يروى عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) إنه لما رجع من الحج
استقبله أحد الحجاج ( الشبلي )
فقال له الإمام ( ع ) حججت يا شبلي ؟ قال : نعم يا ابن رسول الله ، فقال ( ع ) أنزلت الميقات وتجردت عن مخيط الثياب واغتسلت ؟؟ قال : نعم ، قال فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثياب المعصية ولبست ثوب الطاعة ؟ قال : لا ، قال فحين تجردت عن مخيط ثيابك نويت أنك تجردت عن الرياء والنفاق والدخول في الشبهات ؟ قال : لا ، قال : فحين اغتسلت نويت أنك اغتسلت من الخطايا والذنوب ؟ قال : لا ، قال : فما نزلت الميقات ، و لا تجردت عن مخيط الثياب ، ولا اغتسلت .
ثم قال ( ع ) : حين تنظفت ، وأحرمت ، وعقدت الحج نويت أنك تنظفت بنور التوبة الخالصة لله تعالى ؟ قال : لا ، قال فحين أحرمت نويت أنك حّرمت على نفسك كل محّرم حرّمه الله عز وجل ؟ قال : لا ، قال : فحين عقدت الحج نويت أنك قد حللت كل عقد لغير الله ؟ قال : لا
قال : له عليه السلام ، ما تنظفت ، ولا أحرمت ، ولا عقدت الحج .
ثم قال ( ع ) : أدخلت الميقات وصليت ركعتي الاحرام ولبيت ؟؟ قال : لا ، قال فحين دخلت الميقات نويت أنك بنية الزيارة ؟ قال : لا
قال : فحين صليت الركعتين نويت أنك تقربت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة ، و أكبر حسنات العباد ؟ قال : لا
قال عليه السلام : فحين لبيت نويت أنك نطقت لله سبحانه بكل طاعة وصمّت عن كل معصية ؟ قال : لا ، قال له ( ع ) : ما دخلت الميقات ولا لبيت ، ثم قال ( ع ) له : أدخلت الحرم ، ورأيت الكعبة وصليت ؟ قال : نعم
قال : فحين دخلت الحرم نويت أنك حرّمت على نفسك كل غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملة الإسلام ؟ قال : لا ، قال : فحين وصلت مكة نويت بقبلك أنك قصدت الله ؟ قال : لا ،
قال ( ع ) : فما دخلت الحرم ولا رأيت الكعبة ، ولا صليت ..
ثم قال ( ع ) : طفت بالبيت ، ومسست الأركان وسعيت ؟ قال : نعم ، قال ( ع ) : فحين سعيت نويت أنك هربت إلى الله وعرف ذلك منك علاّم الغيوب ؟ قال : لا
قال : فما طفت بالبيت ، ولا مسست الأركان ، ولا سعيت
ثم قال ( ع ) له : صافحت الحجر ، ووقفت بمقام إبراهيم ( ع ) ، وصليت به ركعتين ؟ قال : نعم .
فصاح ( ع ) صيحة كاد يفارق الدنيا بها ثم قال ( ع ) آه . آه .
وقال ( ع ) : من صافح الحجر الأسود فقد صافح الله تعالى ، فأنظر يا مسكين ولا تضيع أجر ما عظم حرمته وتنقض المصافحة بالمخالفة وقبض الحرام ، نظير أهل الآثام . ثم قال ( ع ) : نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم أنك وقفت على كل طاعة ، وتخلفت عن كل معصية ؟ قال : لا
قال ( ع ) : فحين صليت ركعتين نويت أنك صليت بصلاة إبراهيم ( ع ) ، وأرغمت بصوتك أنف الشيطان ؟ قال : لا
قال : فما صافحت الحجر الأسود ، ولا وقفت عند المقام ، ولا صليت فيه الركعتين .
ثم قال له : أأشرفت على بئر زمزم ، وشربت من مائها ؟ قال نعم ، قال : نويت أنك أشرفت على الطاعة وغضضت طرفك عن المعصية ؟ قال : لا
قال : فما أشرفت عليها ، ولا شربت من مائها
قال : أسعيت بين الصفا والمروة ، ومشيت وترددت بينهما ؟ قال : نعم
قال : نويت أنك بين الرجاء والخوف ؟ قال : لا ، قال : فما سعيت ، ولا مشيت ، ولا ترددت بين الصفا والمروة . ثم قال خرجت إلى منى ؟ قال : نعم ، قال : نويت أنك أمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك ؟ قال : لا ، قال : فما خرجت إلى منى .
