تتأرجح حياة بطلة رواية "عرش معشّق" لـ "ربيعة جلطي" بين مخاضين، ولادتين، عالمين، وتبقى حائرة تنوس بين اسمين: "نجود" الذي فُرض عليها، و"زليخا" الاسم الذي اختارته هي بنفسها.
تتأرجح حياة البطلة، هي التي ولدت في "زمن الإرهاب الأعمى"، كما يتأرجح وطنها بين الانقلابات والثورات والحروب. حتى القارئ يبقى بدوره متأرجحاً على امتداد صفحات الرواية، مسافراً على متن قارب إلى عالمها، مبحراً إلى مدينة وهران الجزائرية، ليقع في مصيدة سحرها.
تفاجئه منذ الجملة الأولى من روايتها، فقد اختارت أن تكون البداية ولادة لحياة جديدة. تسرد الفصل الأول على لسان جنين ينقذف من أحشاء أمه إلى الحياة، ليعلن أن الخروج إلى هذه الدنيا هو "أول اعتداء عليك وأول تطويع وأول كبح وأول ترويض. أول تنبيه لك أنك لست مليك أمرك، وتحذير لك لتعلم أن الأشياء غالباً ما تأتي عكس هواك، وأنك مجبر على الطأطأة والرضا والتقبل".
الجنين المولود الذي بدأ يتعرف إلى عالمه الجديد، فأدرك أن "صوتك هو أول سلاح تشهره" وأن "ما هذا بنت! قالت القابلة بصوتها المقعر كأنها تطرح سؤالاً استنكارياً". هذه الجنين- البنت ستكون بطلة الرواية وراوية معظم أحداثها. فتاة قبيحة الشكل، كلما كبرت تكبر أطرافها وتتضخم جثتها ويزداد الشعر النابت أسفل ذقنها. فتاة تحاول التخفي عن عيون الآخرين، كي لا تسمع سخريتهم من بشاعتها.
تطرح مفهومها عن الجمال والقبح، هي التي تعيش في عالم مليء بالخداع والكره. عالم مشوّه مأسور بالمظاهر الخارجية، ينظر إلى المرأة بوصفها شكلاً فقط، غير مهتم بكينونتها وعقلها وذكائها. تتمرد "نجود" على هذا الواقع، خاصة حين يطرق الحب بابها، ما يقودها إلى سلسلة من التحولات. ترمي اسمها القديم الذي ورثته عن أختٍ ولدت قبل خمس سنوات وماتت، وتعيد تسمية نفسها بـ"زليخا". هكذا تخلو إلى نفسها فتتخيّل اندماج ظل أختها المتوفاة الفائقة الجمال في جسدها، تصبح واثقة من نفسها، وتكتشف جسدها، رغباته وتطلعاته، وتكون قادرة على جعل جارها "عبدقا" يقع في غرامها هو أيضاً رغم وسامته وقبح شكلها.
"كان عبدقا ينظر إلي صامتاً مبتسماً وهو يقبض على طرف الباب. كانت حرارة جسده الواقف أمامي تتسلل إلى مساماتي وتفتحها (...) تعانقت نظراتنا فتفتحت جميع زهوري واحمرّ وجهي. أخذ يدي بين يديه وقربها من تينك الشفتين ثم قبلها".
تسلط الكاتبة الضوء على فكرة التعايش المشترك بين الأديان في المجتمع الواحد الذي بدأ ينحو إلى التعصب والتطرف، لتؤكد على ضرورة هذا التعايش وأهميته. ترمز إلى تلك الفكرة بهيكل من الزجاج المعشق، يوجد في بيت الخالة التي تبنت "نجود" بعد ولادتها. هذا الهيكل ورثه زوج الخالة "بوعلام" من أمه، واختلفت الحكايات حوله، لكن جميع الحكايات أكدت على أن الزجاجات التي صُنع منها قد "تم انتقاؤها ببالغ الدقة والعناية من أماكن مقدسة وعالية القيمة الروحية والتاريخية، فبعضها أخذت من نوافذ أعرق المساجد وبعضها الآخر من شبابيك الكاتدرائيات والكنائس، وكل ذلك للدلالة على الصلح النهائي والتعايش الدائم".
ما بين المخاض الأول الذي تبدأ به الرواية، والمخاض الأخير الذي تنتهي إليه، تشير الروائية إلى أحداث مهمة في تاريخ الجزائر الحديث، من خلال مسار حياة شخصيات الرواية. "زليخا" تولد في "زمن الوجع الجماعي لبلاد غارقة في حرب وإرهاب"، يُغتال أبوها الشرطيّ الشاب ليلة ولادتها، وفي بيت الخالة ستكبر على حكايات المقاومة الشعبية التي يسردها "بو علام" عن أمه المجاهدة "نورة". ومن خلاله سنقرأ عن الانقلابات والثورات التي انتهى مخاضها عن ولادة جزائر جديدة متعددة.
ربيعة جلطي، شاعرة ومترجمة وروائية جزائرية، مواليد الجزائر 1964، حائزة على شهادة الدكتوراه في الأدب المغربي الحديث من جامعة دمشق. وهي حالياً أستاذة في جامعة وهران. لها العديد من المجموعات الشعرية: "تضاريس على وجه غير باريسي"، "التهمة"، "شجر الكلام"، "كيف الحال؟"، "حديث في السر"، "من التي في المرآة؟"، و"حجر حائر"، وقد تُرجم بعضها إلى الفرنسية. لها أيضاً كتاب نصوصٍ نثرية: "بحار ليست تنام"، إضافة إلى ثلاث روايات: "الذروة"، "نادي الصنوبر"، و"عرش معشق".
منقول عن r22