تضحيات الإعلاميين في سبيل توثيق قسوة الإرهاب العالمي10/07/2014 06:59
أراد المخرج الشهير اريك بوب أن يطرح من خلال فيلمه "تصبحين على خير ألف مرة" حجم المعاناة والتضحيات التي يقدمها الإعلاميون في مختلف دول العالم من أجل توثيق الأحداث التي تجري في بقاع الأرض المختلفة، خصوصا تلك المتعلقة بالإرهاب، محاولا أن يقدم من خلال تقديمه لحكاية "ريبيكا" مصورة فوتوغرافية لعبت دورها الممثلة الفرنسية " جوليت بينوتشي " الحائزة على جائزة الأوسكار عن دورها في الفيلم الشهير" المريض الانكليزي".
وهي كما يطرحها الفيلم تعد واحدة من أفضل خمسة مصوري فوتوغراف في العالم، حيث تستطيع أن تصل إلى مكان تفخيخ النساء وإلباسهن الأحزمة الناسفة، حيث الطقوس الخاصة بذلك تبتدئ بوضع الفتاة في قبر معد مسبقا، وتقرأ الايات القرآنية عليها، من قبل عدد من النسوة، كونها لن تحظى بقبر بعد تفجير نفسها وتطاير جسدها إلى شظايا تختلط بشظايا المتفجرات التي تحمل، بعد ذلك تؤخذ الفتاة وتحمم وتعطر مثل أي عروس ستزف إلى عريسها، كل هذا تصوره ريبيكا وترافق الفتاة الانتحارية في السيارة التي تقلها إلى مكان التفجير، وتطلب النزول لدى وصول السيارة إلى سوق مكتظة بالناس، وثمة نقطة تفتيش في المكان، تبتعد عن السيارة التي تقل الفتاة، كل هذا الوقت وهي تلتقط الصور، تراقب الجندي الذي يفتش السيارة وتصرخ على الناس الموجودين" اهربوا ثمة قنبلة"، لتنفجر المرأة المفخخة، وتتطاير أجساد المارة على جانبي الطريق، ولتطير هي في الهواء لعدة أمتار. قطع سينمائي. ريبيكا في المستشفى وإصابات عديدة واضحة على جسدها، لتفاجأ بوجود زوجها إلى جانبها، انها الآن في أحد مستشفيات دبي، من هنا تبدأ الحكاية الثانية لريبيكا، حكاية تأثير عملها في وضعها العائلي وابنتيها، إحداهما مراهقة والأخرى طفلة عمرها.
العائلة كانت تتوقع موتها والخبر الأول الذي وصلها كان يؤكد ذلك، لكنها نجت، هنا يطرح الفيلم سؤالا من خلال لسان الزوج..
من هو الأهم العمل المغامر في أماكن ساخنة لا يفارقها الموت، أم إيجاد عمل بقرب العائلة والاهتمام بالأطفال؟،
سؤال لا تستطيع ريبيكا الإجابة عنه، البنت الكبرى تقول، كان من الأفضل أن تكوني ميتة، لقد ارعبتنا، جملة قاسية، لا تستطيع معها ريبيكا إيجاد رد مناسب، الزوج يخبرها، آن الأوان للانفصال، كونك مدمنة على العمل الصحفي في الأماكن الخطرة، لكنها تتعهد بعدم مواصلة العمل، وتركه نهائيا، ولكن هل يستطيع مدمن ومحب لعمله التخلي عنه بهذه السهولة؟.
هنا تبدأ المرحلة الاخرى من الفيلم، فعلى الرغم من العروض التي تنهال على ريبيكا للعمل في أماكن ساخنة، لكنها ترفض وبشدة وتستطيع إلى حد ما إعادة علاقتها الطبيعية بزوجها وابنتيها، لكن البنت المراهقة تطلب من أمها مساعدتها في بحث طلب منها في المدرسة يتعلق بحقوق الإنسان والحيف الذي تعانيه الكثير من الشعوب بسبب الحروب الأهلية وقمع السلطات لشعوبها .
في الوقت نفسه تطلب إحدى الصحف من ريبيكا أن تسافر لتصوير أحد معسكرات اللاجئيين في احدى الدول الافريقية التي تشهد حربا أهلية. لكنها ترفض، هنا تتدخل البنت طالبة من أمها الموافقة، لكي تستطيع أن تكمل مشروعها المدرسي وأن ترافقها إلى هذا المعسكر، حيث لا حرب ولا خطر مثلما هو الوضع في أفغانستان وغيرها.
