مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي
هناك تحت سماء الوطن، فتحوا ابوابا، ورسـموا احلاما لأجيال كثيرة. وأضحى التعليم مع الوقت، ظلّهم الذي يلازمهم ويصاحبهم، فمنحوا هذه المهنة قلوبهم، واجمل سنيّهم. ورغم مضي زمنا غير قليل منذ ان تركوا المهنة، او تقاعدوا منها، الا ان كلمة (سـت) و (استاذ) مازالت حاضرة في وجدانهم، ومازالت قادرة على حملهم الى العالم الجميل الذي كان سائدا.
لست مبالغا لو قلت، ان الطريقة التي يمكن قياس رقي اي بلد، او مجتمع، هي من خلال الحكم على سياسته التربوية، على اساليب التعليم، على المناهج والبنايات ومرافقها المهمة، على الفعاليات التي ينغمر فيها التلاميذ، وربما الأهم من كل هذا وذاك، هو الكادر التدريسي، ان كان بواقعهم الأقتصادي أوحقوقهم ودور المؤسسات المعنية في رفع شأنهم ومستواهم. ورغم اننا نعيش في بلاد جديدة ، الا ان هذا لا يمنع ابدا من تكريم جيل المعلمين والتدريسيين الذين قدموا الكثير، فمسيرتهم تلك تستحق منّا، نحن ابناء العراق الأوفياء، ان نشكرهم ونقدم لهم الأمتنان، اينما كانوا منتشرين في بلاد الغربة، ان كان بالكتابة عنهم أو بنشر قصصهم وذكرياتهم، وآمل ان نقوم سوية بتكريس واقع جديد فيما بيننا، في الأحتفال والأفتخار والأعتزاز بكل مبدع، خدم بصدق وتفان، حتى وأن تجاهلت المؤسسات المعنية دورها في القيام بذلك!
وفي هذه المناسبة، ادعوكم لرحلة قصيرة مع بعض الوجوه العراقية التي خدمت في سلك التدريس في عهود مختلفة. ويقينا ان في جعبة كل واحدا منهم قصصا كثيرة وحكايات وذكريات، وستسمعوهم سوية وهم يصبوها في مجرى واحد كبير، هو حب الأنسان ورفعته.
المدرّس صباح دخّـو دلّي
من مواليد مدينة "تلكيف" التابعة لمحافظة نينوى، في العام 1944 ومن محلة (يلدا)، متزوج من السيدة خالدة داود جولاغ، ولهما اثنان من البنين وأثنتان من البنات، مع 10 احفاد.
درس الأبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس (تلكيف) وأنتسب الى معهد المدرسين العالي (في الباب المعظم) والتابع لجامعة بغداد في العام1963 وأختار قسم الرياضيات ، وتخرج منه عام 1966. ولم يكتف بذلك، بل درس علوم الرياضيات مجددا وحاز على شهادة (ليسانس) من جامعة بغداد مابين الأعوام 69-1971.
صباح دلي - مع الصف ثاني - ثانوية نجمة الصبح
- كان أول تعين له في "ثانوية زاخو" في العام 1966-1968 ، ثم نقل الى- "متوسطة الحرية" في الموصل (باب سنجار) في العام 1969، حيث درّس كل من مادة الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء والجبر،
في متوسطة الحرية - الموصل - سفرة للحضر -صباح دلي 1969
نقل بعدها الى- "متوسطة الكرامة" في محافظة بغداد/ جانب الكرخ – والذي يسمى ايضا بالحي العربي 1970، بعدها الى- "ثانوية 30 تموز" في منطقة اسكان غربي بغداد، اضافة الى القائه المحاضرات في "ثانوية نجمة الصبح" الأهلية للبنات في مدينة المنصور، حتى العام 1973، وهي سنة مغادرته العراق الى الولايات المتحدة.
