والطريق الوحيد لخدمة الناس في هذا اليوم هو مقارعة الظالمين والوقوف بوجههم. وبعبارة أخرى، بثّ ثقافة الجهاد وتوعية الناس لمواجهة المستكبرين هو السبيل الوحيد لخدمة البشرية وبالطبع تمهيد للظهور. يقول ولي أمر المسلمين في كلام بالغ الأهمية:
أرضية الوقوف بوجه الاستكبار علامة على الظهور
«في الوقت الذي يُعلم أنّ الأرضية قد تهيّأت لأن يثبت آحاد البشر على كلامهم أمام القوة المادية لمستكبري العالم، فذلك اليوم هو يوم ظهور الإمام المهدي (عج)؛ ذلك اليوم هو اليوم الذي يظهر فيه منقذ عالم البشرية بفضل الله، ورسالته تجذب كلّ القلوب المستعدة المتواجدة في جميع أرجاء العالم، وعند ذلك لا تستطيع القوى الجائرة والقوى القمعية والقوى المستندة إلى الثروة والقوة أن يسوقوا هذه الحقيقة إلى الوراء أو أن يُخفوها كما كانوا يفعلونه دوماً من قبل بفضل ثروتهم وقوتهم.»[1]
الفضائل الفردية والاجتماعیة لا تكون قيّمة إلّا في ظلّ مقارعة الظلم
إن كل ما يتحلّى به المنتظر من أخلاق فردية واجتماعية، لا تُقبل منه إلّا في مسير الثورية ومقارعة الظالمين والمستكبرين؛ وإلّا فلا الله يتقبّل من الإنسان الفضائل التي تمرّ من خلال طلب الراحة والدعة، ولا خلق الله ينتفعون منها. ولابد من البحث عن المعنوية الأصيلة والانتظار الحقيقي في الجهاد الذي يقول في شأنه رسول الله (ص): «مَنْ ماتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحدِّثْ بهِ نَفْسَهُ، ماتَ عَلى شُعْبَةٍ مِنْ نِفاقٍ.»[2]
إنّ الأخلاق الاجتماعية تبدأ من حُسن التصرف مع العائلة عن معرفة بحقوقهم وتواصل مسيرتها عبر الثورية والجهاد في سبيل إنقاذ البشر وتنتهي بظهور منقذ عالم البشرية. ولا يمكن التوقّف في أيّة مرحلة. ولو توقّفنا في أيّ مرحلة فلربّما سنضطرّ للعود من حيث جئنا وسنتبدّل إلى ظلمة لأنفسنا ومجتمعنا. فإنّ من يسكت ويعتزل في هذه الظروف، سيكون عوناً ونصيراً للظالمين بصورة تلقائية؛ لأننا نعيش في زمن قد اندلعت فيه ألسنة الجهاد الأخير[3]، وتبلورت فيه المواجهة التامة بين معسكر الحق والباطل.[4]
5.3. تشکیل النظام الإسلامي
إن العمل الاجتماعي المتواصل والمستمر لا يمكن تصوّره بل ولا تحقّقه من دون تشكيل حكومة. فإنّ عملنا بوظائفنا الاجتماعية والجهادية، سيؤول إلى تشكيل حكومة أو الإطاحة بالحكومات الجائرة لا محالة. ولو أردنا العمل بكل الوظائف الملقاة على عاتقنا لابد لنا من تشكيل حكومة وإسقاط الحكومات الجائرة. ومن هنا تدخل تشكيل حكومة منتظِرة في جدول أعمال المنتظرين. ومن الطبيعي أن يتم تشكيل حكومة المنتظرين هذه قبل الظهور ليتحقق التمهيد للظهور بواسطتهم. كما جاء في الرواية بشأن الممهّدين للظهور أن قوماً يوطّئون للمهدي قبل ظهوره.[5]
إنّ الثمرة الطبيعية والقطعية لمقارعة الظلم هو تشكيل حكومة؛ ومن مستلزمات تشكيل الحكومة في هذه الدنيا المليئة بالظلم، هي الوقوف بوجه عالم الاستكبار للدفاع عن هذه الحكومة. فلا يمكن اليوم تشكيل حكومة تطلب العدالة والأمن من عداءات أعداء العدالة واجتياز هذه العداءات بسلام وأمان. لأن تشكيل مثل هذه الحكومة أساساً بمعنى دقُّ جرس الخطر لاضمحلال الحكومات الجائرة والمناهضة للعدالة. وأساساً لا يمكننا التصوّر بأن تتشكل حكومة حقة في هذا العالم الرازح تحت وطأة معسكر الباطل، ولا تسوق عالم الاستكبار إلى السقوط والزوال. فقد اختلف عالم اليوم عن عالم الماضي.
وإنّ أيّ حركة جهادية كلعبة الدومينو تترك آثارها وتبعاتها الخاصة في العالم المعاصر الذي اقترب نوعاً ما من الانسجام والتناسق العالمي إثر اتّساع العلاقات السياسية والاقتصادية والإعلامية. فلا يمكن في الظروف الراهنة أن تكون منتظراً ولكن لا تواجه الظلم؛ ولا يمكن أن تواجه الظلم الإقليمي ولكن لا تواجه الظلم العالمي؛ ولا يمكن أن تواجه الظلم العالمي ولكن لا تكون أسوة للشعوب المضطهدة؛ لا يمكن أن يؤدي جهادك إلى حركة عالمية كبرى ولكن لا ينتهي بالظهور بصفته السبيل الوحيد للنجاة من الأزمات.