الرحلة عادية وريبيكا وابنتها تصوران كل شيء في المعسكر، البنت تمسك بكاميرا فيديو لتوثق ما تشاهده، وريبيكا الخبيرة تلتقط مئات الصور الفوتوغرافية ومن زوايا مهمة تحقق التاثير المطلوب بالمتلقي.
لسوء حظ ريبيكا يهاجم معسكر اللاجئين من قبل بعض الجماعات الإرهابية المسلحة، الدليل الذي معها يطلب منها أن تغادر بسرعة لأن لا أحد يعرف ما سيحصل الآن، لكنها وبشوق المحترف لتوثيق الحدث ترفض طلبه وتطلب منه المغادرة مع ابنتها، على الرغم من الحاح البنت عليها بالمغادرة لكنها تبدو كمن وجدت ضالتها في هذا الحدث/ فتقوم بتصوير التصفية الجسدية القاسية للأهالي النازحين على يد المسلحين، وفي لحظة اقترابهم منها، تصل القوات الحكومية لتقتل المسلحين ولتنجو ريبيكا ثانية.
هذا الموقف سيغير حياة ريبيكا المستقبلية بشكل كبير، على الرغم من انها تتفق مع ابنتها على عدم إخبار الزوج بما جرى.
مصادفة يكتشف الزوج الخطر الذي كان يحيط ببنته وبزوجته بعد مشاهدته لمقطع الفيديو في كاميرا ابنته، بردة فعل عالية يطرد ريبيكا خارج المنزل، ويطلب منها عدم العودة إلى البيت أو رؤية بناتها ثانية، هنا تقف ريبيكا عند مفترق طرق، تقف أمام سؤال مهم، لماذا فقدت عائلتها، هل العمل أهم من عائلتها وتربية بناتها، هل يمكن للإنسان أن يحب عمله ويرتبط به إلى هذا الحد على الرغم من خطورته، هل العمل الذي يتوفر على مغامرات مستمرة هو العمل الأكثر شغفا وحبا وتعلقا من غيره، لدرجة التضحية بالعائلة. ويبدو ان ريبيكا تجيب عن هذا السؤال، من خلال عودتها إلى افغانستان وللمكان نفسه الذي يفخخون النساء فيه، لكن ثمة صدمة لا تتوقعها ستجعل منها غير ريبيكا الأولى، فالبنت التي يقومون بتفخيخها بعمر ابنتها المراهقة، لتنهار ولا تستطيع التصوير، لينتهي الفيلم هنا تاركا لريبيكا أن تقرر مصيرها ومستقبل عملها .
تأويل النص المرئي
النص كما هو واضح يتحدث عن حكاية مصورة فوتغرافية، لكنه يبث رسائله العديدة بدءا من المشهد الأول، مشهد القبر المفتوح، وتحميم النسوة للمرأة المراد تفخيخها، حيث لا حول ولا قوة لها، الرسالة تقول هكذا هي هذه الجماعات المتطرفة على الرغم من اننا في القرن العشرين.
ما الذي يريدونه حين يفخخون النساء ويفجرون السيارات داخل الأسواق، ولماذا الأوروبي هو من يوثق وهو القادر على التضحية بحياته من أجل إيصال الصورة الحقيقية لما يجري، هل هو تفوق الآخر، سؤال يمكن طرحه بعد مشاهدة الفيلم .
اختلاف الثقافات يعاد طرحه من خلال علاقة الزوجة بزوجته الصحفية، ومستوى الحديث والحوار بين الأم وأولادها، كذلك النظرة إلى ما يجري في الدول التي تعاني من الإرهاب.
الجانب الفني
لم يترك المخرج اريك بوب ثغرة في الفيلم، فشد انتباه المشاهد يبدأ من المشهد الاول، ولا ينتهي بالمشهد الأخير في المكان نفسه، إذ يتركك تفكر بكل ما عرض أمامك من أحداث مرعبة. لا تكلف في رسم المشاهد، خصوصا في الأماكن الساخنة التي تجري فيها الأحداث، فجاءت حركة الكاميرا متناغمة مع الحدث، كجزء مهم منه.
أداء جولييت بينوتشي كان أكثر من رائع، خاصة ان التقدم في العمر أسهم كثيرا في رسم التعابير اللازمة في كل مشاهد الفيلم، ولم تعد تلك الشابة التي يمكن لجمال الأشياء ورومانسيتها أن تؤثر فيها. الفيلم مصنوع بحرفية عالية، من خلال توفره على كادر محترف من مصورين وفنيين وممثلين كبار