الحمراء, كوردستان
كوردستان الحمراء
كوردستان الحمراء.
عندما استلم البلاشفة السلطة في بتروغراد في تشرين الثاني عام 1917م ، كانت روسيا ما تزال متحالفة مع بريطانيا و فرنسا و في حرب مع ألمانيا وتركيا ، ذلك العامل الذي ساهمـ في عدمـ قدرة الحكومة المركزية الجديدة لتوسع حكمها بطريقة فعالة إلى الأقاليم النائية في الإمبراطورية الروسية . كانت معظم هذه المناطق سريعة في إعلان استقلالها و من بينها ما وراء القوقاز و أسيا الوسطى .
في هذه الفترة كان الكرد يشكلون الأغلبية في تلك المناطق من غرب أذربيجان المتاخمة لأرمينيا و كان معظمهم مزارعين و وتجارا مد نيين و سنيين بالمقارنة مع الاذريين الشيعة .
ففي مدينة غانجا القديمة التي أصبحت كيروف أباد فيما بعد ، تم صهر الكرد بشكل كامل تقريبا . , و لكن الوضع لم يكن كذلك في المنطقة الواقعة على بعد أربعين كيلو مترا في الجنوب الغربي والممتدة إلى اراكس و الحد ود الإيرانية مع ناغورني قراباغ في الشرق و مساحتها تقريبا 5200 كم2 ،
كانت هذه المنطقة في مجملها كردية تقريبا و كانت تشمل على العاصمة لاشين مع المدن الرئيسية كا لباجار ، كوباتلي ، زنكيلان و التقسيمات الثانوية الادرية من كاركوشلاك ، كوتورلي ، مراد خانلي ، كورد حاجي .
شكلت هذه المنطقة بالذات فيما بعد منطقة كردستان للحكم الذ اتي المعروفة لدى الكرد باسم )kurdistana sor ) تضمنت الوثائق الأولى لها على رسالة من قائد الحركة القومية في كردستان الجنوبية ( العراق ) الشيخ محمود برزنجي إلى لينين يطلب فيها المساعدة السوفييتية للنضال ضد الامبريالية البريطانية و يلفت انتباهه إلى > . يقال إن لينين قد عبر عن اهتمامه با لمسالة إلى جانب اهتمامه بدور ( الكرد السوفييت ) إضافة إلى ذلك كان يجب تأسيس كردستان ذات الحكمـ الذاتي و كان يجب تخصيص /40 مليون / روبل لهذا الغرض .
شهد16 آذار 1921 م التوقيع على معاهدة عدم الاعتداء بين تركيا و الاتحاد السوفييتي . و بعد سنتين في 4 تموز 1923 مـأصدرت موسكو مرسوما تصبح بموجبه المنطقة الكردية التي عاصمتها لاشين جزءا من ازربيجان السوفييتية بالاضافة الى ناغورني قراباغ بالرغم من وضع المنطقتين كمنطقتين حكم ذاتي .
في شباط 1924 م ألحقت مقاطعة نخجوان بحدودها مع الدول الثلاث : تركيا ، إيران ، أرمينيا بازربيجان و منحت وضع جمهورية ذاتية الحكم أعلى بدرجة واحدة من ( uyezed ) .
انشات هذه القرارات سلسلة من خمس مناطق تمتد الى الشرق من نخجوان في قوس ع
لى طول نهر اراكس
تشمل على كينونات أثنية مميزة بوضع سياسي مختلف و هي : نخجوان الاذربيجية السوفيتية ( 5500 كم2 )
ذات " أغلبية كردية – أذرية " و أقلية ارمنية ، و الشريط الجنوبي الضيق من الإقليم الارمني المولف من كافان ، غوريس ، يخز غادزور ، و منطقة كردستان ذات الحكمـ الذاتي ( 5200 كم2 ) المولفة من أربع مقاطعات كردية ، و المنطقة الارمنية ذات الحكم الذاتي في ناغورني قراباغ ( 4400 كم2 ) و عاصمتها ستيبان كرت حيث اذدات الأغلبية الارمنية من 70% الى 94% ما بين عامي 1919 – 1920 و من ثم بقية الاذربيجان السوفيتية .