ثم قال له : أوقفت الوقفة بعرفة ؟ .. وطلعت جبل الرحمة وعرفت وادى نمرة ، ودعوت الله سبحانه عند الميل والجمرات ؟ قال : نعم ، قال : هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله تعالى سبحانه ، أمر المعارف والعلوم وعرفت قبض الله على صحيفتك ، واطلاعه على سريرتك وقلبك ؟ قال : لا ، قال ( ع ) : نويت بطلوعك جبل الرحمة أن الله يرحم كل مؤمن ومؤمنة ، ويتولى كل مسلم ومسلمة ؟ قال : لا .
قال : فنويت عند النمرة أنك لا تأمر حتى تأمر ولا تزجر حتى تنزجر ، قال : لا
قال : فعندما وقفت عند العلم والنمرات نويت أنها شاهدة لك على الطاعات ، حافظة لك مع الحفظة بأمر رب السموات ؟ قال : لا
قال : فما وقفت بعرفة ، ولا طلعت جبل الرحمة ولا عرفت نمرة ، ولا دعوت ، ولا وقفت عند النمرات .
ثم قال : مررت بين العلمين ، وصليت قبل مرورك ركعتين ومشيت بمزدلفة ، ولقطت فيها الحصى ، ومررت بالمشعر الحرام ؟ قال : نعم ، قال : فحين صليت ركعتين نويت أنه صلاة شكر في ليلة عشر تنفي كل عسر ، وتيسر كل يسر ؟ قال : لا
قال : فعندما مشيت بين العلمين ، ولم تعدل عنهما يميناً وشمالاً ، نويت أن لا تعدل عن دين الحق يميناً وشمالاً ، لا بقلبك ، ولا بلسانك ، ولا بجوارحك ؟ قال : لا
قال : فعندما مشيت بمزدلفة ، ولقطت منها الحصى نويت أنك رفعت عنك كل معصية وجهل ، وثبّت كل علم وعمل ؟ قال : لا
قال : فعندما مررت بالمشعر الحرام نويت أنك أشعرت قلبك أشعار أهل التقوى والخوف لله عز وجل ؟ قال : لا
قال : فما مررت بالعلمين ، ولا صليت ركعتين ، ولا مشيت بالمزدلفة ، ولا رفعت منها الحصى ، ولا مررت بالمشعر الحرام .
ثم قال : وصلت منى ورميت الجمرة ، وحلقت رأسك وذبحت هديك ، وصليت في مسجد الخيف ، ورجعت إلى مكة ، وطفت طواف الأفاضة ؟ قال : نعم
قال : فنويت عندما وصلت منى ، ورميت الجمار أنك بلغت مطلبك ، وقد قضى ربك لك كل حاجتك ؟ قال : لا
قال : فعندما رميت الجمار نويت أنك رميت عدوك إبليس ، وعصيته بتمام حجك النفيس ؟ قال : لا
قال : فعندما حلقت رأسك نويت أنك تطهرت من الأدناس ، ومن تبعة بني آدم ، وخرجت من الذنوب كما ولدتك أمك ؟ قال : لا
قال : فعندما صليت في مسجد الخيف نويت أنك لا تخاف إلا الله عز وجل وذنبك ، ولا ترجو إلا رحمة الله تعالى ؟ قال : لا
قال : فعندما ذبحت هديك نويت أنك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسكت بحقيقة الورع ، وأنك اتبعت سنة إبراهيم ( ع ) بذبح ولده وثمرة فؤاده وريحانة قلبه وحاجة سنته لمن بعده ، وقربه إلى الله تعالى لمن خلفه ؟ قال : لا
قال : فعندما رجعت إلى مكة ، وطفت طواف الافاضة نويت أنك أفضت من رحمة الله تعالى ، ورجعت إلى طاعته ، وتمسكت بوده ، وأديت فرائضه وتقربت إلى الله تعالى ؟ قال : لا
قال له زين العابدين ( ع ) : فما وصلت منى ، ولا رميت الجمار ، ولا حلقت رأسك ، ولا ذبحت ، ولا أديت نسك ، ولا صليت في مسجد الخيف ، ولا طفت طواف الافاضة ، ولا تقربت ، . أرجع فأنك لم تحج .
فطفق ( الشبلي ) يبكي على ما فرط في حجه ، وما زال يتعلم حتى حج من قابل بمعرفة ويقين