«مدافن الرغبة» اشتغال شعري خرج من بين الركام10/07/2014 06:55
ستار زكم يصدر مجموعته الجديدة
بغداد – صفاء ذياب
خرجت من بابٍ
لم توصده الملائكة بعدي
خرجت معي.. أنا
أول من فتح الباب
فاستقرت سكينة الطوفان لكبريائي
في رغبة لم يكتمل نموها
حتى يتجدّد الشرثانيةً
يبني الشاعر ستار زكم مجموعته الجديدة "مدافن الرغبة"، كمن يعيد حياته من جديد، يفرش أشلاءها، ويرتبها على هواه في بناء لا يخرج عن القصيدة التي عُرفت في تسعينيات القرن الماضي.
المجموعة التي صدرت عن دار الشؤون الثقافية ببغداد ضمت 23 نصَّاً، كانت جميعها قصائد نثر، من عناوينها: إشارة غامضة لاصبع مبتور، سجال رسمي في وضح النهار، جائزة السواد، رحلة الآثام البعيدة، باب للحرب، كان هندام الكلام، عندما نضج القصب يباسه، وغيرها من النصوص.
يتحدث زكم عن قراءته الخاصة لعنوان مجموعته، مبيناً أن "مدافن الرغبة" اشتغال شعري خرج من بين الركام الذي يحيط بحياة الشاعر التواق والراغب في حياة أكثر رقيا وسعادة، حياة دون خوف أو تلصص، دون رقيب..
حياة أكثر أمنا واستقراراً، حياة الحب الحقيقي الذي تلتف حوله قيود وعيون عديدة تجعلك تنزوي بعيداً عن هذا العالم المليء بالأكاذيب والخيانات والدجل..
"لذا أشعر أنني دائماً أمام حلم أفلاطوني لن ولم يتحقق أبداً، فالشاعر من وجهة نظري (أوراق غير مكتملة) أو (أوراق مؤجلة) تنتظر أن تتخصب في أجواء ملائمة.
فترى المحظور والمسكوت عنه حاضرين دائماً في مخيلة الشاعر أثناء الكتابة".
مشيراً إلى أن المدافن عديدة ومتنوعة في رغباتنا الواسعة، منها ما يظهر دون استئذان، ومنها ما يخرج متعقلاً بضوابط مشروطة، ومنها ما يبقى حبيس الأنفاس والمخيلة من دون تدوين.
من خلال قراءة هذه المجموعة، يُلاحظ أن هنا تطوراً ملحوظاً في لغة زكم وبنائه للقصيدة، فأعماله السابقة انطلقت من رغبة في كتابة قصيدة الشعر الحر في منتصف العقد الثمانيني، على حدِّ قوله، مضيفاً "من خلال تأثري الكبير بالشاعر بدر شاكر السياب لكنها كانت كتابة فطرية لم يحددها الإطار المعرفي لذا اعتبرت هذه الانطلاقة فيما بعد انطلاقة عرجاء، حيث ذهبت ميولي فيما بعد إلى كتابة قصيدة النثر، حيث تهديم الأطر الكلاسيكية للكتابة والانفلات نحو فضاءات متعددة".. وأشار زكم إلى أن القراءات المختلفة للشعر العربي والعالمي وقراءات الفلسفة أعطته دفقاً كبيراً في معرفته نحو الولوج إلى عوالم شعرية مختلفة من حيث المفردة والصورة الشعرية والجـــدلية الرابطة بينهما، وذلك لتحديث بنية نصي الجـــديد.
و"لعل المتابع لكتاباتي الشعرية منذ بدايتها يتلمس طبيعة الاختلافات المتعددة من حيث (الشكل، الصورة الشعرية، والانتقاء الدقيق للمفردة) إضافة الى المضمون الفني للقصيدة الذي أصبح عنصراً فاعلاً في أوجه الاختلاف بين طبيعة المجموعتين الشعريتين".
تنوعت ثيمات "مدافن لرغبة" بين عدة محاور، لكن محورها الرئيس كان "الحياة"، التي تجمع بين الحب والحرب والموت وموضوعات أخرى، فضلاً عن وجود رابط جدلي واضح بين هذه الثلاثية، فلا حياة بدون موت ولا موت بدون حياة ولا حياة بدون حب ولا حب بدون حياة.
"أن ترغب وتحلم بالحب الذي بدأ ينعت بوصفه صفة قبيحة في هذه الحياة المريرة وأن ترغب وتحلم بحياة أكثر أمناً وسعادة فيما ترى سيوفاً بتَّارة وأفكاراً بليدة تمنعك من أن تعيش بسعادة داخل هذا الفضاء الإنساني.
إذاً، تبقى رغباتنا مدفونة ومكبلة بسبب الطارئ الذي يعيش معك منذ البداية وإلى الآن".
برز ستار زكم مع جيل التسعينيات، ويشير زكم في حديثه عن هذا الجيل إلى أن هناك فترة قاسية وعسيرة جداً مر بها الشاعر العراقي آنذاك،
"لذلك أعتقد أن من بين الأجيال التي ظلمت هو الجيل التسعيني الذي أنهكه الحصار، فصار يبحث عن ملاذات أخرى ربما تكون كفيلة بتسويق نتاجه الإبداعي، مثل ثقافة الاستنساخ".
مضيفاً أن هذا لا يعني أن الشاعر التسعيني لم يكن فاعلاً في مشهده الشعري، "بمعنى أن معاناته ولَّدت لديه طاقة إبداعية مهولة من محيط الركام الذي كان يحيط به من جوانب عدة حيث كتب شعراء هذا الجيل قصيدة مختلفة ومغايرة عما سبقوهم من شعراء من حيث الشكل والمضمون الفنيين ما دفع الجيل التسعيني لأن يقتحم المشهد العراقي بقوة ليترك بصمة واضحة ومؤثرة مكنت شعراءه فيما بعد من تبوىء العديد منهــم مسؤولية تصدير الخطاب الثقافي في الصحافة والإعلام ونجاحهم الواضح في هذه الميـــادين في الوقت الحاضر" .