لا يمكن نكران إن الوضع كان يمكن إن يكون ملائما أكثر بكثير ، فيما يتعلق بالتكوين العرقي للمنطقة ككل ، فيما لو بقيت نا غورني قراباغ جزءا من أرمينيا ، و لكن في الوقت نفسه من المرجح بصعوبة إن لينين ، الذي كان طريح الفراش و في عامه الأخير ، استطاع إن يتصور قدر ( كردستان الحمراء ) و في ظل حكم ستالين .
إن السبب الغامض الكامن وراء ضم المنطقة إلى أذربيجان ، كان رغبة الحكومة السوفيتية تعزيز العلاقات الودية مع النظام الكمالي في تركيا .
كانت كردستان قادرة على إن تبقى كمنطقة ذات حكمـ ذاتي داخل أذربيجان لمدة سنتين تقريبا حتى عامـ 1925مـ
تلك السنة التي شاهدت بداية انتفاضة الشيخ سعيد في تركيا .شهدت كردستان ذات الحكم الذاتي تأسيس حكومة و مدارس كردية و كلية تدريب للمعلمين ، كما تم نشر الكتب باللغة الكردية و دورية سياسية ( كردستان السوفيتية )
كانت هذه الحكومة الذاتية قصيرة الأجل ، ففي عامـ 1929 م قلصت حكومة باكو كردستان من ( uyezed) إلى ( اوكراغ – مقاطعة ) و هي ادني وحدة إقليمية بالنسبة للقوميات السوفيتية غير الروسية . بعد ثماني سنوات اختفت كردستان السوفيتية ذات الحكم الذاتي تماما ، و مرة ثانية للرغبة في تعزيز علاقات جيدة مع تركيا حيث بقي المقاتلين الكرد مشكلة .
و يؤكد نادر نادر وف في مقابلة له و هو عضو كردي في أكاديمية كازاخستان للعلوم ، تلك المقابلة التي ظهرت في الطبعات الأجنبية المختلفة لجريدة > في بداية 1990 م ( من 26 كانون الثاني –
1 شباط ) ، يقول الصحفي في مجمل مقدمته عن الموضوع إن (( كردستان )) تأسست في أذربيجان عام 1923 م بقرار من اللجنة المركزية ، و بعد ذلك بوقت قصير أصبحت مقاطعة ذات حكم ذاتي و لاشين عاصمتها .
كان أول رئيس لأول حكومة فيها هوغوسي كاجيف . تم إصدار صحيفة > وتأسست كلية لتدريب المعلمين في شوشا ، و فتحت المدارس باللغة الكردية التي أصبحت لغة التعليم و البث الإذاعي ، و في عامـ 1937 م تم ترحيل الكرد ، و من بينهم عائلة نادر وف ، من أذربيجان و أرمينيا ، و في عام 1944 م تم إرسال الكرد الجورجيين إلى مستعمرات خاصة من بينهم منزل نادر وف في سيبيريا حيث تم توطينهم ، لقد تم ترحيل الكرد البالغين على انفراد و مصيرهم لا يزال مجهولا إلى اليوم .
فان الترحيلات حدثت بتحريض من رئيس الحكومة الأذربيجانية مير جعفر باقروف الذي كان على اتصالات وثيقة بستالين و ( OGPU) ، تم إلغاء القسم الكردي في معهد الدراسات الشرقية في باكو في أواخر الستينات رغم إن الدراسات الكردية استمرت في المعهد المشابه في موسكو و لينينغراد و يريفان ، و استمرت جريدة ( كردستان السوفيتية ) بالصدور في الثلاثينات و لكن ليس باللغة الكردية .
في عامـ 1988م أعاد حوالي / 10.000/ كردي ( من المفقودين ) جوازات سفرهم الاذرية إلى موسكو يطلبون تغير الجنسية إلى الكردية ، قدر البروفيسور شاكرو محوي عدد الكرد في أذربيجان السوفيتية اليوم ب / 250.000 على الأقل / و يرفع البروفسور ممو خالد درويشبان – عالم الأجناس الكردي من يريفان – الرقم إلى أكثر من / 400.000 / ، في عام 1988 مـ كتب درويشيان إلى غربا تشوف شاكيا : إن السلطات المحلية منعت تحريه عن الوضع في لاشين ، في كالباجار كان قادرا عن السؤال عن الكرد لأنه تجنب السؤال من خلال القنوات الرسمية ، يعلق بينسون على إعداد الكرد في السوفييت في إحصائيات أعوام 1926- 1939- 1959 م
( يعتبر معظم الكرد ولوجيين السوفيت إن هذه الأرقامـ غير وافية ) ثم يتابع ليقتطف تقديرا وضعه اريستوفا في
عام 1954 م ب / 160.000 / .
