السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعزائي، هنا ستجدون مختارات من نصوص الشاعر احمد مطر الساخرة
سأسطرها على شكل ردود
اعلم بأن المواضيع طويلة نسبيا، لكن اقرؤوها تعجبكم
وبالطبع، ستسعدني مشاركاتكم
محبتي لكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعزائي، هنا ستجدون مختارات من نصوص الشاعر احمد مطر الساخرة
سأسطرها على شكل ردود
اعلم بأن المواضيع طويلة نسبيا، لكن اقرؤوها تعجبكم
وبالطبع، ستسعدني مشاركاتكم
محبتي لكم
التعديل الأخير تم بواسطة Heavy-Rain ; 1/July/2014 الساعة 10:19 am
فيلم واقعي
قرّر كاتب السيناريو أن يصنع فيلماً واقعياً حقاً . وقرر الناقد السينمائي أن ينقد السيناريو نقداً واقعياً حقاً .
جلس الكاتب، وجلس الناقد .
الكاتب: (منظر خارجي - نهار: الموظف يحمل أكياس فاكهة، واقف يقرع باب بيته)
الناقد: بداية سيئة. في الواقع، ليس هناك موظف يعود إلى بيته نهاراً. لا بد له أن يدوخ الدوخات السبع بين طوابير الجمعيات ومواقف الباصات، فإذا هبط المساء وعاد إلى بيته - إذا عاد في هذا الزمن المكتظ بالمؤامرات والخونة - فليس إلاّ مجنوناً ذلك الذي يصدّق أنه يحمل أكياس فاكهة !
الواقع انّه مفلس على الدوام. وإذا تصادف انه أخذ رشوة في ذلك اليوم، فالواقع أن الفاكهة غير موجودة في السوق .
الكاتب: (منظر خارجي - ليل: الموظف يقف ليقرع باب بيته) .
الناقد: هذا أحسن..وإذا أردت رأيي فالأفضل أن تُزوّدهُ بمفتاح. لا داعي لقرع الباب في هذا الوقت . انت تعرف أن قرع الباب - في هذا الزمن المليء بالمؤامرات والخونة - يرعب أهل الدار ويجعل قلوبهم في بلاعيمهم. الموظف نفسه لن يكون واقعياً إذا فعل ذلك بأهله كلّ يوم. نعم..يمكنك التمسّك بمسألة قرع الباب، على شرط أن تبدل الموظف بشرطي أو مخبر .
الكاتب: (منظر خارجي - ليل:الموظف يضع المفتاح في قفل باب بيته ويدخل ..) لكن يا صديقي الناقد، ما ضرورة هذا المنظر؟ إنه يستهلك ثلاثين متراً من الفيلم الخام بلا فائدة. لماذا لا أضع الموظف في البيت منذ البداية ؟
الناقد: هذا ممكن، لكن الأفضل أن تُبقي على هذا المنظر. فالواقع ان جاره يراقب أوقات خروجه وعودته، وإذا لم يظهر عائداً، وفي نفس موعد عودته كل يوم، فإنك تفترض أن تقرير الجار سيكون ناقصاً. وهذا في الواقع أمر غير واقعي، بل ربما سيدعو الجار إلى اختلاق معلومات لا أصل لها .
الكاتب: (منظر داخلي - متوسط: الموظف يخطو داخل الممر...)
الناقد: خطأ، خطأ .. ينبغي أن يدخل مباشرة إلى غرفة النوم .
الكاتب: لكنَّ هذا غير واقعي على الإطلاق !
الناقد: بل واقعي على الإطلاق. أنت غير الواقعي. إنك تفترض دخول الموظف إلى بيت، وهنا وجه الخطأ. الموظف عادةً يدخل إلى وجر كلاب. نعم. هذا هو الواقع. البيت غرفة واحدة تبدأ من الشارع..دعك من أدونيس، البيت ثابت لكنّه متحوّل. فهو غرفة النوم وهو المطبخ وهو حجرة الجلوس وهو الحوش .
الكاتب: (منظر داخلي - قريب: الموظف يخطو على أجساد أولاده النائمين - تنتقل الكاميرا إلى وجه الزوجة وهي تبدو واقفة وسط البيت "كلوزآب" تبدو الزوجة مبتسمة، وعلى وجهها امارات الطيبة...