أهمیة الدفاع عن نظام الجمهوریة الإسلامیة في کلام الإمام الخميني (ره):
في مثل هذا الوضع، لا يرى المنتظر شيئاً أكثر قداسة من المساهمة في قضية التمهيد للظهور الهامة. وقد بدأ التمهيد للظهور في أرضنا المشرقة منذ عدة أعوام. ونحن اليوم نمهّد لإنقاذ البشرية في خضمّ المواجهات العالمية للدفاع عن الثورة الإسلامية. فهل يوجد للمنتظر أمرٌ أهم من الدفاع التام عن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران وتعزيزه أمام النظام الاستكباري؟
انظروا إلى کلمات الإمام الخميني (ره) في هذا المجال:
«إن صيانة الجمهورية الإسلامية أهم من الحفاظ على حياة شخص ولو كان إمام العصر؛ لأنّ إمام العصر أيضاً يضحّي بنفسه من أجل الإسلام. وكلّ الأنبياء الذين جاؤوا منذ صدر العالم وحتى يومنا هذا، قد جاهدوا وضحّوا بأنفسهم من أجل كلمة الحق ودين الله. وقد اقتحم النبي الأكرم كل تلك الصعاب وتجشّم أهل بيته العظام كل ذلك العناء وضحّوا بأنفسهم؛ كل ذلك من أجل حفظ الإسلام. الإسلام وديعة إلهية عند الشعوب وقد جاءت لتربية الناس وخدمتهم والحفاظ عليها واجب عيني على الجميع؛ أي أن الكل مكلّفون بالحفاظ عليها حتى تتصدى جماعة للقيام بذلك فيسقط عندها التكليف عن الآخرين.»[6]
يتبع إن شاء الله...
[1] كلمته في يوم ميلاد الإمام المهدي (عج)، 12/ 11/ 2000.
[2] میزان الحکمة، ح٢٨٢٩، نقلاً عن صحيح مسلم، ج3، ص1517، ح158، (طبعة دار الحدیث، القاهرة)، أو ج6، ص49، (طبعة دار الفکر، بیروت).
[3] الجهاد الأخير، هو الجهاد الذي تتبلور فيه المواجهة التامة بين الحق والباطل والذي يؤول إلى انتصار الحق وانكسار الاستبكار العالمي.
[4] «لقد بدأت اليوم حرب بين الحق والباطل، حرب بين الفقر والغناء، حرب بين الاستضعاف والاستكبار، وحرب بين المضطهدين والمترفين. وأنا ألثم أيادي وسواعد كل الأعزاء في أرجاء العالم الذي حملوا على عاتقهم عبأ النضال واعتزموا على الجهاد في سبيل الله واعتلاء عزة المسلمين.» صحیفة الإمام، ج21، ص85.
«نحن بعون الله سنصمد أمام أعداء الإسلام وشعوب العالم المستضعفة ولاسيما أمام أمريكا المصاصة للدماء حتى القضاء عليهم بالكامل.» صحیفة الإمام، ج12، ص261.
«لتعلم أمريكا المصّاصة للدماء أن الشعب العزيز والخميني سيسلبون الراحة منها حتى القضاء الكامل على منافعها وسيواصلون جهادهم الإلهي حتى قطع أياديها... وعلى شعبنا أن يعدّ نفسه لهذه المواجهة الحسينية حتى الانتصار بالكامل.» صحیفة الإمام، ج14، ص407 و408.
«اعلموا بحول الله وقوته بأن حرب الحق مع الباطل ومع الطواغيت والفراعنة وفرعون الاستكبار التي بدأت بقيادة الشعب الإيراني تحت راية الإسلام، ستستمر حتى إسقاط الاستكبار.» كلمة الإمام الخامنئي في لقائه الطلاب والجامعيين، 2/11/2006.
«سوف تتقدم الأمة الإسلامية باضطراد في الطريق الذي ارتقى بمسلمي صدر الإسلام إلى ذروة العظمة والعزة، وستنجو الشعوب المسلمة من التخلّف والهوان الذي فرض عليها في القرون الأخيرة. طلائع هذه الحركة الكبرى قد انطلقت، وأمواج الصحوة قد هدرت في كل أرجاء العالم الإسلامي بنسب متفاوتة... المستقبل للأمة الإسلامية، وبوسع كل واحد منا تقريب هذا المستقبل بحسب إسهامه وقدراته وإمكاناته ومسؤوليته.» نداء الإمام الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام، 15/12/2007.
«ليعلم المسلمون في كل أرجاء العالم بأن عهد تخلّف العالم الإسلامى والازدراء به قد ولّى، وأن عهداً جديداً قد بدأ... بدأت اليوم حركة عميقة ومتجذرة في العالم الإسلامي - شاؤوا ذلك أم أبوا - وهذه الحركة هي التي ستنتهي في الوقت المناسب إلی استقلال الأمة الإسلامية وعودة عزها وحياتها المتجددة.» نداء الإمام الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام، 24/12/2006.
[5] عن النبي (ص): «یَخرُجُ ناسٌ مِن المَشرِقِ فَیُوطِّئُونَ للمَهدِیِّ سُلْطانَهُ.» میزان الحکمة، ح2366، نقلاً عن كنز العمال، ح38567؛ وكذلك انظر الهامش ص؟؟؟ من هذا الكتاب.
[6] صحیفة الإمام، ج15، ص365.