بعد وصولي لهذه البلاد كان طموحي ان اكمّل دراستي لكن الظروف العائلية لم تساعدني، خاصة بعد رحيل والدي، فنهضت بمسؤلية العائلة وتمكنا من تجاوز صعوبات الحياة اذ انغمرت في الأعمال التجارية، نتيجة لخبرتي في هذا الحقل، حيث كنت اساعد والدي الذي كان يملك محلا لبيع الحاجات المنزلية في مدينة تلكيف، وقد انتظمت (كطالب خارجي) في دراسة النظام المالي والضريبي في احد معاهد التعليم (اج – آر) اذ تطورت قدراتي في آلة الكومبيوتر التي لا غنى عنها اليوم في العمل او الحياة العامة. ورغم تنقلي بين عدة ولايات لكني مقيم الآن في مدينة ديترويت وأعمل في حقل الأعمال الحرة، ويبدو ان عدوى الأرقام والرياضيات لم تتركني، ولم يروي ظمأي تحصيلي العلمي في العراق، فآثرت اكمال دراستي الجامعية (متواصل للآن في الدراسة الخارجية) في جامعة (وين ستيت يونيفيرستي) الكائنة في مدينة ديترويت بأمل نيل "شهادة الماجستير" في (نظرية الأحتمالات).
بعد تخرجي في العراق وتعيني مدرسا يقول الأستاذ صباح: فقد اجتمع اثنان فيّ آنذاك، اولهما كان حبي الكبير لمهنة التدريس ورغبتي في ايصال المعلومة للجيل الناشئ، وثانيهما كان عشقي اللامتناهي للأرقام ولمادة الرياضيات مما دفعني لأبتكار اساليب وطرق مستحدثة لتدريسها، وعلى سبيل المثال سأذكر هنا طرفة حدثت معي في احدى السنين، اذ صادف ان زار مدرستنا مفتشا من الوزارة، وسأل عن صفي من ضمن اسئلته عن باقي الصفوف، فقال له المدير انه في (المختبر) مع التلاميذ، فتعجب المفتش وقال: في المختبر، مع مادة الرياضيات او الهندسة؟ وفعلا كنت اصطحب التلاميذ مرة او اكثر في الأسبوع للمختبر، بغية تقريب الصورة لذهنهم، لأن هذه المواد هي موادا جافة، وتحتاج الى ديناميكية وطرق مبتكرة لتقريبها الى عقلية وذهن الطالب، ومتى ما تلمس طريقه فيها، فتكون الأنطلاقة عظيمة، وطالما كانت المختبرات موجودة، فلماذا لا نستفيد منها! وعلى سبيل الكلام، فقد كنت اقوم بعمل الكثير من الأشكال الهندسية في الدار، ثم اجلبها معي في صندوق للمدرسة، وأطلب من التلاميذ (مجاميع من 3 طلاب) وضعها مع بعضها، او ايجاد الأشكال المتشابهة والمترادفة، وهكذا كنت معهم، وقد انعكس ذلك ايضا (رغم قصر مدة تدريسي) على نسب النجاح العالية التي حققتها مع التلاميذ، ولعلي اذكر للقراء الكرام قناعة الفيلسوف اليوناني المشهور "اقليدس" عن مادة الرياضيات ومدرسيها نظرا لأمتلاكهم ناصية المنطق والتفكير العميق، حينما قال: لو اردتم ان توكلوا محاميا ناجحا لي، فأرجو ان يكون مدرس رياضيات!
تخرج الصف 3 ثانوية نجمة الصبح - صباح دلي1971
دائما ما اصاب بالألم (يقول الأستاذ صباح دلّي) حينما اعقد المقارنة بين الدراسة وأساليبها ومناهجها في هذه البلاد بالمقارنة مع مثيلاتها في بلادنا، وأسأل بحسرة: لماذا؟ في الوقت الذي نملك الأمكانات البشرية والخيرات والأموال والطموح، لكن يبدو ان عقلية التخلف المترسخة لدى الطغم الحاكمة، ورغبتها في وضع الناس في زوايا البؤس والظلام، هي التي تجعلهم ان لا يولوا اهمية لتطوير مدارسنا ومناهجنا التعليمية، والا لماذا؟ وبماذا نفسر تطور المدارس والجامعات في كل دول الجوار وبلا استثناء، الا بلادنا؟
شئ مازلت انتقده في نظامنا التعليمي، هو اتباع مبدء (الحشو) للمعلومات، مما يجعلها سطحية وقابلة للنسيان بسرعة فائقة، فيما الأساليب الحديثة تعتمد على الشرح والتبسيط وأقران المادة العلمية بالحياة والتطبيقات العامة والعملية.
