قال كنعان محمد في كتاب (ورود واساطير) واللوتس أكثر الأزهار التي يحتفى بها في الهند منذ أزمان سحيقة وحتى وقتنا الحاضر، ولها مكانة كبيرة في الفنون والثقافة الشعبية، وتلعب دوراً بارزاً في طقوس الديانات الهندية.
فاللوتس المقدسة هي زهرة البوذية أيضاً، وتحتل مكانة مهمة في الحكايات والأساطير المتعلقة بـ"بوذا" مؤسس الديانة البوذية والذي جعل منه أتباعه إلهاً. فالاعتقاد الديني السائد أن بوذا جاء إلى الوجود من زهرة لوتس طافية على سطح الماء. وكثيرا ما يُصَّور بوذا متربعا على عرش أساسه زهرة اللوتس، التي كان يحبها. ولقدسيتها عندهم تقول أساطيرهم: حيثما وطئت قدما بوذا الأرض، تفتحت زهرة لوتس. وهي لديهم عنوان لليقظة الروحية ورمز للنقاء والطهارة، فعندما ترتفع زهرة لوتس على المياه الطينية الموحلة التي تنمو فيها، تبقى محتفظة بنظافتها وجمالها. وعادة ما توضع رسومات زهرة اللوتس في المعابد البوذية.
وحسب الأساطير اليابانية فأن "نيچيرين (والتي تعني لوتس الشمس) حَبَلَتْ بعد أن رأت في منامها شروق الشمس من زهرة لوتس، ونيچيرين هي التي نقلت الديانة البوذية إلى اليابان في القرن الثاني عشر.
وفي الصين تقطف براعم أزهار اللوتس غير المتفتحة وتقدم كقرابين للإله "كوان ين" وفي الميثولوجيا الآسيوية ترمز إلى رحم المرأة الذي تنبعث منه الحياة الجديدة.
زهرة اللوتس Nelumbo nucifera موطنها الأصلي جنوب شرق آسيا، وإضافة إلى نموها بحالة طبيعية في مياه البرك الواقعة على ضفاف نهر "الجنجز" المقدس عند الهنود، فقد دجّنتْ وتزرع في برك المياه الطبيعية والاصطناعية كزهرة من أجمل الزنابق المائية
وهي نباتات معمرة سيقانها محوّرة إلى ريزومات يصل سمكها إلى عشرة سنتمترات تمتدّ في التُرب الخصبة وفي الأوحال التي تغطيها مياه البرك أو البحيرات، وكثيرا ما تمتد في الأوحال لمسافة عشرة أمتار ويتكاثر النبات بواسطة هذه الريزومات حيت تقطّع وتزرع في أوحال تحت سطح التربة.
وهذه الريزومات التي تحتوي على نسبة عالية من النشويات تُجمع بعد إزالة الأوراق عنها وتُنظف وتُستهلك بأشكال عدة، نيئة أو بعد سلقها بالماء أو شيّها على النار، كما تجفف وتطحن للحصول على دقيق نشوي.
وتتصل بالريزومات الأوراق ذوات الأعناق الطويلة التي يصل طولها إلى المتر الواحد لترفع نصل الورقة فوق سطح الماء. نصل الورقة كبير يصل قطره إلى مترٍ واحد، وشكل الورقة القمعي وتركيب نسيج بشرة السطح العلوي للورقة المغطى بطبقة شمعية لا يسمحان لمياه الأمطار بالركود على نصل الورقة بل تتجمع قطرات المطر وتتدحرج منسابة بسرعة على شكل قطرات كبيرة.
تزهر نباتات اللوتس على مدار العام، وعند التزهير ترتفع فوق الأوراق أزهار اللوتس الجميلة طافية على سطح الماء وهي أيضا تتصل بالريزومات بعنق طويل. قطر الزهرة يتراوح بن خمسة عشر إلى خمسة وعشرين سنتمترا، وتعتبر الزهرة بسيطة إذا احتوت على أقل من خمسة وعشرين ورقة تويجية، ونصف مملوءة إذا احتوت ما بين خمس وعشرين إلى خمسين ورقة تويجية، وإذا احتوت اكثر من ذلك اعتبرت مملوءة (قطمر).