الزوجة: أهلاً.. أهلاً.. مساء الورد)
الناقد: إقطع.. بدأت بداية حسنة لكنك طيَّنتها. في الواقع ليس هناك زوجات طيبات، والزوجات أصلاً لا يبتسمن، خاصّة زوجات الموظفين..ثم ماهذا الحوار الذي مثل قلّته؟ مَن هذه التي تقول لزوجها أهلاً ثم تكرر الأهلاً ثم تشفع كل هذا بمساء الورد ؟!
أيّة واقعيّة في هذا ؟ دعها تنهض من بين أولادها نصف مغمضة، مشعثة الشعر، بالعة نصف كلامها ضمن وجبة كاملة من التثاؤب.. ثم اتركها تولول كالمعتاد..
(الزوجة: هذا أنت؟ إييه ماذا عليك؟ الأولاد ناموا بلا عشاء، وأنت آتٍ في هذه الساعة ويداك فارغتان . مصيبتك بألف ياسنيّة..)
الكاتب: انظر ماذا فعلت..لو تركتني أزوّده بكيس واحد من الفاكهة على الأقل، لما اضطرَّ إلى مواجهة أناشيد سنيّة .
الناقد: زوّده يا أخي. لكنك لن تكون واقعياً. ثم أن أناشيد سنيّة لن تنقص حرفاً واحداً..بل ستزيد. إن كيس الفاكهة ليس حذاءً جديداً لابنته التي تهرّأ حذاؤها، ولا هو مصروفات الجامعة لابنه الأكبر، ولا أجرة الرحلة المدرسية التي عجز ابنه الأوسط عن دفعها حتى الآن .
الكاتب: يصعب بناء الحبكة المشوّقة بوجود مثل هذه المشاكل التي لا حلَّ لها في الواقع .
الناقد: اجتهدْ..حاول أن تتخلّص من أولاده قبل مجيئه .
الكاتب: إنهم نائمون أصلاً. ماذا أفعل بهم أكثر من ذلك ؟
الناقد: دعهم نائمين..ولكن في مكان آخر. في السجن مثلاً. هذا منتهى الواقعيّة. لا يمكن أن يكونوا في هذا العمر ولم ينطقوا حتى الآن بكلمة معكّرة لأمن الدولة !
الكاتب: وماذا أفعل بسنيّة؟ إنَّ اناشيدها ستكون أشدَّ حماسةً في هذه الحالة .
الناقد: اقتلْها بالسكتة القلبية..من الواقعي أن تموت الأم الرؤوم مصدومةً باعتقال جميع أبنائها دفعةً واحدة .
الكاتب: ماذا يبقى من الفيلم إذن ؟!
الناقد: عندك الموظف .
الكاتب: ماذا أفعل بالموظف ؟
الناقد: لا تفعلْ أنت..دَعْ جاره يفعل . تخلّصْ من الجميع بضربة واحدة. الزوجة في ذمّة الله، والموظف وأولاده في ذمّة الدولة. ونصيحتي أن تقف عند هذا الحد. فإذا فكّرتَ أن تذهب أبعد من هذا فستلحق بهم .
الكاتب: كأنّك تقول لي ضع كلمة (النهاية) في بداية الفيلم . أيُّ فيلم هذا؟ لا يا أخي، دعنا نواصل حبكتنا كما كنا، وبعيداً عن السياسة .
الناقد: كما تشاء . واصل .
الكاتب: (كلوز - وجه الزوجة وهي غاضبة)
(الزوجة: هذا أنت؟ إييه ماذا عليك؟ الأولاد ناموا جائعين، وأنت آتٍ كالبغل في مثل هذه الساعة ويداك فارغتان كقلب أمِّ موسى. مصيبتك سوداء يا سنيّة)
(قطع - الكاميرا على وجه الزوج - يبدو هادئاً)
( الموظف: ماذا أفعل يا عزيزتي؟ هذا قدرنا. الصبر طيّب. نامي يا عزيزتي. الصباح رباح)
الناقد: هراء..هذا ليس موظفاً. هذا نبي ! بشرفك هل بإمكانك أن تتحلّى بمثل هذه الرقّة حين تختتم يومك الشاق بوجه سنيّة؟ إنقل الكاميرا إلى وجه الموظف . كلوز رجاءً ، حتى أريك كيف تكون الواقعيّة...
