على أرصفة كورنيش البحر في داخل مدينة الملاهي في استراحات المنتزهات وأمام الحدائق العامة، تقف عربة خشبية قديمة يقودها بائع ينادي: «يلا يا غزل البنات.. مين بدو يأكل الحرير.. عجّل وشوف الحرير». والمشهد أصبح عادياً لاسيما داخل الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية، حيث يكثر المشترون من الصغار، الذين يحبون هذا النوع من الحلوى
العربة الخشبية التي تعلوها واجهة زجاجية، ترى بداخلها ماكينة صغيرة وطريفة تعمل على «المانيفل»، وتنتج قطعاً ونسيجاً ملوناً تتزين به الواجهة بخيطان ذات ألوان مصبوغة بالزهري الفاقع، توضع داخل أكياس من النايلون الشفاف إلى جانب غمامة من السحب داخل الكيس تعطي مع الألوان مشاهد جميلة ورونقاً يجذب الأطفال إلى الشراء والى الاحتفاظ بالأكياس كما هي، وكأن «غزل البنات» التي بداخلها لعبة جديدة أنزلت إلى الأسواق منذ فترة وجيزة.
و»شعر النبات» تسميات لحلوى واحدة تصنع من خليط الماء والسكر في وعاء خاص، تتجمع خيوطاً قطنية، «تفلش» على عيدان رفيعة تثبّت فيما بعد، وهي تحمل قطن السكر المنفوش إلى مادة سكرية مكبوسة ومكدّسة داخل أكياس من النايلون بدلاً من العيدان الصغيرة.
بداية هذه الصناعة كانت في إيطاليا، وفق معلومات منشورة على الشبكة العنكبوتية، حين وضع أحد العاملين في الحلويات، كمية من السكر في قالب معدني على نار هادئة، وبدأ يحرّك هذه الكمية بملعقة خشبية ليفاجأ بعد حين خروج عدة خيوط «هشة» وخفيفة، بدأ بتجميعها لتشكل خيوطاً كثيفة بعد غزل الخيوط، فأعطت نموذجاً وتصميماً جميلاً لم يعرف من قبل، أعجب بناته في أشكاله، فعرضه في السوق فلقي رواجاً وإقبالاً لا بأس به، من هنا بدأت التجارة وحركة البيع والشراء بأصناف هذه الحلوى.
أصناف الحلوى
ويقال إن هذه الحلوى جاءت تسميتها اثر ولادة أميرة بنت أحد الملوك الذي أقام الأفراح احتفاء بها، وتم توزيع أنواع من السكريات، لاسميا أولاً بـ»سكر نبات» وبـ»سكر القصب»، لتستقر التسمية فيما بعد بـ»غزل النبات».
أبو أسعد مرتضى يملك عربة خشبية لبيع «غزل البنات»، احترف هذه المهنة منذ 15 سنة، ينادي على غزل البنات و»غزل الصبيان» لجذب الزبائن، عن هذه الحلوى يقول «كنت صغيراً حين ورثت هذه «الصنعة» عن والدي، الذي أحب هذه المهنة بشغف، فبدأت أساعده في تصنيع «غزل البنات» أيام الثمانينيات، والآلة كانت يدوية وحاليا أصبحت تعمل على الكهرباء. ففي الحالة الأولى، كان نتاج الغزل بطيئاً جداً، وفي الثانية سريعاً والكمية أكبر، إلا أن الطفل كان يجد متعة وهو ينتظر «غزلته» تخرج من الماكينة خيطاناً زهرية وصفراء، وكأن القطعة أعدت له».
حول مكوّنات حلوى «غزل البنات»، يقول مرتضى إن لغزل البنات عدة أصناف، أشهرها الحمراء وهي كناية عن صبغة ونكهة (ماء الورد وفانيليا) وسكر، وتوضع في أكياس بلاستيكية وبيضاء وهي كناية عن طحين محمص وسكر، وطريقة الصنع تقضي بتسخين الطحين لتفادي الرطوبة، حيث يخلط مع السكر المغلي في مكان معزول عن الهواء، بعدما تصب الخلطة في قوالب حديدية، لتقطع فيما بعد يدوياً وبأشكال منمقة ومتساوية، وتعلّب في علب بلاستيكية مزينة بالفستق الحلبي.
وعن إمكانية التطوير لهذا الصنف من الحلوى، يقول مرتضى «غزل البنات» ليس بحاجة إلى مصانع كبيرة، بل إلى مكان صغير يتسع للآلة فقط، ويبقى الأساس للعمل اليدوي الذي يستلزم ساعات عدة، وهو بحاجة إلى جهد وتعب لكي يكون النتاج نظيفاً وذا نكهة طيبة، ومن أجل جذب الأطفال لكل جديد في غزل البنات».
ويشير إلى أن الكثيرين يستخفون بهذه الصناعة، و ان العديدين جربوا التعاطي فيها، إلا أن معظمهم فشل في الاستمرارية، لأن «غزل البنات» حلوى حساسة جداً وبحاجة إلى عناية ورعاية في عملية التحضير، فمن لا يملك الخبرة والمهارة اليدوية لن ينجح فيها لأنه يتطلب مهارة. ويبين أن الأشكال الحالية لـ«غزل البنات» وبعد التحسينات التي دخلت عليها، أخذت تصاميم الألعاب والحيوانات والسلالم، تمت صناعة «سكر عنبر»، أخذت أشكال شعيرات طويلة، تتألف من السكر والماء والأصبغةالملونة
ابو النون