تويجاتها بيضوية مقعّرة، وردية اللون .وتبقى الزهرة متفتحة لمدة يومين إلى خمسة أيام، وبعد سقوط التويجات يبقى الجزء القمعي الذي يشغل قلب الزهرة وهو ناتج عن تضخم محور الزهرة ويحوي على ما بين عشر إلى خمس عشرة بذرة كبيرة تنبت عند سقوطها في الأوحال ولها خاصية الاحتفاظ بحيويتها لفترة طويلة تصل لعدة مئات من السنين، وعثر على بذور يقدر عمرها بألفي سنة جمعت من مستنقع في الصين جف منذ فترة طويلة وتم إنباتها بعد مرور هذه السنين الطويلة ،لذا فأزهار اللوتس ترمز إلى الخلود والعمر المديد.
تُستهلك تويجات الزهرة أيضا،ً حيث تُقطع وتُحمص مع البيض أو تقلى بالدهن بعد غمسها بمخفوق الماء والدقيق لتصبح شبيهة "بچبس البطاطا". والبذور تؤكل أيضا إما طازجة أو بعد غليها بالماء أو بعد تحميصها.
اللوتس المصري، زنبق النيل
في البدء، كان السديم يعمّ الأرض، والفوضى عارمة، والظلام يلامس وجه الماء، عندها انبثقت زنبقة ماء من اللج، وببطء تفتحت تويجاتها ليظهر الإله الطفل جالساً في قلبها، نفذت رائحتها العطرة لتعشش على الماء، وشعّ نور من جسد الطفل ليبدد الظلام الدامس. ذاك الطفل هو إله الخلق، منبع كل حياة إله الشمس "رع". وفي نهاية كل نهار تَغلقُ زنابق الماء البدائي تويجاتها، لتسود الفوضى طوال الليل حتى يعود الإله الخالق إلى قلب زنبقة الماء، ولكي يحمي إله الشمس ضياءه من الانطفاء كان يبقي عينيه مغمضتين يحيط نفسه متلفعاً بزنابق الماء.
هكذا تخبرنا أسطورة الخلق المصرية عن نشوء زنبقة الماء الزرقاء، لوتس النيل، حيث كان المصريون القدماء يراقبون تفتح أزهار اللوتس، التي تعوم في النيل كل صباح لتغلق تويجاتها بعد كل ظهر يوم يمر ثم تغطس تحت سطح الماء. إنها عنوان الخلق .
ما أراد المصريون القدماء أن ترحل أجسادهم بعد الممات سواء إلى الجنة أو النار، بل كان طموحهم هو أن تحلّ في جنائن "رع"، حيث تنبت من تراب أجسادهم زهرات لوتس.
لزهرة اللوتس دور كبير في طقوس العبادة المصرية القديمة فهي من أقدس الأزهار وهي عنوان الخصوبة والجنس، وأعظم الأزهار كمالاً، إنها سيدة العطور. وكانت زنابق النيل المقدسة تقدم كقرابين خلال الشعائر الجنائزية. وقد وجدت بقاياها تغطي جسد توت عنخ آمون عند فتح قبره في العام 1922
إن اللوتس هي رمز النيل الذي كان له آلهته. و"حابي" رب الآلهة الذي يجسد فيضان النيل ،يصور في هيئة رجل ذي ثديين وبطن ممتلئة، ليرمز إلى الخصب الذي يمنحه النيل لمصر، وكثيرا ما تمّ تجسيد "حابي" جالساً على كرسي العرش حاملا على رأسه زهرة اللوتس. أو يربط زهرة اللوتس (شعار مصر العليا) مع نبات البردي (شعار مصر السفلى).