(الموظف حانقاً يكاد وجهه يتفجّر بالدّم: عُدنا يا سنيّة يا بنت ال..؟ أكلّ ليلة تفتحين لي باب جهنم؟ ألا يكفيني يوم كامل من العذاب؟ تعبت يا بنت السعالي. تعبت. إذهبي إلى الجحيم(يصفعها)إذهبي.. أنتِ طالق طالق طالق. طالق بالألف. طالق بالمليون ..هه)
(الزوجة تتسع عيناها كمصائب الوطن العربي، أو كذمّة الحكومات. وتصرخ: وآآآآي.. وآآآآي)
(الكاميرا تنتقل إلى الأولاد. يستيقظون مذعورين على صوت امهم الحنون. يصرخ الأولاد. يزداد صراخ الموظف. قرع على الباب ولغط وراءه. تنتقل الكاميرا إلى الباب لكنها لا تلحق، الباب ينهدم تحت ضغط الجيران، وتمتلئ الغرفة بهم، ويتعلّق بعضهم بالمروحة لضيق المكان. ضجة الجيران تعلو.أحد الجيران - ولعلّه الذي يكتب التقارير - يحاول تهدئة الموقف)
(الجار: ماذا حصل؟ ماذا حصل يا أخي؟ ماذا حصل يا أختي ؟
الموظف: لعنة الله عليها .
الجار: تعوّذ من الشيطان..ماالحكاية ؟
الزوجة: هووووء . طلَّقَني..بعد كلِّ المرّ الذي تحمّلته منه، طلّقني .
الجار: لا. انت عاقل يا أخي. ليس الطلاق أمراً بسيطاً .
الموظف: أبسط من مقابلتها كلّ يوم. لعنة الله عليها .
الزوجة: إسألوه يا ناس..ماذا فعلتُ له؟
الموظف: انقبري .
الجار: لكل مشكلة حل يا جماعة .
الموظف: لا حل .
الزوجة: يا ناس. يابني آدم. هل هي جريمة أن اقول له لا تشتم الرئيس ؟!
(الجار فاغر الفم والعينين..يحدّق في وجه الموظف..إظلام)
الكاتب: وبعد ؟!
الناقد: ليست هناك مشكلة.. بعد إعدام الزوج، سيمكن الزوجة أن تعمل خادمةً لتعيل أولادها قبل إلقاء القبض عليهم في المستقبل . تصرَّفْ يا أخي. دع أحداً من الأولاد يترك الدراسة ليعمل سمكريّاً. أدخله في النقابة وعلّمه كتابة التقارير. أو دعه يواصل دراسته، لكن اجعل اخته تنخرط في الإتّحاد النسائي. بحبحها يا أخي. كل هذه الأمور واقعية .
الكاتب: واقعية تُوقع المصائب على رأسي.. أيّة رقابة ستجيز هذا السيناريو ؟!
الناقد: إذا أردت الواقع..أعترف لك بأنَّ الرقابة لن توافق .
الكاتب: ما العمل إذن ؟
الناقد: الواقعيّة المأمونة هي ألاّ يعود الموظف، ولا توجد سنيّة وأولادها، ولا يوجد البيت .
الكاتب: هذا أفضل .
يرفع الكاتب يده عن الدفتر..ويرفع الناقد لسانه عن النقد .
***
في اليوم التالي.. يرفع الكاتب رجليه على الفلقة، ويرفع الناقد رجليه على المروحة .
في هذا الزمن المليء بالمؤامرات والخونة.. كلُّ شيء مُراقَب!
للحقـيقـة أكثـر مـن وجـه
--------------------
في ليلة من الليالي...
لحظة واحدة..كان بمستطاعنا - في الحقيقة - أن نقول (في ليلة من ا لصباحات)، فالكلام ملك أيدينا، ولا سلطة لأحد علينا، إذا أردنا تفجير اللغة قرباناً للتفاؤل . لكنَّ المشكلة - في الحقيقة - هي أن ا لصباحات لدينا لا تختلف عن الليالي .