كان مثلي الأعلى، والأيقونة التي اتذكرها بأستمرار، وتزيدني عزما على المضي وتجاوز صعوبات الحياة، هو "والدي". فقد كان نموذجا في حبه للبيت والعائلة، وكان يستعمل جميع الطرق معنا من اجل ان نذهب للمدرسة ونكمل مسيرتنا وله مقولة تحضرني بأستمرار:" لا يكفي كل مال العالم مع الأبناء غير الجيدين، اما لو كان عندك رصيدا جيدا من الثقافة، فحتى لو كنت معدما، فستتمكن من النجاح والتقدم والأزدهار".
امنيتي الشخصية، ان اكون مرتاح الضمير حينما أشعر بأني قدمت شيئا طيبا لعائلتي، والناس المحيطين بي، اما للعراق، فرغم الجراح، وما يمر به من ازمات، فأني اتمنى ان يعود كما كان، وأن يعيش كل الناس سوية، وأن يشعروا بأن هذا البلد هو بلدهم، وبلد الكل، وأن تمنع وتحرّم العقليات التي تهدف الى اقصاء الآخرين تحت اية ذريعة كانت، فالبشر سواسية، وقيمة الأنسان تكمن فيما يقدمة لناسه وأهله ومجتمعه وللحياة!
المدرّس جورج اليشاع كاكوز
ولد في العاصمة بغداد وفي منطقة "العوينة" في العام 1949. متزوج من السيدة أميرة ميخا كومو، ولهم بنت واحدة وولدان، مع حفيدان.
درس الأبتدائية في "مدرسة الناشئة" والواقعة في منطقة المربعة، وكانت معروفة بأنها ملحقة ب "كنيسة باتري بيير"، اكمل المتوسطة في "كلية بغداد" التابعة للآباء اليسوعيين في منطقة الصليخ/ ثم انهى دراسته الثانوية في "الأعدادية الشرقية" الواقعة في الكرادة، وتخرج في العام 1966.
دخل كلية العلوم/ جامعة بغداد/ قسم الفيزياء، وحصل على البكالوريوس عام 1970.
وحالما تخرج، اوفد الى الجزائر للتدريس بين الأعوام 1970-1972. وعندما عاد كان تعينه الأول،
- "ثانوية الرواد المختلطة" في منطقة (العبايجي) والواقعة بين أبي غريب والدجيل للأعوام 72-76 ثم نقل الى،
- "اعدادية النصر" والتي كانت تقع في شارع 52، مقابل مديرية الجوازات، بعدها نقل الى،
- "الأعدادية النظامية للبنين" بين الأعوام 89-1992، ثم نقل الى،
- "ثانوية المقدام" والواقعة في منطقة (البلديات) حتى العام 1993، اذ اضطر لقبول التقاعد، نتيجة سـوء وضعه الصحي. وفي السنين التي تلت، مارس التدريس الخصوصي، حتى مغادرته العراق عام 2001، ووصوله للولايات المتحدة في ذات العام، ورغم وضعه الصحي، فأنه توجه للعمل في هذه المدينة (ديترويت)، أملا بدعم العائلة ماديا، وكي يكون قدوة لأبنائه في حب العمل وتحمل الصعاب.
