بغداد/ سها الشيخلي
عدسة/ أدهم يوسف
وتقول (نيويورك تايمز) إن الاعتداء بضرب عميد كلية وحوادث أخرى مشابهة في الشهور الماضية، تمثل تهديداً تربوياً قد يضطر هذا البلد المنهك إلى مواجهته، ألا وهو تفشي تزوير الشهادات. ففي العام الماضي،
كشف تحقيق أجراه البرلمان عن وجود ما يزيد على 5 آلاف مسؤول حكومي كذبوا بشأن تعليمهم الجامعي، ومن بينهم وزراء وأعضاء في البرلمان، ويفتقر كثير من الباحثين إلى وظائف لدى الحكومة المعاد صياغتها، إلى الشهادات الملائمة، إلا أنهم كانوا قادرين على استغلال واقع هو أن كثيرا من سجلات الوثائق الرسمية العامة قد تعرضت إلى التدمير، في أعقاب سقوط نظام صدام.
ومن دون وجود سجلات كافية عن الذين يحملون شهادات، ومن أي مدرسة صدرت، راح كثير من العراقيين يمارسون ضغوطا على مسؤولي المدارس، من اجل توقيع وثائق تؤيد أنهم تخرجوا من مدارس لم يدخلوها على الإطلاق.
وقاومت بعض إدارات المدارس الضغوط من اجل إصدار وثائق مزيفة وشهادات، ومثل ما جرى للدكتور العيساوي، فقد تعرض بعضها إلى تهديدات. في أثناء هذا الوضع، راحت حكومة ما بعد صدام تملأ شواغرها بموظفين غير مؤهلين، كثير منهم لم ينهوا مرحلة الدراسة الابتدائية، وقالت عالية نصيف، عضو البرلمان التي تعمل في لجنة النزاهة: إن"هذا من أكبر أسباب عدم تقدم العراق."
وتقول الصحيفة الأميركية: إن تزوير الشهادات والوثائق الدراسية، تفشى إلى حد دعا البرلمان إلى النظر في تشريع من شأنه أن يقضي بإصدار أحكام سجن تتراوح ما بين 6 و12 سنة بحق من يكذب بشأن مستواه التعليمي.
وفي هذا الإطار كشف مكتب المفتش العام في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن أن عدد الوثائق الدراسية المزورة المكتشفة بلغ 4790 وثيقة ونحو 700 شهادة معادلة مزورة ، فيما أعلن اعتماد إجراءات جديدة للحد من ظاهرة التزوير،وأن المكتب مستمر بعمليات تدقيق الوثائق والشهادات الدراسية الصادرة عن داخل البلاد أو خارجها، لكشف حالات التزوير والحد منها ،وأن العدد الإجمالي للوثائق الدراسية التي قدمها الطلبة للقبول في الكليات والمعاهد لعام 2010 بلغ 4790 وثيقة مزورة، فيما بلغت الوثائق المزورة المقدمة لأغراض التعيين 1898، وهناك الآلاف من الطلبة مشكوك بصحة صدور وثائقهم الدراسية ولفت المكتب إلى انه تم الكشف عن تقديم احد موظفي مكتب المفتش العام وموظف آخر في مكتب الوكيل العلمي لوزارة التعليم العالي يحملان شهادتين مزورتين.. وان من بين 44 شهادة معادلة صادرة عن دولة قطر تبين أن 41 شهادة منها مزورة وثلاثاً صحيحة فقط! فيما بلغت نسبة التزوير في الشهادات الصادرة عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ما يقرب من 99 بالمئة.
وكشف رئيس هيئة النزاهة المقال رحيم العكيلي أرقاما مخيفة عن حجم التزوير الحاصل في الدولة العراقية مما يعني أن هناك كارثة ستحدث مستقبلا بعد أن تم تهميش أصحاب الشهادات العالية والمتفوقين من الطلبة وهجر الملايين منهم في زمن النظام السابق والعهد الجديد وما زالوا في المهاجر يعانون شظف العيش ومآسي الغربة في الوقت الذي يتمتع الجهلة والمزورون بخيرات العراق بل انضموا إلى قافلة اللصوص، فهم لصوص من عدة أوجه ! ومن المتوقع أن تصل أعداد أسماء مزوري الشهادات التي ستصدرها الهيئة لاحقاً إلى عشرة آلاف اسم. وتابع بأن الهيئة في هذا الوقت تقوم بالتحقيق الأولي في قضية ضبط عشرة آلاف شهادة مزورة أخرى فيما لا تزال عشرات الآلاف من الشهادات المزورة لم تمتد لها يد، ومزوروها وصلوا إلى مناصب رفيعة وساهموا في ملف الفساد الإداري والمالي .