نعود إلى القول إنه في ليلة من الليالي، خرج ثلاثة رجال للبحث عن الحقيقة .
وإنصافاً للحقيقة، نقول إنهم خرجوا للبحث عن الحقيقة في بلادنا بالذات، لأنها البلاد الوحيدة التي لم تكن تعرف الحقيقة .
ولمّا كان الظلام حالكاً، فقد تاه الرجال الثلاثة :
واحد منهم سقط في بئر، وذلك لأنه -في الحقيقة- لم يكن يحمل فانوساً . ويحسن بنا الإ نتباه إلى أن الرجل كان يملك فانوساً، لكنه لم يكن يملك نفطاً وسبب ذلك هو أزمة النفط في بلادنا !
أمّا الرجل الثاني فقد ز لق في طين أحد البساتين، فوقع على وجهه، وحين تمالك نفسه واستطاع أن يقف من جديد، لم ينسَ أن يقتلع معه شيئاً مكوّراً وبارداً، كان يستقر بين بطنه وبين الطين .
هو - في الحقيقة - لم يكن يعرف أين وقع، لأنه، هو أيضاً، لم يكن يحمل فانوساً، لغلاء النفط كما ذكرنا، ولأنه، من شدة جوعه لم يكن يحمل رأساً، وذلك - في الحقيقة - لغلاء الطعام، كما لم نذكر.
وعندما طلع الصباح، كان الرجل الأول قد وصل إلى مبنى البلدية يقطر زفتاً..أما الرجل الثاني فقد وصل بعده وهو يحمل بطيخة .
لكنَّ الرجل الثالث لم يصل إلاّ بعد ساعات من انعقاد المجلس البلدي .
لم يكن يقطر زفتاً ، ولم يكن يحمل بطيخة .
سأله رئيس البلدية : ماذا وجدت ؟
أطبق عينيه من فرط التعب، وزفر قائلاً : (لا شيء ) .
عندئذ أطرق رئيس البلدية قليلاً، ثم رفع رأسه ببطء، وأعلن بمنتهى الهدوء والحسم : معنى هذا، أيها الأخوة، أن للحقيقة أكثر من وجه . ومنذ ذلك الوقت، نشأت في بلادنا ظاهرة التحزب .
المؤمنون بحقيقة الأول شكّلوا حزباً للزفت..ومنهم تكوّنت الحكومة .
والمؤمنون بحقيقة الثاني شكّلوا حزباً للبطيخ..ومنهم تكونت المعارضة .
أمّا المؤمنون بحقيقة الثالث فقد شكّلوا حزباً محايداً، جيبه يستعطي الزفت، وقلبه يتعاطى البطيخ، ورأسه يعطي ( اللاشيء ) .
ومن هؤلاء تكونت ( الحداثة )!
يحـدث في بـلادنـا
-------------
* ضبـط إيـقاع :
تعلّمتْ أختي العزف على الكمان، وتعلّمتُ أنا العزف على العود . كانت أمّي تعزف على الرِّق بمهارة، وكان أبي طبالاً مرموقاً .
توسّلت إلينا المعارضة أن ننضم إلى صفوفها، حيث أن مواهبنا ضرورية جداً لمواكبة الرّقص على الحبال .
وفي الوقت نفسه توسلت إلينا الحكومة أن ننضم إلى صفوفها، حيث أن مواهبنا ضرورية جداً لمواكبة القانون .
ولا نزال في حيرة شديدة..
ما أشد حيرة أصحاب المواهب في هذا البلد المحب للفن !
* مجاملـة :
دعاني صديقي إلى العشاء، ا مس، وقدّم لي طبقاً فارغاً .
ولمّا كانت الأصول في بلادنا تقضي بردِّ الدعوة، فإنني دعوته إلى الغداء عندنا، هذا اليوم، دون أن يكون في نيّتي أن أقدّم له طبقاً فارغاً كما فعل..ذلك لأن تراثنا العائلي لا يسمح لنا باقتناء الأطباق !
