنا من فؤاد، وليس العكس. بخلاف أن كلمة “خديوي” تعني صاحب الرفعة، لذلك كان يلقب بجناب الخديوي أو عظمة الخديوي أو أفندينا، وليس جلالة الخديوي كما جاء بالعمل لأن لقب “جلالة” يستخدم في مخاطبة الملوك، وبدأ استخدامه في مصر عام 1922، مع حكم الملك فؤاد، أما قصر عابدين قد بناه إسماعيل ١٨٧٢، ولم يكن موجودًا عام 1860. وبالنسبة لمسألة السيطرة الكاملة لوالدته خوشيار هانم فهذا محض خيال، فخوشيار لم تكن تقيم مع إسماعيل في نفس القصر بخلاف أن النساء لم يكن مسموحًا لهن بالتدخل في شؤون الحكم.
في هذا العام لا أثر للتاريخ والإسلام والشخصيات الفارقة التي غالباً ما اختلف حولها ، لا بلقيس ولا زنوبيا ولا عمر ولا الحسين ولا الحجاج ولا شجرة الدر… ولعل أكثر ما ينطبق على عملية تدوين التاريخ بشكل صحيح هي الفكرة القائلة : أن الحقائق مقدسة أما الرأي فهو مجاني ، وقد لاحظنا كثيراً في تصريحات محمد حسنين هيكل كيف كان يلجأ إلى إبراز الوثائق والتي يعدها أدلة دامغة لرأيه الذي كان يطرحه ، وهذا النوع من التظليل يلجأ له الإعلام حالياً بأنواعه المختلفة ، وأكثر من يتقن هذا النوع من تزييف الحقائق هم اليهود المنتشرون في الدول الأوروبية وأميركا الشمالية ، حيث نجدهم وقد أمتلك معظمهم لوسائل الإعلام ، ثم أدخلوا عليه سلاحاً آخر ألا وهو سلاح النساء ، موطن ضعف الرجال .
يقال أن الوثائق هي المصدر الوحيد للمعرفة التاريخية، وقد تكلم القرآن الكريم عن ذلك قبل آلاف السنين عندما قال رب العزة: [ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ]. ولهذا تحرص الكثير من الدول والجماعات على اقتناء أو إخفاء الكثير من المدونات التي تدينها كما حصل مع اليهود عندما سرقوا مخطوطات البحر الميت التي تثبت زيف أحقيتهم في فلسطين وتحريفهم للتوراة كما ذكر ذلك الأسينيين في مخطوطات البحر الميت قمران .
حالة من الغضب والخلاف فجرها مسلسل «صديق العمر» الذي يجسد العلاقة الشخصية والسياسية بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ووزير الحربية السابق، المشير عبد الحكيم عامر أن المسلسل أساء لوالده بشدة، لأن أحداثه شديدة البعد عن مجريات الأمور الحقيقية، بالإضافة إلى اللكنة الشامية التي يتحدث بها الفنان جمال سليمان، والتي يراها دخيلة على لسان والده، مضيفاً: «كل ما يقوم به الفنان جمال سليمان من حركات ولفتات وطريقة مشى والجلوس وابتسامة بعيدة كل البعد عن شخصية جمال عبد الناصر الحقيقية
أن تجسيد الشخصيات التاريخية الكبرى يحتاج إلى كاريزما خاصة ومهارة عالية ليتمكن المؤدى من تقمص تلك الشخصية، وعلق أيضا على وجود أخطاء تاريخية كثيرة داخل العمل، بالإضافة لمواقف الضعف الإنساني التي افترض صناع المسلسل أنها تخللت حياة جمال عبد الناصر بلا اى دليل. أن المسلسل جاء صادما للكثيرين، لأن الناس اعتادت أن تسمع التحريف والصورة التي يحب البعض أن يصدرها لأشخاص معينين ورؤية وسماع ما يقال رغم افتقاره للواقعية. أن هذا المسلسل يعد أول عمل يدخل بمنتهى الجدية فى قضايا تناولها العديد بشيء من التسطيح والبعد عن الواقع وتفخيم شخص على حساب باقي الشخصيات التي أثرت ولعبت دورا مهما وحيويا فى كثير من الأحيان. أن المسلسل أزاح الستار عن شخصيات وضعت فى خانة الملاك عبر الأعمال الدرامية، ونسى من صنعوا هذه الأعمال بل تناسوا أن تلك الشخصية من البشر تخطئ وتصيب، مدللاً على ذلك بشخصية الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، الذي كان مثل كل الرؤساء له ما له وعليه ما عليه، وأنه أخطأ وأصاب، «لماذا هذا الضجيج والخوف من صدى مسلسل يقدم الحقيقة لأول مرة دون تزييف للحقائق أو تحيز»، داعياً من يتهمون المسلسل بالافتقار إلى الصدق وتغيير الحقائق وتشويه التاريخ، إلى تقديم برهانهم إن كانوا صادقين.