الحرب الإسرائيلية على غزة وقبة الأوهام
محمد عبد الدايم
كالعادة عندما تبدأ إسرائيل حربها الدورية الفاشية على الفلسطينيين لأهداف تخدم أولا الحكومات اليمينية المتعاقبة، يبرز على السطح اسم “القبة الحديدية”، وهي نظام دفاع جوي متحرك طورته شركة “رافئيل” الإسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدمة والهدف منه اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية، في شهر فبراير من عام 2007 اختار وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق “عمير بيرتز” نظام القبة الحديدية كحل دفاعي لإبعاد خطر الصواريخ قصيرة المدى عن إسرائيل، منذ ذلك الحين بدا تطوير النظام الذي بلغت كلفته 210 مليون دولار بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، ودخل الخدمة في منتصف عام 2010.
فكرت القيادة الإسرائيلية في نظام يحمي مدن ومستوطنات إسرائيل من الصواريخ قصيرة المدى بعد حرب لبنان الثانية 2006 حيث أطلق حزب الله ما يزيد على 4000 صاروخ كاتيوشا قصير المدى سقطت في شمال إسرائيل وأدت إلى مقتل إسرائيليين، كذلك أكد هذا الأمر استمرار إطلاق صواريخ القسام من قطاع غزة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وخاصة مستوطنة سديروت.
هذا النظام الدفاعي أطلق عليه كاتب صحافي إسرائيلي اسم “قبة الأوهام” متهما الحكومة الإسرائيلية بخداع مواطنيها بأن هذا المشروع سيحميهم من صواريخ حماس وحزب الله، ولكن الحقيقة أن الحكومة الإسرائيلية تروج الوهم للمواطنين، فالقبة لن تحميهم من صواريخ حماس أو حزب الله.
ترجمة مقال الكاتب في صحيفة هآرتس عام 2010:
قبة الأوهام
رءوفين بدهتسور
لا شك أن مسئولي هيئة تطوير الوسائل القتالية يستحقون كامل التقدير لنجاحهم في تجربة “القبة الحديدية” فهذا حقاً إنجاز تكنولوجي مذهل ، المشكلة أن هذا النجاح غير مرتبط بحل لتهديد صواريخ القسام على سديروت، أو تهديد الكاتيوشا قصيرة المدى لدى حزب الله، فتجربة “القبة الحديدية” الناجحة لم تقدم جديداً، ولم تحل المشكلات المتأصلة في منظومة الدفاع المعتمدة على صواريخ، التي تحاول اعتراض مثل تلك الصواريخ، لذلك؛ فإن صيحات السعادة والبهجة في أعقاب نجاح التجربة لا تعبر عن الحقيقة المؤسفة للغاية.
إن منظومة العلاقات العامة المصاحبة للتجربة عامرة بالخداع، وتجاهل عيوب المنظومة، وأنصاف الحقائق، ونشر الأوهام، هذا لأن “القبة الحديدية” لن تحمي مستوطنات محيط غزة، ويبدو أيضاً أنها لن تحمي مستوطنات أكثر بعداً عن قطاع غزة، من خلال سيناريوهات منطقية لإطلاق صواريخ باتجاه الجبهة الداخلية؛ يحتمل أن ينفد احتياطي صواريخ “القبة الحديدية” قبل أن تتوقف رشقات الصواريخ بوقت طويل، وفي كل الأحوال سيتمكن الفلسطينيون في الجنوب وحزب الله في الشمال من هزيمتنا اقتصادياً، قبل إطلاق ولو صاروخ واحد، بسبب التكلفة العالية للدفاع بواسطة “القبة الحديدية”.
بداية: القبة الحديدية” غير قادرة على حماية مستوطنات محيط غزة إطلاقاً، بسبب التوقيت القصير لتحليق صواريخ القسام، فالقسام يأخذ مساره من بيت حانون إلى سديروت في 14 ثانية تقريباً بالنسبة لـ”القبة الحديدية” فتستغرق نحو 30ثانية حتى تكتمل العمليات المصاحبة لمحاولة الاعتراض، أي أن المنظومة غير قادرة على حماية كل ما يقع على مسافة أقل من أربعة كيلومتر عن قطاع غزة، وكشف بالفعل عن هذه الحقيقة المرة وزراء الحكومة في بداية 2008، ولذلك قرروا تحصين كل المستوطنات التي تبعد عن القطاع بمسافة أقل من 4.5كم ولم تعق هذه الحقيقة المعروفة ممثلي منظومة الدفاع عن إيهام سكان محيط غزة، كما لو كان نجاح التجربة يعني حمايتهم.
لكن المشكلة أكثر خطورة،ففي حين أن صواريخ القسام التي أُطلِقت باتجاه سديروت كانت من الجيل الأول؛ والتي سرعتها بطيئة نسبياً؛ فقد أطلقت حماس أثناء عملية “الرصاص المنصهر” صواريخاً من طراز:قسام 3، جراد، وجراد المعدل. وسرعتها أكبر ثلاث لأربع مرات من الطرز السابقة، فيكشف حساب بسيط أنه لمواجهة هذا التهديد لو زاد الحد الأدنى لمدى “القبة الحديدية” من 4إلى 12 أو حتى إلى 16 كم؛ ففي حالة كهذه لن تستطيع القبة الحديدية أن تحمي ولو عسقلان.
الخدعة الأخرى التي روجت لها وسائل الإعلام تمثلت في التأكيد أنه من الآن سيتم حماية مستوطنات الجنوب، ليس من صواريخ القسام فحسب، وإنما أيضا من قذائف الهاون، وهو إدعاء لم يعلنه حتى مطورو المنظومة، رغم هذا؛ حينما أثنى كتاب ومحللون على قدرة “القبة الحديدية” على اعتراض قذائف الهاون؛ لم يسع أحد من منظومة الدفاع ليصحح لهم.
مشكلة أخرى تتمثل في تكلفة الاعتراض، فصاروخ “القبة الحديدية” يتكلف نحو 100ألف دولار، في حين أن قيمة صاروخ القسام عشرات الدولارات، فأي محاولة لتقدير مواجهة إطلاق آلاف الصواريخ (مثلما كان في حرب لبنان الثانية) مقرونة بتكلفة غير ممكنة سواء في الجنوب، أو بالتأكيد في الشمال حيث يتضمن التهديد نحو 40ألف صاروخ لدى حزب الله.
الأكثر خطورة من هذا هو خطة المواجهة التي تمثلت في منظومة:” العصا السحرية” التي تطورها هيئة تطوير الوسائل القتالية، فتكلفة الصاروخ الواحد في هذه المنظومة ستصل إلى نحو مليون دولار.
يجب على سكان محيط غزة، وكريت شمونه، ومستوطنات الجليل الأعلى أن يعرفوا الحقيقة، ممنوع أن ينقادوا وراء صيحات المهرجان الإعلامي الذي صاحب تجربة “القبة الحديدية” الناجحة. فهذه القبة لن تحميهم.
الحرب الإسرائيلية على غزة وقبة الأوهام
..