كانت حياة شراكة حقيقية03/07/2014 07:15
عبدالزهرة زكي
إلى سنوات قريبة كانت التفاعل والتواصل أشد حميمية وأكثر جدوى بين الأدباء والكتّاب العراقيين من مختلف القوميات والديانات، وكان للقضايا الوطنية الكبرى طيلة عقود منتصف القرن العشرين أن تكون دائما محطات يشتد فيها وضوح التفاعل المنتج بين المثقفين، وذلك عبر ما كانت تؤكده دائماً البيانات والفعاليات التي ظل ينظمها ويحررها مثقفون عراقيون يشكلون طيفا مشتركاً من الثقافات الوطنية كلما كانت تشتد الحاجة إلى ارتفاع صوت المثقفين في قضايا حساسة تتطلب موقفاً موحداً من طغيان سلطات مستبدة وتعسف حكومات ومن مختلف الأحداث التي يمر بها العراق والمنطقة. وفي تاريخ الثقافة والمثقفين العراقيين الكثير من الحالات التي ظلت تؤرخ لهذه الأنماط من التفاعل الإيجابي بين المكونات الوطنية عبر مثقفيها.
ما أكثر الأدباء والكتاب الذين جرى اعتقالهم والزج بهم في سجون مختلف السلطات من ملكية وجمهورية لمواقف كانوا يصرون عليها من أجل الدفاع عن حريات الكرد العراقيين وحقوقهم القومية، وما أكثر ما تفاعل مثقفون كرد عراقيون مع زملاء عرب لهم في قضايا المحن الكبرى التي واجهها العرب في التاريخ الحديث، خصوصاً في القضية الفلسطسنية ناهيك عن التضامنات المستمرة مع أدباء وكتاب عراقيين عرب حينما كانوا يتعرضون لقمع السلطات المحلية في ظروف ومناسبات مختلفة.
لم يكن الأدباء التركمان والمسيحيون بمختلف تكويناتهم بعيدين هم أيضاً عن هذا المناخ التفاعلي الإيجابي طيلة تلك العقود، إنها عقود من حياة ثقافية وطنية مشتركة حقيقية فعلاً.
ولعل الحياة السياسية نفسها كانت هي مما يساعد في تعزيز فرص هذا العمل والحياة المشتركة. طبيعة الحياة الحزبية ووحدة النسيج الوطني المعارض كانتا في الجوهر من تنظيم تلك الفعاليات وتهيئة أسباب نشوئها وتطورها، لكن ليست الحياة الحزبية وحدها التي كانت تنعش تلك المشاعر الوطنية المشتركة، فقد كان ليس من النادر أن تصادف آنذاك مثقفين كانوا مستقلين وكانوا جزءا حيوياً من ذلك الحراك الناشط بمختلف الظروف والمناسبات. كانت حياة حقيقية في الشعور بالمشاركة فيها وفي إدراك وحدة المصير، وفي التعبير بأكثر من صيغة ووسيلة عن فعل عملي وثقافي من أجل صون وحماية المصير الوطني المشترك.
في الثمانينيات بدأنا في بغداد، كأدباء وكنا حينها شبانا من جيلين جديدين، سبعينيين وثمانينيين، ندرك أننا آخذون بمواجهة انقطاع ما كنا نعرفه من تواصل بين مختلف المثقفين العراقيين. كانت الحياة السياسية وطغيانها ومعها الحرب وما فرضته من ظروف آخذة بتوسيع التباعد والفرقة ليس بين أدباء وكتاب مختلف القوميات والأديان وإنما حتى بين الأدباء العرب أنفسهم هي ما قلصت مساحات العمل والحياة الأدبية والثقافية المشتركة، وكان لنا أن نعمل في بغداد ما كان يمكن عمله من فعاليات مشتركة، ولو ذات طابع ثقافي محض، من أجل مواصلة ما هو آخذ بالانقطاع.
حينها بدأنا تواصلاً لم يدم طويلا مع أدباء كرد كانوا بعمرنا وبتطلعنا نفسه نحو التواصل والتفاعل، في إطار ثقافي إيجابي ممكن، لكنه تواصل لم ينجح ليتواصل ويتطور عمليا بفعل تنامي الطغيان من جانب وبفعل تقدم ماكنة الحرب وسحقها كل فرص الحياة خارج إطار ما تريده الحرب نفسها وتفرضه.ولكن ظروف ما بعد 2003 هي الأخرى لم تنجح حتى الآن في تهيئة مناخات سليمة لعمل ثقافي مشترك وهو ما قد سنتحدث عنه في مناسبة أخرى.