إن إعداد الكرد المرحلين غير معروفة و يمكن اخذ فكرة باعتبار ما هو معروف عن الترحيلات من ( كردستان الحمراء ) بالمقارنة مع ناغورني قراباغ ، فهي اكبر واقل وعورة و أكثر خصوبة و ازدحاما بالسكان ، و عدد سكان الكرد في ما وراء القوقاز كلهم قريبا من المليون منهم 500.000 في أذربيجان لو لم يتعرضوا إلى الترحيلات و الإشكال الأخرى من الاضطهاد .
و يعطي الكرد السوفييت أنفسهم تقديرات تتراوح تقريبا ما بين 300.000 الى رقم دقيق 1.120.000 كرديا
تمـ الاعتراف باللغة الكردية و بشكل مبكر جدا على أنها احد اللغات المئة و الثلاثين في الاتحاد السوفييتي كما لاحظ ذلك العالم اللغوي م . أي . عيسا يف في كتابه ( مئة و ثلاثون ذات حقوق متساوية ) و يعلق في عمل لاحق منشور في عامـ 1977 مـ " اللغات القومية في الاتحاد السوفييتي : مشاكل و حلول " قائلا :
إن معظم اللغات و اللهجات الإيرانية ممثلة داخل الاتحاد السوفييتي و يشمل الطاجيكية و الاوستيكية و الكردية و التاتية التي لها شكل مكتوب و تلك التي ليس لديها شكل مكتوب مثل التالوشية و البلوشية و............
نشر الخبير الفرنسي في الشؤون الكردية الأب توماس بوا دراسة عن الأدب الكردي في عام 1955 مـ
يقول فيها انه لا يمكن إنكار إن للسوفييت الفضل في زيادة نسبة التعليم و تشجيع الدراسات الكردية ، و لكن حتى هذه الانجازات فقدت أهميتها جوهريا ، بسبب المجازر ، و التثاقف القسري و الترحيلات في ظل حكم استالين و باقروف معا و إتباعهما الذين كانوا مسؤلين عن كل ذلك .
في عام 1989 م في 20 أيار حدثت مظاهرة كبيرة و منظمة من قبل الكرد في ساحة بوشكين بموسكو ، شاركت في هذه المظاهرة مجموعات من تسع جمهوريات سوفيتية ، كما أعلنت وسائل الأعلام السوفيتية و من بينها التلفزيون توجهت المظاهرة الى حديقة اسماعيلوفسكي ، الشيء البارز في هذه المظاهرات هو وجود نسوة من جمهوريات أسيا الوسطى حيث إن معظم الكرد البالغين كانوا من النسوة بسبب الترحيلات و اختفاء رجالهن خلال خمسين سنة الماضية .
كان عادل جليل من لاشين متحدثا أخر في ساحة بوشكين ، فعندما كان طفلا في العشرينيات ذهب الى مدرسة كردية حيث دونت السلطات الأذربيجانية كلمة اذري كجنسية له على جواز سفره الداخلي ، في عامـ 1979 م رفض جليل الموافقة على ذلك و قام بجهود شاقة مثل الكرد الآخرين في ذلك الوقت ، لكي يبدلها الى الكردية ، و اخبر الحشد إن الكرد في أذربيجان ( يرفضون إن يموتوا ) ، و أضاف إن والدته أخبرته قبل إن يغادر الى موسكو ( اذهب الى موسكو يا بني إذا كانوا ديمقراطيين حقيقيين سوف يعيدون لنا الاستقلال ، و إذا لم يكونوا كذلك سوف نتخلى عن الإيمان بالبيرسترويكا أو غورباتشوف او لينين .
