احتفظت الكرادة الشرقية باسمها القديم كلواذا ( كلواذى) في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي حتى بعد سقوط الدولة العباسية سنة (656هـ- 1258م) وهذه المنطقة كانت شهيرة لقدمها، اذ هي أقدم من بغداد وكانت لأهلها سوق تجارية عظيمة قبل أن يعمر المنصور مدينته المدورة يذهبون اليها كل شهر مرة في الثلاثاء لذا سمى بـ (سوق الثلاثاء) وتشمل ناحية الكرادة ما كان يعرف في العصور العباسية بطسوج كلواذا ونهر بين وجزء من طسوج نهر بوق.
وهذه المنطقة كانت بلدة مهمة ومشهورة في العصر العباسي، ذكرها إبن حوقل (376هـ) قائلاً (وتتصل عمارة الجانب الشرقي، أسفل دار الخلافة بكلواذى وهي أيضاً مدينة... فيها مسجد جامع ولو عد في جملة بغداد لجاز، لأن كثيراً من أهلها يصلون فيه) ، وروى أبو الفداء (732هـ) أن كلواذا كانت قرية مشهورة من قرى بغداد ووصفها إبن عبد الحق البغدادي (739هـ) بأنها كانت قرى عامرة، وعسكر فيها منصور بن المهدي سنة 201هـ، وجاء في مجلة العراق الجديد أن شبه جزيرة كلواذا كانت منطقة زراعية في العصر العباسي وما بعده، وظل هذا طابعها حتى نهاية الحكم العثماني في العراق. ويعتقد الأستاذ محمود حسن جمعة، وزير إصلاح زراعي سابق، أن الكرادة كانت بمثابة متنزه للمترفهين زمن
العباسيين.
ويعتقد ريجارد كوك أن الكرادة الحالية هي في محل كلواذا التي عرفها العصر الوسيط، وهي امتداد لبغداد. ويعقب عليه الأستاذ الدكتور مصطفى جواد، يشاركه في الرأي الأستاذ فؤاد جميل، بقوله: (لم يقل أحد من المؤرخين أن بغداد القديمة امتدت في الجنوب الى كلواذا فإنها كانت قرية مستقلة).
غير أن هناك جمهرة من المؤرخين والبلدانيين ينفون هذا القول، فيذكر الشريف الإدريسي بأن عمارة بغداد كانت متصلة شرقاً الى كلواذا، وقد سبقت الإشارة الى قول إبن حوقل بهذا الخصوص، ويؤكد ذلك أيضاً الاصطخري وإبن رستة والدكتور احمد سوسة. ومع هذا يمكن القول، كما ذكر (كي لسترانج) عندما أشار الى قول إبن حوقل، انه يمكن اعتبارها بلدة منفصلة، غير أنها كانت تعد في الغالب قسماً من بغداد، لامتداد الدور اليها من قصور الخلفاء واتصالها
بها.
يظهر من ذلك أن الكرادة كانت تعد جزءاً من بغداد، اذ كانت الدور في أيام الاصطخري (346هـ) وإبن حوقل وابن رستة (بعد 290هـ)، متصلة ببعضها من قصور الخلفاء في بغداد حتى كلواذا. كما كان فيها مسجد جامع كبير خاص لصلاة الجمعة، وهو واحد من مجموع خمسة جوامع كبيرة في بغداد وهذا يدل على أهمية الكرادة في تلك المرحلة. ويمكن القول أن ازدهارها قد اقترن ببناء (الرصافة) في شرقي دجلة، مقابل مدينة المنصور المدورة، واستمرار ازدهارها الى أن خربت.
خدمات التسلية والترفيه
كانت الكرادة بمثابة متنزه لأهل بغداد يقضون فيها أوقات راحتهم وأنسهم، وقد أهلتها خصائصها الجغرافية لاحتلال هذا المركز. فقد تميزت باعتدال مناخها واحاطتها بنهر دجلة من ثلاث جهات وهدوئها وكثرة بساتينها وكونها تضم عدة قرى مشهورة مثل باري والفرك وبنا، لذا قصدها عدد من الأمراء واالشعراء والأدباء.
وبسبب تمتعها بتلك الخصائص شيد الخليفة محمد الأمين قصراً في أقصى شمالها قرب الموضع الذي أقيم فيه باب كلواذا بمنطقة (الزندورد) المشهورة بفواكهها كالأعناب والأترج أي في محلة الأورفلية الحالية وما جاورها باتجاه الشمال. ويعرف قصره هذا بـ (قصر رقة كلواذا) حيث كان يقضى فيه أوقات أنسه وراحته، لهذا شيد جسرين على نهر دجلة (جسر الزندورد الأعلى وجسر الزندورد الأسفل) ليسهل عليه التنقل بين قصره في الجهة الغربية وقصره بمنطقة الزندورد في الجهة الشرقية والظاهر أن هذين الجسرين كانا من الركة والضعف بحيث زالا سريعاً. وقد أكد ذلك الخطيب البغدادي حين قال: (وكان بالزندورد جسران عقدهما محمد) ، غير أن لسترانج ذكر أنه أنشأ جسراً واحداً يعرف بالمزدوج.
عباس فاضل السعدي
منقول
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جنونه
