“المعارضة العربية” ، و مسؤولية الدم .
أحمد الحباسى
سأحاول اختصار المسافات الفكرية و الجدلية ، أقول ، هل يمكن القبول بكون الإخوان يشكلون حركة فكرية معارضة ؟ ثم لنفترض جدلا أنهم كذلك ، فهل أن حكم الإخوان في مصر و في ليبيا و تونس يمثل أنموذجا يمكن الاحتذاء به ، نتساءل إذا ، من يتحمل مسؤولية الدم الذي يسيل في جملة هذه الدول و بالتبعية في سوريا بحكم طمع الإخوان هناك في إسقاط الرئيس الأسد و إحلال بديل إخواني بإمكانه أن يكون نسخة مطابقة للأصل من أيمن الظواهري أو أسامة بن لادن ، هكذا ، لم يبق إلا أن نتوجه إلى هؤلاء الذين يتباكون على الشرعية المنتهكة في مصر أو ينادون بالتغيير في سوريا بالاتهام بكونهم مجرد مشاريع انتحار في الساحات العربية و في أسلم الحالات مجرد كائنات مشبوهة .
الإخوان مجرد عملاء ، فمتابعة المشهد المصري أو الليبي أو التونسي تغنى عن كل تعليق ، و إلا كيف يمكن تفسير ما يحدث في مصر و ليبيا من عنف بلغ الذروة ، ثم هل أن “الانقلاب” الذي حصل من الشعب المصري على حكم الإخوان يبرر حالة الانتقام القصوى التي يمارسها الإخوان ضده ، مع ذلك نتساءل ، بأي حق ينتقم الإخوان من الأبرياء و بأي حق يرفض الإخوان حالة الكراهية الشعبية الشديدة لمشروعهم الفاسق الفاسد المتشابك مع المشاريع الصهيونية اللهم إلا إذا ظن هؤلاء أنهم يمثلون أقصى طموح الشعب المصري و أنه ليس من حق هذا الشعب أن يسحب منهم المشروعية و الشرعية بمجرد خروج الملايين للشارع ، بطبيعة الحال ، هناك غرور بكون الإخوان يمثلون الحل و ليس المشكلة ، و بكون الشرعية لا تنتزع ، و بكون الشعب لا يمكنه أن يكون المصدر الوحيد للسلطات .
أفهم جيدا لماذا يكره الإخوان الديمقراطية ، لأنها السبيل الوحيدة التي تهزم مشروعهم التكفيري المبنى على الإرهاب و التخويف و الكراهية ، و هؤلاء لا يدركون طبعا أن للشعوب أمزجتها الخاصة و أنها الوحيدة القادرة و المسموح إليها باتخاذ المواقف و التدابير دون الرجوع إلى أحد حتى لو كان الرئيس المنتخب ذاته ، لنتذكر على سبيل المثال أن شعبية و شرعية الرئيس الفرنسي شارل ديغول لم تمنع الشعب من “إقالته” بمجرد استفتاء ، لذلك فهذه “المعارضة” هي المسئولة على حمام الدم المصري و الليبي لأنها فضلت المواجهة المسلحة لشرعية الشعب و لكل ما انبثق من مؤسسات مهمتها خدمة الشعب ، و إذا كان البعض في قطر أو في تركيا يدفعون الأوضاع إلى حافة الهاوية فبالتأكيد أن الإخوان هم أول الخاسرين ، و بالتأكيد فان الذين يطالبون الإخوان بمزيد إراقة الدم هم أول من يمشى في “جنازة” الإخوان بمجرد انتهاء المهمة و سقوط المشروع و من ينفذ هذا المشروع .