وعندما يعود شريط الذكريات ماسا تلك الأيام الجميلة، فأن الأستاذ "جورج اليشاع" يتذكر جيدا نخبة من التدريسيين من الذين اثروا حياته، وبقت ذكراهم عطرة رغم تقادم الأيام والسنين، وفي المقدمة منهم ، مدير "مدرسة الناشئة" الأبتدائية، الأستاذ ( ايليا حنا مرجانا) ويصفه، بأنه كان مخلصا لمهنته وشريفا في مواقفه، ومازالت مبادراته في توزيع الملابس على الطلبة المعففين (معونة الشتاء) عالقة لليوم في ذهنه، وتخاطب وجدانه في المقارنة بين اوضاع ذلك الزمان، وهذا الزمان! ويذكر انه كان يتابع الطلاب فردا فردا، ويسأل عن احوالهم، ويقدم لهم النصائح الأبوية، ومما يذكره، بأنه لم يكن شديدا مع التلاميذ فقط، بل ومع الهيئة التدريسية ايضا، فهو يبقى بالنسبة له رمزا في الأخلاص والعمل والحفاظ على شرف المهنة. ولأن شريط الذكريات طويل، فهو يضيف اليه استاذ الرياضيات "جورج دومنيك" و استاذ الفيزياء " كمال ناصر مراد" والموجودان في الولايات المتحدة، والاستاذ مدرس مادة الأحياء "هايك صاموئيل" شقيق الممثلة المسرحية "آزادوهي صاموئيل" وللطرفة يذكر، بأنه هو الذي أطلق اسم (رافي) على ابنه، وهو اسم ارمني يعتز به كثيرا، لأنه يحمل عطر نخبة التدريسين الرائعين وعبير الأيام الجميلة. ولأننا نحن العراقيين جبلنا على الحزن والألم، فيبدو ان الأستاذ (جورج) لم يدع الفرصة تفوته لكي يتوقف امام حادثة هزت وجدانه منذ وقوعها ولليوم، الا وهي اعدام ثلاثة من زملائه المدرسين على يد حكم البعث الفاشي، ويذكرهم بالأسماء (علي حسون – مدرس الكيمياء، وضياء – مدرس الكيمياء –و كانا متهمين بالأنتماء لحزب الدعوة، والأستاذ (صفر- مدرس مادة اللغة العربية) وكان متهما بالانتماء للحزب الشيوعي).
يعود الأستاذ جورج ليقول: ان الدولة التي كانت حريصة على الملاحقة، ولم تتوانى بتنفيذ حكم الأعدام، كانت تصرف من ميزانيتها ما مقداره 3% فقط للتعليم، في بلد كان بأمس الحاجة للمدارس والجامعات والأساتذة اكثر من حاجته ل "المدفع العملاق" او "ام المعارك"، لكن والحال كان كما قلت، فأن المناهج وأساليب التدريس، لم تتغير او يطرء عليها اي شئ يذكر، بل بقت كما هي ، متخلفة عن الركب وروتينية، لا بل ان الأمور زادت سوءا حينما تدخل البعثيون و زمر "الأتحاد الوطني لطلبة العراق" في شؤون المعلمين والمدرسين، فصار الأستاذ يخاف سطوة (بعض) التلاميذ، لكي لا يكون مصيره كمصير (الأستاذ علي حسون وصفر)!
اما حينما يستذكر الأستاذ (جورج) سيرته التعلمية فأنه لا يخشى القول من انه كان استاذا (عصبيا) لكنها كانت كذلك بسبب كونه يدرّس بأخلاص و (من كل قلبي) كما يقول، ولأنه كان جيدا في ادائه، فأن طلابا كثيرين كانوا يأتوه حتى من المدارس الأخرى لغرض تلقي التدريس الخصوصي. ومن جملة ما يتذكر، وهو التلميذ الذي درس في "كلية بغداد" وتعلم الأساليب العلمية في التدريس، فقد كان يقوم (مرة في الأسبوع على الأقل) بتقديم دروسه في الفيزياء، بمختبر المدرسة، لغرض تقريب المادة من ذهنية الطالب، ووضعهم امام المشهد العملي، وكان لها تأثيرها الأيجابي الكبير، لأن معظم المدارس كانت تفتقر للمختبرات اولا، او لأن الوقت لم يكن يتسع لأفراد حصص كاملة في المختبرات!
يقول الأستاذ (جورج) بأن ابرز من كان نبراسا في حياته كانت " والدته – المرحومة ليّة كوكيز" حيث كانت شديدة الحرص على دراسته، وعلى نوع الأصدقاء الذين يقضي اوقاته معهم، ولا تتوانى عن ردهم او (طردهم) ان اتوا اليّ في وقت القراءة او عند التهيأ للأمتحان!
يتذكر الأستاذ (جورج) عبير ايام الشباب بالقول، كانت الملاكمة والسباحة احدى اركان اكتمال شخصيتي آنذاك ، وكنت امارسها وأنا عضوا في "نادي الجزيرة الرياضي – وهذا ليس له علاقة بقناة الجزيرة!!!" ومن هواياتي الأخرى كانت، القرأة، وخاصة تأريخ الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأضيف اليها متابعة اهم الأفلام العالمية التي كانت تعرضها دور السينما في بغداد، وكذلك ولعي العميق في الجغرافيا وتفاصيلها الجميلة.
