بين مقاهي الإنترنت والنوادي الطلابية، يقضي الطلبة العراقيون غالبية أوقات فراغهم بحثاً عما يمكن ان نسميه «ثقافة مبتورة» بعدما تخلى قسم كبير منهم عن الكتاب وبات الهاتف الخليوي والانترنت هما المصدر الرئيس لثقافة الكثيرين منهم، فيما لا يزال بعضهم الآخر يرى أن الكتاب هو سيد الثقافات الإنسانية على رغم بروز وسائل أخرى لمنافسته في العقدين الماضيين تتمثل بالقنوات الفضائية والإنترنت التي بات يستعيض بها البعض عن «ثقافة الكتاب» فيما يستخدمها البعض الآخر كوسائل ثانوية للثقافة والمعلومات. --> وتختلف أذواق الشباب في اختيار ما يقرأون، ففي الوقت الذي يركز فيه بعضهم على اختصاص محدد يلجأ آخرون إلى تنويع اهتماماتهم الثقافية والفكرية حتى أنّ بعضهم يكاد يقترب من أذواق الشيوخ في اختيار ما يقرأ. تقول إيمان الطالبة في كلية الآداب قسم التاريخ إن وسائل الاتصال الحديثة لاسيما «الإنترنت» سيطرت على اهتمام الشباب وأبعدتهم عن الاهتمام بالمطالعة، ما أدى الى تدني ثقافة الشباب الذين باتوا يعيشون على هامش الحضارة بعدما أصبح جل اهتماماتهم ينصب على أجهزة الهاتف الخليوي والبرامج الترفيهية في القنوات الفضائية وأصبح التلفاز و»الإنترنت» هما مصدر الثقافة الرئيس للكثيرين.وتصف ايمان الكتاب بـ «سيد الثقافة» وتؤكد انه على رغم تنوع الوسائل الحديثة التي تمنح معلومة جيدة لكنها لا يمكن ان تأخذ مكان الكتاب او تعوض عنه. وتعلق: «عندما اقرأ شكسبير وكانت ونيتشه وجبران، أدرك ان قيمة الكتاب ابدية وان دوره بات اسطورياً في حياتي، ولا يمكنني ان استعيض عنه بالانترنت على رغم استخدامي له كمصدر للمعلومات». وترى ايمان ان نسبة اقبال الشباب من الذكور على المطالعة اكبر منها بين الطالبات وترجع هذه القضية – بحسب ما ترى - الى توسع اهتمامات الرجل وضيق أفق المرأة «التي تبقى اهتماماتها محصورة في جوانب محددة لا تخرج عنها مثل الزواج والاطفال والمنزل وهي غالباً ما تفضل التقوقع وعدم الخروج منها». اما فاطمة طالبة الماجستير في كلية الشريعة الاسلامية، فتقول ان اهتماماتها الثقافية تنحصر في اختصاصها وانها تحاول الاحاطة بكل ما يتعلق بمجال دراستها، وعلى ذلك فهي تميل الى قراءة سير الشخصيات المهمة في التاريخ لتستنبط منها الدروس والعبر. وتؤكد انها لا تهتم بالروايات او المؤلفات الاخرى ولا تحب ان تقرأ لكتاب معاصرين. وترى ان ظروف الحياة العصرية في المجتمع العراقي والمتاعب اليومية التي يتعرض لها الطلبة تدفع البعض منهم الى التخلي عن القراءة والانشغال بالعمل ما يؤول الى انطمار ثقافتهم، وتقول ان بعض الشباب ينشغل بالجري وراء الموضة ويميل كثر الى تقليد الشباب الغربي والانصياع الى مظاهر الموضة ويعتبرونها جزءاً رئيساً في ثقافتهم مبتعدين عن الاسس الرئيسة للثقافة الانسانية. ويؤكد غالب طالب الماجستير في كلية الآداب، انه اعتاد قضاء العطل الدراسية في المطالعة التي يجد فيها وسيلة تثقيفية وترفيهية معاً. ويقول غالب الذي بدأ القراءة وهو في السادسة عشرة من عمره حينما استهوته سلسلة قصص «الف ليلة وليلة»، إنه يعشق شكسبير وتولستوي وموليير والمتنبي ويقرأ للجاحظ وانه يتابع البرامج الثقافية في الفضائيات ويستخدم الانترنت للحصول على المعلومات، لكنه لا يستغني عن الكتاب. ويؤكد انه ينفق بعض مدخوله على شراء الكتب على عكس شقيقته «التي تنفق نقودها في شراء الملابس العصرية ومستحضرات التجميل» كما يقول. وترى جنان ان المطالعة تزودها بالمزيد من الثقافة والمعلومات المهمة وتمنحها الثقة في إدارة الحوار مع الآخرين لشعورها بوجود خزين ثقافي يؤهلها لذلك. وعن الكتب التي تفضل قراءتها تقول انها تقرأ لاميل زولا وفيكتور هوغو واغاثا كريستي - التي استهوتها مؤلفاتها منذ المراهقة وتفضل كتابات عبد الرحمن منيف، لكنها تكره الشعر ولا يستهويها ابداً، وتهتم كثيراً بكتب الكومبيوتر والبرمجيات وتقول: «القراءة تسليني وتزيد ثقافتي وتنسيني الكثير من همومي اليومية». وعن ثقافة الشباب، تقول ان غالبية الشباب تعتقد ان الثقافة تكمن في نوعية الهاتف الخليوي الذي يقتنونه ومدى تماشي الملابس التي يرتدونها مع الموضة. ويقول ناصر الطالب في كلية اللغات قسم اللغة الفرنسية، ان مطالعته بدأت بقراءة كتاب «كليلة ودمنة» وان هذا الكتاب كان المفتاح الأول لدفعه الى الإقبال على قراءة الكتب بمختلف الاختصاصات، لكنه يعترض على اعتماد الكتاب مصدراً رئيساً ووحيداً للثقافة ويقول: «ان الوسائل الحديثة لها دور كبير في حياة الانسان واتساع آفاقه الذهنية». أما كمال الطالب في كلية التربية قسم الجغرافيا، فينتقد تمسك بعض الطلبة بقراءة الكتب واعتبارها وسيلة وحيدة للتثقيف ويقول «اعتقد ان الإنترنت والفضائيات هي الأسرع في تثقيف الفرد»، ويعلّل الامر قائلاً: «أن متابعة برنامج ثقافي عن الحرب العالمية الثانية على إحدى الفضائيات قد لا تزيد مدته على ساعة واحدة تعوضني عن قضاء أسبوعين في قراءة كتاب في الموضوع ذاته ويزودني بالمعلومات ذاتها». ويلوم انتقاد البعض لتدني ثقافة الشباب ويتساءل: «لماذا ينظر الآخرون الى الثقافة على انها قراءة الكتب فقط؟». وعلى رغم اختلاف القناعات في انخفاض مستوى ثقافة الطلبة والشباب في الجامعات العراقية، يؤكد كريم سامي، استاذ علم الاجتماع في كلية الآداب ان قضية تدني مستوى ثقافة الشباب باتت ظاهرة عامة بسبب غزو الحضارة وبروز وسائل جديدة تستقطب اهتمامات الشباب الى جانب المتاعب النفسية اليومية التي يتعرضون لها في مجتمع غير مستقر سياسياً وأمنياً ما ينعكس على جميع جوانب حياتهم ومنها ثقافتهم.
منقول.