لقد حاولت القوى الدولية المتشاركة في المأساة السورية أن تختفي وراء ما سمى بالمعارضة السورية حتى لا تنكشف الأوراق للعموم ، و بطبيعة الحال ، هؤلاء الأزلام الذين تم جلبهم من صالونات القمار السياسي الغربية على عجل ليتم تقديمهم للعالم في شكل ائتلاف متجانس يمكن توصيفه بالمعارضة هم أول المسئولين عن الدم السوري لان معارضة النظام لا يمكن أن تكون عن “بعد” و دون تقديم بدائل ملموسة يمكن تطبيقها على الأرض هذا فضلا عن ضرورة التحصيل المسبق على شرعية شعبية تخول الحديث باسم جانب كبير من الشعب السوري ، لنتساءل ببساطة شديدة ، كم من صوت سيتحصل عليه المسمى عبد الباسط سيدا لو تقدم اليوم في الانتخابات الرئاسية ؟ و بمناسبة الحديث عن الشرعية ، فمن يمثل في الائتلاف السوري الشرعية و بأي مقاييس ؟ .
في كل بلاد العالم تقدم المعارضة بدائل واضحة ، لكن ” المعارضة” السورية من صنف غير مسبوق ، فهي خليط من القتلة و الخونة و بائعي الضمير ، فجبهة النصرة مثلا ليست “سورية” بالأساس و لا تطرح بديلا للحكم الحالي ، و الائتلاف السوري هو مجرد أشخاص كومبارس جاءت بهم بعض الدول لتمرير المؤامرة الرامية لإسقاط الرئيس الأسد ، و الجيش السوري الحر هو نتاج لتمويل السلاح الخليجي الصهيوني لإنهاك الجيش السوري ، و بتجميع هذه الكيانات اللقيطة لا يمكن أن نحصل على معارضة سلمية بإمكانها أن تكون خيارا شعبيا سوريا للتغيير ، و إذا كان لعاقل من هذا الشعب أن يختار بين نظام متهم بالديكتاتورية و التسلط و بين مجموعات إرهابية قاتلة فالخيار واضح و الاختيار واضح و هو ما حصل في الانتخابات الرئاسية منذ أسابيع.
بطبيعة الحال ، تحاول القوى الإقليمية التي تقف وراء هذه المعارضة الغير المتجانسة أن تخفى كل عوراتها حتى لا تنكشف الأجندة الصهيونية “للعموم” ، و رغم أنها قد حاولت وضع “رؤوس مقبولة على هرم هذا الائتلاف و جعلته خليطا من “الأجناس” الفكرية المتضادة لإثبات أنهم مع التعددية و ضد الطائفية فقد لاح بؤس هذه المعارضة التي لم تقدر على تجميع الشعب السوري أو طرح بديل مستساغ يمكن أن يغرى المواطن السوري الذي تفاجأ بعدمية هذا المكون المرتهن للصهيونية و المستعد لبلورة علاقة مع إسرائيل متجاهلا نفور الشعب السوري و رفضه للتطبيع و الاحتلال.
لا يقبل المواطن العربي أن تتصاعد موجات العنف في كافة الدول العربية تحت مظلة تمدد الربيع العربي ، و لا يمكن القبول بمعارضة تدعو إلى التكفير و القتل و الكراهية حتى لو كانت تلك الدعوة تتخذ طابعا “دينيا” ، و في حقيقة الأمر فإن الثورات لا تستنسخ و لا تتوالد و لا تنجب ، فلكل بلد حقيقته و مشاكله و نوعية تفكيره الشعبي ، لذلك سقطت “الثورة” الليبية في أتون الحرب الأهلية لتثبت للعالم أن ما حصل لم يكن يحمل طابع الثورة بل هي حالة تدافع اجتماعي مثل التي نشهدها في الساحات العامة أمام الحافلات المكتظة ، و سقطت الثورة السعودية لأنها لا تملك قيادة حكيمة قادرة على مواجهة البطش الأمني للنظام ، و سقطت الثورة التونسية لان البديل المطروح للحكم ( حركة النهضة الاخوانية أقصد ) لم يكن إلا خيارا قاتلا كاد أن يعصف بالبلاد في أتون الحرب الأهلية ، و سقطت “الثورة” السورية لان اللقطاء لا يمكنهم حكم بلد مثل سوريا