يولد المرء من أبوين مسلمين فيعد مسلماً، فيشب ويكتهل ويشيخ وهو يعد من المسلمين. تجري على لسانه وقلبه كلمات الإسلام. وتباشر أعضاؤه عبادات وأعمال إسلامية، فراق روحه أهون عليه من فراق الإسلام، لو نسبته لغير الإسلام لثار عليك أو بطش بك. ولكنه لم يتعلم يوما شيئا من الإسلام ولا عرف شيئا من أصوله في العقائد والأخلاق والآداب والأعمال، ولم يتلق شيئا من معاني القرآن العظيم ولا أحاديث النبي الكريم، -صلى الله عليه وآله وسلم-. فهذا مسلم إسلاما وراثيا لأنه أخذ الإسلام كما وجده من أهله، ولا بد أن يكون- بحكم الوراثة- قد أخذه بكل ما فيه مما أدخل عليه وليس منه من عقائد باطلة وأعمال ضارة وعادات قبيحة. فذلك كله عنده هو الإسلام، ومن لم يوافقه على ذلك كله فليس عنده من المسلمين.




هذا الإسلام الوراثي هو الإسلام التقليدي الذي يؤخذ بدون نظر ولا تفكير وإنما يتبع فيه الأبناء ما وجدوا عليه الآباء. ومحبة أهله للإسلام إنما هي محبة عاطفية بحكم الشعور والوجدان.
هذا الإسلام الوراثي هو إسلام معظم عوام الأمم الإسلامية، ولهذا تراها مع ما أدخلت على الإسلام من بدع اعتقادية وعملية، ومع ما أهملت من أخلاق الإسلام وآدابه وأحكامه، متمسكة به غاية التمسك لا ترضى به بديلا ولو لحقها لأجل تمسكها به ما لحقها من خصومه من بلاء وهوان.




هذا الإسلام الوراثي حفظ على الأمم الضعيفة المتمسكة به- وخصوصا العربية منها- شخصيتها ولغتها وشيئا كثيراً من الأخلاق ترجع به الأمم الإسلامية إذا وزنت بغيرها. ومن ذلك خلق العفة والطهر الذي حفظ نسلها فتراه يتزايد بينما تشكو أمم أخرى غير إسلامية من نقصان نسلها. فالشعب الجزائري يزداد في العام اثنين وثلاثين ومائة ألف والشعب التونسي يزداد في العام خمسين ألفا بينما بعض الشعوب غير الإسلامية يقف عن الازدياد ويخاف النقصان رغم ما عند هذا من العناية وما عند أولئك من الإهمال.



لكن هذا الإسلام الوراثي لا يمكن أن ينهض بالأمم، لأن الأمم لا تنهض إلا بعد تنبه أفكارها وتقنح أنظارها. والإسلام الوراثي مبني على الجمود والتقليد فلا فكر فيه ولا نظر.
أما الإسلام الذاتي فهو إسلام من يفهم قواعد الإسلام ويدرك محاسن الإسلام في عقائده وأخلاقه وآدابه وأحكامه وأعماله، ويتفقه- حسب طاقته- في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ويبني ذلك كله على الفكر والنظر فيفرق بين ما هو من الإسلام بحسنه وبرهانه، وما ليس منه بقبحه وبطلانه فحياته حياة فكر وإيمان وعمل، ومحبته للإسلام محبة عقلية قلبية بحكم العقل والبرهان كما هي بمقتضى الشعور والوجدان.




هذا الإسلام الذاتي هو الذي أمرنا الله به في مثل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}، فبالتفكر في آيات الله السمعية وآيته الكونية وبناء الأقوال والأعمال والأحكام على الفكر، تنهض الأمم فتستثمر ما في السماوات وما في الأرض وتشيد صروح المدنية والعمران.





إذن! فنحن- المسلمين- مطالبون دينيا بأن نكون مسلمين، إسلاما ذاتيا. فبماذا نتوصل إلى هذا الواجب المفروض؟ ..





لذلك سبيل واحد، هو التعليم. فلا يكون المسلم مسلما حتى يتعلم الإسلام فالمسلمون- أفرادا وجماعات- مسؤولون عن تعلم وتعليم الإسلام، للبنين والبنات، للرجال والنساء، كل بما استطاع والقليل من ذلك خيره كثير، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ).




سماحة الإمام العلامة عبد الحميد بن باديس-رحمه الله-/ الآثار (3/ 240-242)