بعد شهرين في 17 م أب ، أعلن السوفييت الأعلى عن قانون يقول إن جميع المواطنين السوفييت الذين تم ترحيلهم في ظل حكم استالين يجب إن يعودوا الى موطنهم مع إعادة حقوقهمـ السابقة لهم ، لكن هذا المبدأ كان مجرد قانون نظري و واجه تطبيقه مشاكل جمة .
عضو المكتب السياسي جبريكوف المسؤول عن القوميات نصح بان الكرد يجب إن يكونوا في قائمة واحدة و اجتمع الزعماء الكرد و قاموا بتشكيل يكبون " yekbun " و تمـ انتخاب محمد سليمان بابا يف رئيسا و هو مهندس زراعي متقاعد من باكو و الذي شغل مناصب هامة في وزارة الزراعة ،
و تمـ التحضير للمؤتمر الذي كان يجب إن يعقد تحت شعار ( الكرد في الاتحاد السوفييتي :
الماضي و الحاضر ) ، و تمـ عقد المؤتمر في المعهد الماركسي – اللينيني و حضره ستمئة شخص معظمهم من الكرد من تسع جمهوريات سوفييتية يمثلون جميع الطبقات من بينهم العمال و الفلاحون بالاضافة الى الانتلجنسيا ، في غضون يوميين من المؤتمر تم إلقاء ما مجموعه ثلاثون كلمة او خطابا قصيرا و لم يكن هناك وقت للمناقشة العامة ،
كانت احد اللحظات الأجمل في المؤتمر تلك المصالحة العلنية مع العناق الحار بين كل من الزعيمـ الكردي الشاب المسلمـ السني سعيد شيخ حسن مفتي جمهورية كازاخستان السوفييتية و زعيمـ المجتمع الايزيدي الشيخ برويان مراد شيرينوفيج من تبليسي ، فقد صرح الأول انه كردي أولا و مسلم ثانيا ، إما الثاني فقد وضع كرديته قبل ايزيديته ، كانت هناك لحظة رائعة أخرى في المؤتمر عندما تمـ إقناع زعيم( يكبون ) محمد بابا يف و الأكاديمي نادر وف إن يتعانقا و ينسيا الخلافات التي نشأت بسبب شعبية الأول بين العمال و شعبية الثاني بين المثقفين .
صدر بيان نهائي و اعطي الى الصحافة و وسائل الإعلام الأخرى في مؤتمر صحفي ، و تمـ إرسال رسالة الى الرئيس غورباتشوف ، و تمت صياغة هذا البيان النهائي و توقيعه من قبل اللجنة الإدارية ، و إن البيان قد أشار الى القرار الذي تبنته ندوة كردستان المنعقدة في لوزان بين 29 – 27 نيسان 1990 م و التي حضرها حوالي 800 كردي يمثلون جميع الجماعات السياسية .
ما ورد في البيان يمكن تلخيصه في ما يلي :
إن الشعب الكردي يشكل امة مميزة و إن كردستان قد قسمت دون أي رجوع الى سكانها بين إيران و عراق و تركيا و سوريا ، و إن المسالة الكرد السوفييت ينبغي عرضها على الأممـ المتحدة على أمل الوصول الى حل مبني على حق تقرير المصير ، و لكن الاتحاد السوفييتي لمـ يكن مستعدا لمواجهة المسالة بأمانة ، عندما تم نشر البيان في الغرب ، إن كل ما تم ذكره عن ندوة لوزان او أي مؤتمر أخر بشان كردستانـ او اتفاقية سيفر و لوزان قد تمـ حذفه .
لقد تمـ استبعاد الكرد الغير السوفييت بصيغة رقيقة " حضر الموتمر الباحثون الأجانب و السوفييت المهتمون بالمسالة الكردية و علماء الاجتماع و الكتاب و المثقفون بالاضافة الى ممثلين منـ الانتلجنسيا الكردية من خارج الاتحاد السوفيتي "
و في الختامـ حث القرار على تأسيس " جمعية فدرالية كردية " ليشمل ممثلين من جميع الجمهوريات السوفييتية المعنية ، بالاضافة الى تأسيس مركز ثقافي كردي في موسكو و دار نشر كتمهيد لتأسيس كردستان ذات حكم ذاتي في منطقة مناسبة .