قراءة للوحات التشكيلي العراقي صلاح زينل: شاعرية اللون وحيوية الشكل وروعة الفضاءات
لحسن ملواني
تختلف اللوحات باختلاف مشارب المبدعين والتقنيات والوسائل المستخدمة في تشكيلها وتلوينها وتركيباتها، وبين الفنان والآخر، تجد فروقا كثيرة، ولمسات خاصة، تعود بك إلى خصوصية أصحابها، فلكل اتجاهاته، ولكل أسلوبه، ولكل رؤيته للعالم، وفي مقالنا هذا ، نسجل انطباعاتنا الأولية حول لوحات فنان تشكيلي عراقي استمالتنا أعماله، و تقنيات ووسائل إنجاز لوحاته المتميزة .
في لوحات صلاح، تتماهى خطية الألوان بشكل إيقاعي يخلق إحساسا معينا تحدده الوضعية الممنوحة لمادة اللوحة، وعبر التحكم في زئبقية اللون، يخلق الفنان مشاهد بإيقاعات متزنة توحي بوضعيات تجسد الإنسان في أحوال متنوعة، وضعيات تنسجم مع معطيات كل فضاء اللوحة، فتصير هذه الأخيرة متكاملة العناصر والرؤية البصرية والملمح الجمالي، بل إن ملء محيط ومساحة اللوحة بعناصر محددة يجعلها تستغني عن الخلفية والتي تتكون من مؤثثات اللوحة ذاتها، والحال أن كثيرا من لوحات الفنان بذات التقنية والوسيلة تبرز وضعيات تتخذ المظهر الموحي و المجسد للصراع مع الذات و مع اللآخر ربما.
الفنان متحكم في استعمال اللون وموضعته بشكل يؤشر على امتلاكه الرؤية الجمالية و البصرية، فالفنان كالموسيقى الذي يفترض أن يكون ذا أذن موسيقية تسعفه في وزن الإيقاعات وإدخال الانسجام بين نغماتها في حالات الاختلال. لذا نجد في لوحاته هذا الانفلات من رسم المعتاد عن طريق التوجيهات باللون وباللمسات الفنية الدقيقة من أجل الوصول بالشكل إلى ما يتنتهي إليه رضا و نظرة الفنان الإبداعية.
هكذا نجد في كل لوحات صلاح هذا التصالح والتداخل الاستيتيكي بين أنسجة اللوحات، الأمر الذي يمنحها صيغة تماثلية رائعة لا تترك للعين الفراغ المخل بالمظهر الجمالي، فهو بارع في ملء كل محيط اللوحة بعناصر تحارب الشعور بالفراغات الباعثة على التساؤل بل إنه يجعل اللوحة تضج بالاشياء الملونة تلوينات تدخل الحيوية في معطيات اللوحة فتجعلها لوحة تحوم حولها المشاعر والأحاسيس إزاء المرسومات، وما يحيط بها من أشياء. كما أنه يجعل مختلف مكونات اللوحة تعبر عن العنصر الرئيسي في اللوحة بملمح يطبعه الانسجام و التواؤم الشكلي واللوني بدرجات متسقة متزنة. فأسلوب صلاح يشي بالمتانة والتماسك المعبر عن ذاتيته إزاء العالم والمحيط الذي يتعايش معه في حالات الفرح والحزن والتأمل .
لوحات تستعمل كل لونياتها ومفرداتها بعناية جمالية مدروسة تحافظ على هندسية الشكل بامتدادات جمالية تقرب متعته إلى الوجدان، جمالية فريدة منبعها الخزان الرؤيوي المركون في ذاكرته .
وبذلك تصير اللوحة ـ باعتبارها حاملا مميزا لفنية المبدع ـ علامة تتخذ من نسيجها الجمالي فرادتها وملمحها المميز .
ولوحاته بقدرما تحمله من جمالية و نضارة بقدرما تعكس أحيانا توترا وجوديا وثقافيا خاصا.
وعلى ملامح لوحاته تباشرك تجليات جمالية رائعة مستندة إلى رؤية الفنان ومخيلته الإبداعية التي تبرز وتحيل على قدراته اللامتناهية في منح المعطيات التشكيلية الحيوية والرونق والعمق الفني، وهو بذلك يسهم بشكل أو بآخر في ملامح الحداثة الإبداعية بخصوصياته وفرادته في استخدام أدواته ومكونات لوحاته، هذه الأخيرة التي تتعدد موضوعاتها، فمن خلالها يحاول رصد ملامح البدن و المعمار والتضاريس وما إلى ذلك مما تنتقيه حاسته الذوقية والإبداعية .
لقد وهبه الله تعالى لمسات جمالية تحول مساحة اللوحة إلى حديقة تضج بالحياة مما يمنحها قيمة متعوية وجمالية بصرية تستحق المشاهدة والتأمل.
ويلاحظ في لوحات صلاح هذا التركيز الشديد والدقيق في العمل على إضفاء الأناقة على ما يرسمه، ولعل السر في جمالية لوحاته يعود إلى ذلك، حيث يبعد جل ـ إن لم نقل كل ـ لوحاته عن فجاجة اللون والتنافر الشديد بين الألوان مما يضفي على وجوه لوحاته ملامح جمالية طابعها الانسجام وانسيابية اللون بطرق وتقنيات فنية مدروسة، أساسها التناغم اللوني عبر التوزيع المتقن الذي تفرضها الأشكال المرسومة، مما يكسب اللوحة التوازن المقبول في تركيبتها العامة.
في لوحاته تبرز شاعرية روحه و رحابة فضاءات أحلامه التي يجسدها تشكيله كي يتقاسمها مع غيره ممن يشاهد لوحاته .
و إذا كنا نفترض أن الفنان يلزمه أن يكون شاعرا مرهف الإحساس، تدهشه المرئيات والأصوات والحركات حتى ولو كانت بسيطة، فإن صلاح يمكن اعتباره شاعرا يكتب قصائده المعبرة عن شفافية روحه بحساسية لونية وشكلية مؤثرة، هاته الشاعرية تَسِمُ كل لوحاته سواء المنجزة بالأقلام أو المنجزة بغيرها من الوسائل والتقنيات..
وللإشارة فاللوحات التي ركزنا قراءتنا عليها كلها مرسومة بالأقلام الجافة بتهشيراتها وتقاسيمها وظلالها وخلفياتها، والمبدع الحاذق في اعتقادنا هو القادر على استنبات الرائع والجميل انطلاقا من وسائل بسيطة لا ينتظر منها سوى الإبداعية المحدودة البسيطة تبعا لبساطة الوسيلة المنجزة بها.
*كاتب وفنان تشكيلي من المغرب
رد مع اقتباس