اما في هذه المدينة، فأني احاول جاهدا ان اتواصل مع الدوريات الصحفية والأعلامية، من مجلات وصحف محلية لأبناء جاليتنا الكريمة، فأحاول المشاركة بما تجود به خبرتي وقريحتي، ولعلني اقول وأنا على اعتاب هذه المرحلة من حياتي، بأني سعيد بما وصل اليه ابنائي، ودائما ما اذكّرهم، بأني (حاضر لهم و لأي مساعدة يطلبوها منّي).
اما امنيتي لبلدي الغالي العراق، فأني بالحقيقة اختصرها بموقف اختبرته، وتعلمته في اقسى الظروف: "آمل ان يخرج كل المسيحيين من العراق، وأن يجدو لهم ملاذا يحميهم كبشر، ويحفظ كرامتهم، فلا يبدو ان في الأفق مستقبلا لهم في وطنهم الأم العراق، كما لا احمل اية تخيلات، و بأن البلد سيتعافى قريبا من آهاته وآلامه"! اما الحل الأمثل بتصوري: أن الأمور لن تهدء ، ولن يتقدم البلد، الا حينما تسوده الديمقراطية، ويسود فيه القانون، والحكمة، ومبادئ حقوق الأنسان وفصل الدين عن الدولة، ودونها ، فأننا نتحدث عن ركام طائفي مقيت، ناهيك عن القتل والسلب والنهب.
المدرّسة أحلام سـلمان يوسف يلدو
من مواليد العاصمة بغداد في العام 1960، وفي منطقة البتاوين. متزوجة من السـيد سلام لويس يلدو.
درسـت الأبتدائية في "مدرسة المفاخر" في البتاوين، بعدها في "متوسطة البتاوين للبنات" تلتها في "اعدادية التجارة الشرقية للبنات" والتي كانت كائنة في ساحة الأندلس، وحازت في امتحان البكالوريا على "المرتبة الخامسة" في عموم العراق. انتسبت الى كلية الأدارة والأقتصاد/ جامعة بغداد/ قسـم اعداد المدرسين التجاريين، وأنهت دراستها وتخرجت في العام 1983، اما اول فرصة للتعين فكانت في العام 1985في :
- "اعدادية تجارة العزيزية للبنات" وكانت تدّرس مادتي المحاسبة والمراسلات التجارية للصف السادس تجاري. وفي العام 1987 نقلت الى:
- "اعدادية التجارة الشرقية للبنات" لتلتحق كمدرسّة في ذات الأعدادية التي تخرجت منها، حتى العام 1999، اذ نســـبت الى:
- "اعدادية تجارة بور سعيد للبنات" والكائنة في منطقة شــارع 52 حتى العام 2010 اذ اتمت خدماتها وأستحقت التقاعد.
عندما ارادت "الست احلام سلمان" ان تعيد عقارب الساعة وترسم المشهد الذي أثر بها، وزرع فيها الرغبة في دراسة (علم التجارة) ومن ثم التخصص به والقيام بتدريسه، فأنها تتذكر كل تفاصيله على فصلين، فكان الأول تأثرها ب "الست مارسيل" مدرستها لمادة اللغة الأنكليزية في اعدادية التجارة، والأستاذ " حكمت شكوري" المدرس والمؤلف لمادة المراسلات التجارية، اما الفصل الثاني فكان ذلك الذي اكتملت ملامحه في (اعداية التجارة الشرقية للبنات) كطالبة اولا، ومن ثم ككادر تدريسي ، تقاسمت الساعات والعمل والأحلام وحتى الصعوبات مع السيدات اللواتي حرصت (ست احلام) على تذكّر اغلبهن ان لم يكن كلهن: بشرى الساقي، مديرة المدرسة/ سـت أرب/ أمل حسين/ سهيلة العاني/ عواطف الجبوري/ محاسن جمعة/ جنان خالد/ عروبة نايف (مديرة المدرسة)/ اخلاص عبد الحسن، والتي اصبحت لاحقا مديرة مدرسة "تجارة بور سعيد".