وعند المصريين القدماء فان نبتة اللوتس تحاكي النيل في شكله: فأوراقها البحيرات المتفرعة من النيل وساقها مجراه، والزهرة دلتا النيل.
وبلغ تكريم زنبقة النيل إلى الحد الذي جعل الجيش المصري القديم أن يتخذها شعاراً له، وكانت رافداَ للإبداع الفني والمعماري ففي النقوش المرسومة على مقابر طيبة وجد رسم لقارب يشق طريقه خلال المياه وتمتد يد صبية لتقطف إحدى أزهار اللوتس غير المتفتحة بعد. ويلاحظ أن قمم الكثير من أعمدة المعابد المصرية القديمة تتخذ شكل أزهار اللوتس أيضاً.
تنتمي زنبقة النيل (لوتس النيل) إلى جنسNymphae المأخوذ من اسم "الحورية" الذي تقول الأساطير الإغريقية إن هرقل لم يبادل الحب إحدى الحوريات التي وقعت بحبه وبعد مماتها غِيرةً تحولتْ إلى زنبقة لوتس.
وتسمى زنابق النيل بـاللوتس المصري، واللوتس الأزرق، وزنابق الماء. وتنمو نباتات اللوتس Nymphae caerul في مياه النيل وفي مياه البرك الساكنة والمستنقعات وتطفو على سطوح المياه الجارية، ساقها هو درنات إسفنجية القوام تثبتها الجذور التي تنمو عليها في القيعان الطينية للمياه الضحلة، وتطفو الأوراق التي يبلغ قطرها بين أربعين إلى خمسين سنتمتراً على سطح الماء. سطحها العلوي مغطى بطبقة شمعية ناعمة تمنع تجمع المياه فوقه.
تزهر نباتات اللوتس المصري من بداية الربيع وحتى نهاية الخريف. وتُحملْ الزنابق بواسطة أعناق زهرية خضراء طويلة تتيح المجال للزهرة كي تطفو على وجه الماء مرتفعة عن مستوى الأوراق، وهي من أجمل الأزهار، نجمية الشكل يصل قطرها عند تفتحها التام بين خمسة عشر إلى عشرين سنتمتراً، ولها أربع أوراق كأسيه خضراء من سطحها الخارجي وداخلها أبيض مزرق، ولها عدد من التويجات المتطاولة ذات النهاية المدببة واللون الأزرق المائل إلى الأرجواني. وقلب الزهرة أصفر ذهبي ينبعث منه عدد كبير من الأوراق الزهرية الشريطية الرفيعة ذات القواعد الملوّنة بالأصفر الذهبي. كل ذلك يمنح للزهرة جمالها الأخّاذ. ويدوم تفتح الأزهار لمدة أربعة أيام، حيث تتفتح من الصباح الباكر حتى الضحى، وتغلق تويجاتها عصراً، وتبقى مغلقة طوال الليل. وتغري رائحة الأزهار العطرة بعض أنواع الخنافس المائية للدخول إلى وسطها من أجل امتصاص الرحيق، وبذلك تساعد على تلقيحها.
وإلى جانب زنابق النيل الزرقاء هناك الزنابق البيضاء: أزهار اللوتس البيضاء Nymphae alba تنمو في مياه النيل الضحلة، أوراقها مسطحة خضراء غامقة. وعلى العكس من اللوتس الأزرق تتفتح زنابق اللوتس البيضاء ليلاً، وتغلق تويجاتها قبل الظهر، وتعاود تفتحها عند الغسق، وهي تشبه في شكلها الزنابق الزرقاء، تويجاتها ملعقية الشكل ذات لون أبيض تصطف في دائرتين، وفي قلب الزهرة عدد من الأوراق الزهرية الشريطية الرفيعة لونها اصفر برّاق.
واللوتس الأبيض رمز الطهارة والنقاء، فمن نباتها الذي ينمو في الوحل تبرز وردة جميلة ناصعة البياض وهي بالرغم من جمالها لكنها لا تستطيع أن تجاري رونق وبهاء الزنابق الزرقاء الزاهية