التأريخ من وجهة نظر عربيةلا شك ان الذي حفز العرب على التعاطي مع التاريخ كمادة وكعلم هو القران الكريم والسنة المطهرة حيث لم تعرف هذه الامة قبل الرسالة الاسلامية غير التداول الشعبي لاقاصيص وحكايات خرافية او مبالغ بها الى حد اشباع المخيال البدوي الخصب, فقد كان للظروف السياسية والعوامل الجغرافية اثر كبير في تحريك هذه الحكايات نحو المبالغة للتنافس فيها بين مضر واليمن وما بينهما من قبائل ومكونات دينية او شبه قبلية كالصعاليك ..
............................................
وكانت احاديثهم تلك عبارة عن روايات شفوية من قصص عن آلهتهم وشؤونهم الاجتماعية ومآثرهم ومعاركهم (الايام) وانسابهم,وكانت تتمحور حول القيم المجتمعية التي امنوا بها وفي طليعتها المروءة والشجاعة ومجموع الفضائل البدوية, وكان الشعر يلعب دورا اساسيا في الرواية الشفهية حين يتخلل القصة او يرد في نهايتها حسب دور الشاعر الذي يلون الحدث فيها, وهذا الشعر لا يحدد اتجاه سير القصة انما يعطيها حيوية وتاثيرا يقول ابن فارس: ( الشعر ديوان العرب وبه حفظت الانساب وعرضت المآثر ومنه تعلمت اللغة ..الخ) –المزهر في علوم اللغة للسيوطي,.
والشيء الذي لابد من تأكيده كمقدمة : ان البداوة ليست بذاك النقاء الذي تصوره الكثير من الكتابات الطوطمية الساذجة, فقد كانت ارض الجزيرة مأوى للهاربين من سلطة الدول الكبرى القائمة آنذاك لا سيما الروم والفرس والحبشة, حيث ساعدت الطبيعة الجغرافية لهذه الارض المجرمين على الافلات من القانون في الدول المتحضرة حاملين معهم صفات الجريمة والزندقة، قال ابن قتيبة في معارفه : ( اما الزندقة فقد كان مركزها الحيرة ومنها انتقلت الى قريش), كما أكد المؤرخون ان الثنيوية كانت تحظى بمساحة ليست بالقليلة في مكة والمدينة فضلا عن الوثنية المستوردة والديانات القديمة, الامر الذي ادى الى الانصهار الثقافي مع السكان الاصليين، نعم يستثنى من ذلك اليهود الذين فروا الى الجزيرة من بطش الرومان او الذين جاءوا ليحظوا بلقاء النبي الموعود(صلى الله عليه واله) التي ذكرته كتبهم الدينية حيث أبوا الاختلاط مع العرب احتقارا لهم.
وقد احتفظ الفارّون بكثير من صفاتهم الذميمة المتوارثة عن الاباء وهذا واضح جدا لمن تأمل في صفات بني امية تلك الصفات المركبة من أخس الصفات والأمها والتي لا زلنا نعاني منها, ولذا ذهب العقاد الكاتب المصري المعروف في كتابه عثمان ذي النورين: الى انهم ليسوا من العرب, وهو مانميل اليه علميا .
ولعل سبب اهتمام العرب بانسابهم يعود الى عزل هؤلاء كي لا يختلط شرف الاصل والحسب مع انساب الهاربين المخترعة..
فالبداوة: هي هجين ثقافي غير متجانس تصارع نفسها على اتفه الاشياء للحفاظ على كيان القبيلة الحامي للفرد, والحصول على موارد الطبيعة الشحيحة هناك...
والى هذا المجتمع المتوحش كما يقول ابن خلدون في مقدمته : بعث النبي الخاتم صلى الله عليه واله من انبل واكرم اسرة عرفتها تاريخ البشرية جمعاء برسالة من شانها ان تضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم,لتحررهم من التبعية للآخر ولتصنع منهم امة تناطح الامم الاخرى، الا ان ذاك المجتمع لما لم ينسلخ من جاهليته قرأ الرسالة بحسب تلك الثقافة الاسطورية مفسرا نصوص القرآن والسنة وحقائق التأريخ بطريقة بدائية ساذجة طرّزتها الروايات الاسرائيلية .
ولما كانت العصبية القبلية والاستئناس الشديد بثقافة الخرافة الضاربة في اعماق نفوسهم وعقولهم استنكفوا من وصمة الجاهلية التي وصف القران الكريم بها ابائهم، فكانت من اساليب الانقلاب الخبيثة انهم نسبوا الكثير مما جاء به الخاتم صلى الله عليه واله الى العصر الجاهلي ليوحوا بذلك ان الاسلام لم يأتي بجديد, كبعض الحدود والدياّت والاحكام بل حتى بعض سور القران الكريم كما ذكر المسعودي في مروجه، وهو ما تلقفته اقلام اليهود والنصارى ومن تأثر بفكرهم ..
وهذا جزء من معاناتنا مع الفكر الاموي الذي تضخّم على مدى مئات من السنين بدعم السلطات الانقلابية الى ان وصل الى داعش وسواها..
وللطرافة: ان الطبري الذي لقبه البعض بهيرودوت العرب كتب التاريخ بطريقة انتقائية تتخللها الكثير من القصص الخيالية الساذجة ليضفي على تاريخه نكهة الاسطورة وكمثال فقد ذكر ان الابجدية العربية – أبجد هوز..- قد اخترعها اشخاص من العرب البائدة، فكتب قائلا : ( إن من وضعوا هذه الأبجدية هم أناس هلكوا في الجاهلية القديمة , منهم أبو جاد ( أبجد ) وحاطي (حطي ) وهواز ( هوّز ) وكلمان ( كلمن ) ...إلخ وهم بشر من العرب البائدة... إن كلمان خلّف أربع بنات إحداهن شاعرة , رثت أباها بقصيدة عند وفاته) ؟؟؟!!!!
يالله وللتاريخ...
.
السيد محمد الحسني