إن الحديث عن الأخطاء الطبية لا يعني بالضرورة التحامل على الأطباء وإدانتهم، وإنما النظر إلى تشكيل مسؤولية طبية لدى القضاء؛ لتأمين موقف عادل بين المريض والطبيب، يضمن للمريض حقه ممن وضع ثقته فيه، ويشجع الطبيب على تطوير ممارسته الطبية والتزامه بالقواعد العلمية والفنية؛ لتحقيق التوازن بين ضمير الطبيب، وثقة المريض فيه.
إن نظر الباحث في الخطأ الطبي يتردد بين أمرين مهمين:
أولهما: إن ترتيب المسؤولية على خطأ الطبيب؛ قد يؤدي إلى إحجام الأطباء عن المعالجة إذا لم يكونوا مستيقنين بالنتائج القطعية لعلاجهم لكيلا يتعرضوا للمساءلة.
وثانيهما: إن إتلاف نفس المريض أو أحد أعضائه قد يكون نتيجة إقدام الطبيب على ما لا يتقنه، طمعاً في المال من غير تقدير للنتائج. وقد يكون ممن يتقنون لكنه قصر في أداء الواجب، وكان خطؤه يمكن تلافيه بالحذر والحرص فقد قصر، ومن قصر وأتلف بتقصيره استحق العقاب.
والتطبيب فرض كفاية فلا يتقيد بشرط السلامة، والطبيب مستأمن والضمان على الأمين باطل، لكن لما كانت طريقة أداء هذا الواجب متروكة لاجتهاد الطبيب وحده، فقد دعا هذا إلى مسائلته عن نتائج عمله الضارة.
وقد كان الناس ينظرون إلى حوادث العلاج على أنها من نوازل القدر ومشيئة الله، لهذا كان من النادر أن نصرف فكر المرضى إلى أن يطالبوا الأطباء بالتعويض عما يصيبهم من أفعال هؤلاء من ضرر.
الأخطاء الطبية في التاريخ:
في الحضارة الفرعونية، كانت عقوبة الطبيب إذا أخطأ قد تصل إلى حد الإعدام.
وعند الآشوريين، إذا أخطأ الطبيب أو لم ينجح في علاج مريض، يتلمس لنفسه العذر من الإرادة العليا للآلهة، وهذا دليل على أن الطبيب يكون مسؤولاً عن خطئه.
وفي شريعة حمورابي ما يدل على أن البابليين كانوا يتميزون بالتشديد في معاملة أطبائهم، فقد جاء في نصوص شريعة حمورابي "إذا عالج الطبيب جرحاً بالغاً، أصيب به رجل بمبضع معدني وسبب موته، أو شقّ ورماً بمبضع معدني وعطل يمين الرجل، تقطع يداه _أي يدا الطبيب_".
أما الإغريق فكان الطبيب عندهم لا يسأل جزئياً إذا توفى المريض رغماً عنه، ولكنه كان يسأل جزائياً إذا كانت الوفاة بسبب تقصير الطبيب أو جهله، وعلى الرغم من ذلك فقد كان أفلاطون يشكو عدم الرقابة على الأطباء في عصره إذ يقول: "إن الأطباء يأخذون أجرهم سواء شفوا المريض أو قتلوه".
وفي العهد الإسلامي الأول، وضع الفقهاء بالاستناد إلى النصوص والأصول المعنوية العامة للتشريع ضوابط للممارسات الطبية، وفرقوا بين من يموت بسبب العلاج، وبين من يموت بقصد جنائي، وكان لنظام الحسبة دوره البالغ الأهمية في متابعة أعمال الأطباء والصيادلة والكحالين والحجامين والفصادين.
تعريف الخطأ الطبي:
يطلق الخطأ في اللغة على ما يقابل الصواب، وما يقابل العمد، قال ابن منظور: "الخطأ والخطاء، ضد الصواب. وقد أخطأ، وفي التنزيل: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيما}.
وأرى أن تعريف الخطأ الطبي يكون بأنه: الإخلال بالالتزامات الخاصة التي تفرضها مهنة الطب دون قصد الإضرار بالغير، ويكون هذا الإخلال بترك ما يجب فعليه أو فعل ما يجب الإمساك عنه".
معيار الخطأ الطبي:
بما أن الخطأ الطبي هو إخلال وتقصير في مسلك الطبيب، لا يقع من شخص يقظ وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالمسؤول، وحيث إنه لا يمكن أن يقاس مسلك الأطباء بمقياس مادي محدد كالمتر والذراع، فإن محاولة وضع معيار للخطأ الطبي يجب أن تستند إلى العرف الطبي.
فالمعيار الذي يقاس به خطأ الطبيب ينبغي أن يكون معيارياً موضوعياً، يقيس الفعل على أساس سلوك معين يختلف من حالة إلى أخرى، وهو سلوك الشخص المعتاد، أي أن القاضي في سبيل تقدير خطأ الطبيب في علاج مريض يقيس سلوكه على طبيب آخر من نفس المستوى، سواء كان طبيباً عاماً أو مختصاً.
أنواع الخطأ الطبي:
1- الخطأ المحض: وهو ما تولد عن فعل مباح أو فعل أتاه الفاعل، وهو يعتقد أنه مباح.
2- ما جرى مجرى الخطأ: وهو كل ما عدا الخطأ المتولد، والفاعل هنا لا يقصد الفعل، ولكن الفعل يقع نتيجة تقصيره أو تسببه، كما لو وصف العلاج دون القيام بالفحص الطبي.
وجرى علماء القانون على تقسيم الخطأ الطبي إلى نوعين:
1- الخطأ المادي (العادي): وهو الإخلال بواجبات الحيطة والحذر العامة.
2- الخطأ الفني (المهني): وهو الفعل الذي يخرج فيه الطبيب عن الأصول الثابتة والقواعد المتعارف عليها نظراً وعملياً بين الأطباء.