الإنسان بحاجة إلى التذكير المستمر, التذكير المستمر، ومعك في داخل كل إنسان ما يساعد على تفهم وتقبل ما تقدمه إليه، وإذا كنا قديرين على تقديم الأشياء للناس، وأعتقد لا يوجد أحد يعتبر قديراً إذا لم يكن مخاطباً للناس بالقرآن نفسه، القرآن هو أعلى أسلوب في الخطاب للآخرين, هو أبلغ موعظة, أرقى تذكير, أوضح تبيين، يذكر كيف نخاطب الناس, بل كيف نخاطب أنفسنا. هذه قضية أساسية لازم التذكير المستمر، التذكير المستمر.
جانب آخر: الخطاب في السورة بدأ في أول السورة ـ فيما سمعنا بالأمس من التلاوة ـ ألم يأت فيه ـ إذا صحت العبارة ـ لهجة قاسية حول الكافرين, وحول المنافقين؟ ثم جاء بعده بعبارة لطيفة ورقيقة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:21) إذاً ألم يتحدث هنا عن التقوى؟ وجاء بعبارة لطيفة ورقيقة؟ هذه من الناحية النفسية أسلوب من الأساليب الهامة. عندما تخطب في الناس وتكون خطبتك من أولها إلى آخرها كله كلاما ساخنا: [د د د د د د د ... ] مثل بعض الخطباء! هذا ليس أسلوبا صحيحاً. عندما تكون في فقرة من الفقرات في موضوع من المواضيع تتحدث بلهجة قاسية مناسب جداً تنتقل إلى أسلوب آخر لطيف تقول: [أيها الإخوة: نحن يجب أن نكون كذا ........ ]، بأسلوب لطيف بحيث يكون له وقع في النفوس, لكن تأتي بطريقة واحدة, روتين واحد في الخطبة: إما شدة من أولها إلى آخرها, أو كلام بارد, وأسلوب متثاقل، متثاقل من أولها إلى آخرها، هذا غير صحيح. تقليب الموضوع بخطاب ما بين شدة ولين من الأساليب المؤثرة.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} (البقرة: من الآية21) خطاب للناس جميعاً {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: من الآية21) اعبدوه هو, عبِّدوا أنفسكم له, هو ربكم, هو القائم على تربيتكم, هو الذي خلقكم وخلق الذين من قبلكم الذين أنتم جئتم بعدهم وفرع منهم. {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} من أجل تقوا أنفسكم من أشياء كثيرة مما يذكرها في آيات أخرى, هو يذكر بالنسبة للضالين, بالنسبة للذين هم غير متقين، يحصل لهم في الدنيا هذه شدائد رهيبة, يحصل نقص في البركات, نقص في الخيرات, يحصل شقاء في الحياة, يحصل ضنك في المعيشة, يحصل خزي, يحصل ذلة, قهر, استضعاف, أشياء كثيرة جداً, الإنسان يكرهها بطبيعته وبفطرته يمقتها.