ومن حق المواطن أن يتساءل ما هي الإجراءات المتخذة بحق المزورين، وهل جرت محاسبتهم عن جريمتهم هذه واستيفاء ما حصلوا عليه من رواتب وامتيازات دون وجه حق؟ ولماذا السكوت عنهم والتجاوز على القانون الذي أقرت نصوصه العقوبات الرادعة لهؤلاء؟!،هل هي محاولة لابتذال أصحاب الشهادات العلمية ويصبح الأصيل والدخيل سواسية ولا يعلم أحد من هو صاحب الشهادة الحقيقية أو الشهادة المزورة،أم أن الأمر يهدف إلى مسخ الشهادة العلمية والاعتماد على المزورين والمحتالين في بناء دولة المؤسسات؟!، احد أساتذة الجامعة الذي يحمل درجة (بروفسور) قال انه لا يستطيع التعايش مع أجواء علمية مشكوك في مستواها العلمي، وفضل العودة إلى المهجر.
وعندما أردنا التأكد من قاعدة بيانات الجهاز المركزي للإحصاء للحصول على آخر إحصائية بشأن عدد الشهادات المزورة، أكد لنا الناطق الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي عدم وجود إحصائية بذلك لان موضوع تزوير الشهادات لا علاقة له بوزارة التخطيط .
فيما كشف احد موظفي هيئة النزاهة أن هناك إحصائيات سابقة وأخرى لاحقة تنشرها الهيئة حول تزوير الشهادات الدراسية، إضافة إلى إعدادها ملفات قسمت إلى ثلاثة أقسام لكبر حجمها وهي:
الأول : شمل قائمة بأسماء الموظفين الذين ثبت تقديمهم وثائق دراسية مزورة في الوزارات والهيئات العراقية وبلغ عدد الأشخاص المزورين 2756 مزوراً، من موظفي الدولة واغلبهم لم يتم اتخاذ إجراءات ضدهم.
الثاني: شمل قائمة بأسماء الطلاب وبعدد 148 طالباً في مختلف الجامعات العراقية أو المدارس.
الثالث: شمل قائمة بأسماء مرشحين لانتخابات مجالس المحافظات وبلغ العدد 96 مرشحاً.
القائمة تطول، والغريب في الأمر أنه لا يوجد مكان يخلو من التزوير في كل الوزارات والهيئات والمؤسسات، ولكن من المعيب أن يكون المزور معلماً مثلا فماذا نتوقع منه ، وكيف سيربي النشء الجديد؟، وماذا نرجو من صيدلي زوّر شهادته وهو الذي يعطي الدواء للمرضى؟
فبحسب إحصاءات لديوان الرقابة المالية لسنة 2010 تم اكتشاف أكثر من ألف شهادة مزوّرة في مديرية واحدة تابعة لوزارة التربية.
المفتش العام للتربية
المفتش العام لوزارة التربية الدكتور مظفر ياسين نفى في تصريح خص به المدى أن تكون في مديرية واحدة ألف شهادة مزوّرة وقال: الرقم مبالغ فيه، مع العلم أننا وجدنا أرقاما لشهادات مزورة في بعض الدوائر التابعة للوزارة يفوق هذا العدد،وطالبنا ياسين بأن نذكر له اسم المديرية تلك، وأكد نحن جادون في الوقت الحاضر على أن لا يتعين أي موظف أو معلم أو مدرس إلا بعد التأكد من صحة صدور شهادته، وإجراءاتنا مستمرة في كشف المزورين للسنوات السابقة بالرجوع إلى صحة صدور لشهادات الجميع، وتم إقصاء من ثبت تزويره لشهادته أو وثيقته، واعتبر ياسين المزور شخصا غير مؤهل لتولي أية وظيفة سواء كانت في التعليم أو في الدوائر الأخرى التابعة للوزارة.
واتهم احد المسؤولين في وزارة التربية بعض الجامعات الأهلية بتعاونها مع المزورين، فهي لا تصدر كتبا رسمية لوزارة التربية لغرض تصديق صحة صدور تلك الشهادات أو الوثائق.