ولأنها اصيلة، وكما يتندر العراقيين (يغزّر بيها الخبز والملح) فأنها آثرت ان تذكر ، معظم اعضاء الهيئات التدريسية الذين عملت معهم، والذين أثروا مسيرتها ان كان بصحبتهم الطيبة، او ملاحظاتهم ، وتوجيهاتهم التي كانت معينا لأي كادر تدريسي يتلمس للتو طريقه في هذا الحقل الكبير. ففي "اعدادية تجارة العزيزية" تتذكر: استاذ رافع غزال، الموجود الآن في السويد/ لؤي حداد، الموجود في كندا/ طلال/ محمد، من سكنة الصويرة/ عبد الواحد، من زراعة العزيزية، والموجود في الولايات المتحدة(انتداب). اما في "اعدادية تجارة بور سعيد" فأن ذاكرتها ترشدها الى : ست آنوش بغداسار/ بشــرى المفتي/ غينيا ايليا/ لمّى عسال والموجودة في لندن/ سعاد عبد الحسين/ نضال/ اسماء/ ســندس/ وجنان حسين.
حرصت كثيرا في مسيرتي التعليمية (تقول الست احلام) ان انقل الى تلميذاتي خبرتي المتواضعة ، من اجل تطوير اوضاعهن، حتى يصلن الى اعلى درجات الرقي الأنساني، وبالحقيقة وبعيدا عن الغرور فأني أشعر بسعادة بالغة للأثر الطيب الذي تركته لدى الكثيرات، والذي اتلمسه من خلال (حرارة) السلام والتحية عندما اصادفهم في الأماكن العامة، او حتى بالمراسلة او في السؤال عني، ان هذا يسعدني ويؤكد صحة ما ذهبت اليه في مسيرتي التعليمة، والقيم التي سرت عليها، في الصدق والأمانة والأخلاص في العمل، وقد فزت (3) مرات بأعلى النتائج في امتحانات البكلوريا (كنسب معيارية)، ورافقتها منحي هدايا مالية لذلك، وتكريم من قبل وزير التربية، ولو كان هذا هو احد اوجه تقيم عملي، فكم كنت اتمنى لو تم توفير الفرصة لي او لأمثالي (من المتفوقات) من اجل اكمال الدراسات العليا او في الأطلاع على تجارب دول وجامعات اخرى، او حتى الترقية في السلم الوظيفي، لكن للأسف اقول ان بعض المسؤلين كانوا يكيلون الأمور بمكيالين، لهذا وجدنا الكثير ممن ليسوا مؤهلين، وهم يعتلون اعلى المناصب، بينما المخلصين وأصحاب الكفاءة، في اسفل السلم، وهذا ربما ما جنيناه وما نجنيه في هذا الزمن ايضا. وطالما تحدثنا عن الترقية وتثمين الكفاءة، فربما يكون مفيدا ان اشير الى مناهجنا التعليمية وطرق التدريس التي ظلت كما هي على مدى (25) سنة من خدمتي التدريسية، لابل حتى ان فكرة استعمال (الطباشير – التباشير) قد صارت من ايام "العصر الحجري" لكن وللأسف مازالت مستعملة في بلادنا، ناهيك عن مخاطرها على التدريسين وآثارها السلبية على نظرهم او جهازهم التنفسي.
غادرت العراق في العام 2010، ووصلت مع زوجي الى الولايات المتحدة عام 2012، وأعمل الآن (مدققة حسابات) في احدى الشركات الأهلية المملوكة من احدى ابناء جاليتنا، وأعمل ايضا على تطوير قابلياتي وخاصة في حقل الحسابات، وأفكر بالعودة للدراسة والألتحاق بأحدى الجامعات. اقضي حياتي بشكل طبيعي، وأمارس هواياتي في القرأة و الرياضة، ولا اتوانى عن تقديم المساعدة لأي انسان يطلبها مني، وهذا هو مبدئي في الحياة، اما لوطني الغالي فأتمنى ان يعود السلم والأمان الى ربوعه، وأن يعيش الناس متحابون، وأن يحسن الناس اختيار قادتهم، وأن ينتبه المسؤلين الى المؤسسات التعليمية والمدارس والأساتذة والتلاميذ ويضعوا البرامج المفيدة، فلا تقدم للبلد ان لم يكن هناك تطوير للعملية التربوية والأخذ بآراء وتجارب وخبرة المربين والمربيات.
كمـال يلـدو
كاردينيا