الكلام في احد افعال الله جل شانه
ويفهم من هذا كيفية التوكل على الله وأشاره الى انه لايوجد شيئ من الاسباب الا متحرك بارادة الله عز وجل
ونحن نحكي في{ فعل الكتابة} قدرا يسيرا من مناجاة بعض ما يرى اسبابا و وسائط، و اقرارها بالعجز على انفسها، ليقاس عليه جميع الافعال الصادرة عن جميع الاسباب و الوسائط المسخرة تحت قدرة الله، و يفهم به على الاجمال كيفية ابتناء التوكل عليه، و نرد لضرورة التفهم كلماتها الملكوتية الى الحروف و الاصوات، و ان لم تكن اصواتا و حروفا، فنقول:
قال بعض الناظرين عن مشكاة نور الله للكاغد، و قد راى وجهه اسود بالحبر: «لم سودت وجهك و قد كان ابيض مشرقا؟ » .
فقال: «ما سودت وجهي، و انما سوده الحبر، فاساله لم فعل كذا؟ » .
فسال الحبر عن ذلك، فقال: «هذا السؤال على القلم الذى اخرجنى من مستقرى ظلما» .
فسال القلم، فاحاله الى اليد و الاصابع، و هي الى القدرة و القوة، و هي الى الارادة، معترفا كل واحد منهم بعجز نفسه، و بكونه مقهورا مسخرا تحت قهر المحال عليه من دون استطاعة لمخالفته.
و لما سال الارادة، قالت: «ما انتهضت بنفسي، بل بعثت على اشخاص.
القدرة و انهاضها، و بحكم رسول قاهر ورد علي من حضرة القلب بلسان العقل، و هذا الرسول هو العلم، فالسؤال عن انتهاضى يتوجه على العقل و القلب و العلم» .
و لما سال قال (العقل) : «اما انا فسراج ما اشتعلت بنفسي و لكنى اُشعلت» .
و قال (القلب) : «اما انا فلوح ما انبسطت بنفسي و لكنى بُسطت» .
و قال (العلم) : «اما انا فنقش نقشت في لوح القلب لما اشرق سراج العقل، و ما نتقشت بنفسي بل نقشنى غيرى، فسل القلم الذى نقشني و رسمنى على لوح القلب بعد اشتعال سراج العقل» .
و عند هذا تحير السائل و قال: «ما هذا القلم و هذا اللوح و هذا الخط و هذا السراج؟ فانى لا اعلم قلما الا من القصب، و لا لوحا الا من الحديد او الخشب، و لا خطا الا بالحبر، و لا سراجا الا من النار. و انى لاسمع في هذا المنزل حديث اللوح و القلم و الخط و السراج، و لا اشاهد من ذلك شيئا» فقال له (العلم) : «فاذن بضاعتك مزجاة، و زادك قليل، و مركبك ضعيف، و المهالك في الطريق الذى توجهت اليه كثيرة، فان كنت راغبا في استتمام الطريق الى المقصد، فاعلم ان العوالم في طريقك ثلاثة: (اولها) عالم الملك و الشهادة، و لقد كان الكاغد و الحبر و القلم و اليد و الاصابع من هذا العالم، و قد جاوزت تلك المنازل على سهولة، (و ثانيها) عالم الملكوت الاسفل و هو يشبه السفينة التي بين الارض و الماء، فلا هى حد اضطراب الماء، و لا هي في حد سكون الارض و ثباتها، و القدرة و الارادة و العلم من منازل هذا العالم. (و ثالثها) عالم الملكوت الاعلى، و هو من ورائى، فاذا جاوزتنى انتهيت الى منازله. و اول منازله القلم الذى يكتب به العلم على لوح القلب و في هذا العالم المهامه الفسيحة و الجبال الشاهقة و البحار المغرقة» .
فقال له السائل السالك: «قد تحيرت في امرى و لست ادرى انى اقدر على قطع هذا الطريق المخوف ام لا، فهل لذلك علامة اعرف بها تمكنى على قطع هذا الطريق؟ » .
فقال: «نعم! افتح بصرك، و اجمع ضوء عينك و حدقه نحوى، فان ظهر لك القلم الذي به يكتب في لوح القلب، فيشبه ان تكون اهلا لهذا الطريق، فان كل من جاوز الملكوت الاسفل و قرع اول باب من الملكوت الاعلى كوشف بالقلم. اما ترى النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-كوشف به و انزل عليه قوله تعالى:
اقرا باسم ربك الذي خلق. . . » الى قوله: «اقرا و ربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم» {انتهى}
ربي اشرح لي صدري ويسر لي امري