التزوير في المحافظات
وأظهرت إحصائية لمنظمة التعليم العالمي، وهي منظمة دولية لها مقر في بغداد داخل المنطقة الخضراء، أن نسبة تزوير الشهادات في محافظات العراق خلال عامي 2009-2010 احتلت فيها محافظة البصرة المركز الأول بواقع تزوير نسبته 19%، تلتها العاصمة بغداد بفارق نصف درجة، وكانت اقل المحافظات نسبة هي محافظة المثنى التي بلغت نسبتها 2%.
وتزوير الشهادات العلمية غير مقتصر على وزارة واحدة، فبين الحين والآخر تعترف إحدى الوزارات باكتشاف أعداد غير قليلة من الشهادات المزورة، لكن العقوبات التي تطال هؤلاء المزورين غير كافية لردع الآخرين من القيام بالعمل نفسه، سعيا للحصول على الامتيازات.
تهديد البنية التحتيّة
عضو لجنة النزاهة البرلمانية في مجلس النواب عثمان الجحيشي قال في تصريح للمدى: إن تزوير الشهادات يشكل ظاهرة خطيرة تهدد البنية التحتية في العراق كما يهدد المستوى العلمي عموما، وأوضح: أن هناك مؤشرات لوجود تزوير شهادات لأعضاء الجمعية الوطنية في دورتها السابقة، ومن اللافت للنظر أن بعض كبار موظفي الدولة وفي مؤسسات حساسة هم مع الأسف من المزورين ، وحدث التريث في تطبيق قوانين ضدهم، لأن الكتل السياسية تضم عناصر من المزورين، وحدثت المماطلة والتسويف لحمايتهم والتنصل عن متابعة هذا الملف بانتظار صدور العفو العام، والذي ألصق به كتاب صغير يشير إلى العفو عن مزوري الشهادات، وتمت القراءة الأولى لقانون العفو العام، الذي رفضه من قبل مجلس النواب ، ونحن كلجنة نزاهة رفضناه جميعا وتم تأجيله إلى قراءة ثانية، وإذا أصرت الكتل السياسية، فيجب إدخال فقرات على القانون منها، إن منصب مدير عام فصعودا وهم (وكيل الوزارة، المفتش العام، الوزير) لا يشمل بقانون العفو، وشمل العفو فقط مزوري الشهادات الابتدائية والمتوسطة، وهؤلاء يمثلون شريحة كبيرة في المجتمع وخاصة النساء اللواتي يعملن في بعض الوزارات بصفة حارسة أو فراشة ويبقون ضمن وظيفتهم، ومن المنتظر أن قانون العفو العام سوف تتم قراءته الثانية بعد عطلة العيد، وخلص النائب الجحيشي إلى القول إن تزوير الشهادات يخلف الإحباط في نفوس أصحاب الشهادات والكفاءات العلمية، كما يفتح الباب أمام مزورين في المستقبل ، ويتحمل رؤساء الكتل السياسية وتكالبهم على المناصب وزر هذا الأمر المعيب ، فالمزور هو (حرامي) بكل الأعراف .
رأي القانون
الخبير القانوني المحامي حسن شعبان أشار إلى أن ظاهرة التزوير قد ازدادت بعد سقوط النظام بشكل كبير نتيجة للفوضى وتشابك القضايا وغياب القانون ، والظاهرة بحد ذاتها بعرف القانون تدرج ضمن قضايا تزوير المستندات الرسمية ، وقد عاقب عليها القانون بشكل صريح وواضح بالسجن لمدة 7 سنوات، وإذا كانت جريمة التزوير تطال أطرافا عديدة، فقد تكون العقوبة 15 سنة، لذا فان المشرع غير مقصر ، كما لا وجود للغرامة في عقوبة التزوير، وعن إدراج العفو عن المزورين ضمن قانون العفو الجديد، أوضح المحامي شعبان لا وجود مبرر لتشريع قانون جديد، أما أن تكون هناك قضايا عدة للتزوير، فعلى مجلس القضاء الأعلى البت فيها وبشكل سريع، والعفو عن المزورين شكل آخر لا علاقة له بالعقوبة المنصوص عليها في القانون، ذلك لأنه يتعلق بالمجتمع سواء كان العفو خاصا أم عاما.
دراسة 1300 ملف
أكد رئيس لجنة النزاهة في مجلس محافظة بغداد الدكتور عباس الدهلكي أن اللجنة قد دققت في شهادات ووثائق كل أعضاء مجلس محافظة بغداد، وثبت تزوير صحة صدور لوثائق وشهادات بعض الأعضاء في المجلس، وتمت إحالتهم إلى هيئة النزاهة وعملنا (الحديث ما زال للدكتور الدهلكي) على تدقيق صحة صدور الوثائق والشهادات للأعضاء المنتخبين لعام 2006 والذين شملوا بوجوب أن يكون العضو حاصلاً على شهادة دراسية، أما الأعضاء لعام 2004 فلم تكن هناك مطالبة بالشهادة الدراسية في حينها، وقمنا بمفاتحة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي / مكتب المفتش العام للتأكد من صحة صدور الشهادات الدراسية للأعضاء الحاليين، ونعمل الآن على دراسة 1300 ملف خاص بأعضاء المجلس، وكذلك نعمل عن طريق وزارة التربية / مكتب المفتش العام للتأكد من صحة صدور الشهادات لجميع الأعضاء ، وقد شمل القانون الذي سيناقش من قبل مجلس النواب قريبا كل الدرجات ابتداءً من مدير عام فما فوق، وهؤلاء غير مشمولين بالعفو، وأكد الدهلكي أن مصلحة البلد تقتضي كشف المزورين وان اللجنة بكل أعضائها ترى أن التزوير جريمة يجب أن يعاقب عليها مرتكبوها، ونحن من المعارضين للعفو عن المزورين مهما كانت درجتهم وأسباب تزويرهم للشهادة، ذلك أن المزور قد احتل مكانة ودرجة شخص أكثر منه كفاءة وخبرة، وهذا لا يجوز في كل الأعراف العفو عنه . "مريدي" أشهر أسواق التزوير في العراق
سوق التزوير في بغداد المعروف باسم "سوق مريدي" يضم عشرات المزورين المحترفين الذين يغيرون أختامهم طبقا لما يحدث في الدوائر الرسمية. ويتعامل الكثيرون منهم مع موظفين داخل الدوائر لختم الشهادات والوثائق مقابل دفع مبالغ مجزية لهم.
آلية الكشف عن الوثيقة الصادرة عن الجامعات والمعاهد العراقية بحسب المصادر تكمن في إرسال كتاب رسمي من مكتب المفتش العام في الوزارة إلى الجامعة التي تخرج منها الموظف الحكومي ويتم فيه الاستفسار عن الوثيقة طبقا للرقم والتأريخ المدون عليها.
وتختلف الشهادات المزورة عن الحقيقية في كونها تحمل تاريخ صدور ورقماً وهمياً غير مدون في سجلات الجامعة، والشيء الوحيد الحقيقي في تلك الشهادات هو الختم الذي وسمت به.
وطبقا للمصادر، فإن هذه الآلية غالبا ما تكشف مثل هذا التلاعب، إلا أن العملية تتأخر لشهور بسبب الإجراءات الروتينية، أما الشهادات الصادرة عن خارج البلاد، فهي المعضلة الأصعب في الموضوع.
إذ أن "الكشف عنها بات أمرا مستحيلا بسبب تزويرها بطريقة قانونية لا تحتمل الشك، فضلا عن عدم تجاوب المؤسسات التعليمية خارج البلاد مع الكتب الرسمية التي توجهها هيئة النزاهة ورفضها الإجابة على الكثير منها".
وتشكل الوثائق الدراسية الصادرة عن إيران، الجزء الأكبر من تلك المشكلة. إذ أن الآلاف من أعضاء الأحزاب الدينية من عاشوا في المنفى الإيراني يحملون شهادات ووثائق دراسية صادرة عن مؤسسات تعليمية إيرانية، بعضها مرتبط بالجامعات والحوزات الدينية في مدينة قم، وبعضها الآخر مرتبط بجامعات إيرانية غير معترف بها في وزارة التعليم العالي العراقية.
ويأتي في المرتبة الثانية الشهادات المزورة الصادرة عن جامعة الأزهر وجامعات أخرى إنسانية ودينية في لبنان ودول المغرب العربي والخليج والهند وباكستان.
وتقضي قوانين التعليم العالي في العراق بمعادلة الشهادات الصادرة عن خارج البلاد، شرطا للاعتراف بها، وتتضمن عملية معادلة الشهادة الاطلاع على قوانين الدراسة في الجامعة التي منحت الشهادة، وقد يطلب من حامل الشهادة أداء امتحان فعلي في مادة ما غير مذكورة ضمن المنهج الدراسي في تلك الجامعة التي منحته الشهادة، ثم يمنح الطالب قرارا بمعادلة شهادته واعتراف الوزارة بها.