لم أدر ماذا أصنع..كان الموقف محرجاً جداً..ولكي أحفظ ماء وجهي، استقبلت صديقي عند الباب بابتسامة عريضة، وصافحته بحرارة..ثم طردته فوراً .
أغلقت الباب وراءه، ثم ازدردتُ، بشهيّة، حلاوة ابتسامتي، ورحت ألعق من أصابعي حرارة المصافحة !
* ما نتعلّمه من الدنيا :
في إحصاء السكان الماضي كانت أسرتنا تتكوّن من عشرة أشخاص .
وفي الإحصاء الأخير قامت الدولة بحذف الصِّفر من العشرة !
أنا الواحد المتبقّي سأعدم بعد يومين، أمّا الصفر المحذوف فقد أُعدموا لأنهم، قبل القبض عليَّ، لم يُبلّغوا السلطة بأني خائن .
حتى الآن أستطيع القول ا نَّ العمر لم يذهب دون فائدة..لقد تعلّمت من الدنيا أنَّ الصفر في بلادنا يُساوي تسعة .
ولا ريب عندي في أن الناس، بعد إعدامي، سيتعلّمون من الدنيا أنَّ العشرة في بلادنا تساوي صفراً .
شكراا للمجهود
قـضـيـّة دعـبـول
---------------
استلقى "دعبول" على الأرض، وشرع في تقويس ظهره ببراعة لاعب " يوغا"..وظل يتدرج في تقوّسه شيئاً فشيئاً، حتى تم له في النهاية أن يُطبق رجليه على فمه .
وحالما استكمل شكله الدائري، فتح شدقيه بشهية بالغة، ثم ابتلع نفسه .
***
ولأن العالم أصبح قرية صغيرة، فإن الخبر وصل إلى القطب الشمالي، حتى قبل أن يصل إلى "دعبول" نفسه !
جاءت، على الفور، وفود من شتى أنحاء العالم، واكتظ بيت دعبول على اتساعه بالصحافيين وعدسات التصوير وكاميرات التلفزيون وميكروفونات الإذاعات ولجان الحقوق المختلفة، حتى دعت الحاجة إلى تعطيل حركة المرور..ذلك لأن بيت دعبول هو رصيف الشارع العام .
كانت أنظار العالم كلها مصوبة إلى دعبول..وكان دعبول كلّه عبارة عن كرة مبهمة راقدة بسكون وسط الضجة العارمة .
***
صرخت مندوبة الجمعية العالمية للدفاع عن حقوق الأحذية :
من حق هذا المتوحش أن يفعل بنفسه ما يريد، لكن ليس من حقه أن يبتلع الأحذية المسكينة..إنني أطالبه، باسم جمعيتنا الموقرة، بأن يطلق سراح الفردتين حالاً..من غير نقصان نعل أو مسمار .
***
وفي تلك الأثناء أصدر صندوق النقد الدولي احتجاجاً شديد اللهجة على هذا العمل الوحشي الجبان..وقال ناطق طلب عدم ذكر اسمه أن وراء احتجاج الصندوق أسباباً تنافسية، لكنه لم يُعطِ توضيحات أكثر .
***
وأصدر رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الأزرار بياناً استنكر فيه العمل البربري الذي قام به دعبول، وركز على ضرورة إنقاذ الأزرار بأسرع وقت ممكن، كما ناشد الضمير العالمي الوقوف وقفة حازمة بوجه مثل هذه الأعمال اللا مسئولة . وختم بيانه بالقول : إننا نحترم رغبة هذا الدعبول في ابتلاع قميصه وبنطلونه، بل وحتى حذائه..لكن ما ذنب هذه الأزرار الصغيرة المغلوبة على أمرها، والتي لا تستطيع النطق أو الدفاع عن نفسها بأية وسيلة ؟!
***
وفي كوالا لمبور..أعدمت السلطات رجلاً حاول أن يقلِّد دعبول..وقال مسئولون إنَّ هذا العمل يُعطي صورة بشعة للغربيين عن تخلّف سكان آسيا، وذلك حين يشاهدون واحداً منا وهو يأكل نفسه دون استعمال الشوكة والسكّين !
***
وأدلى مندوب جمعية الدفاع عن المصارين بحديث لإذاعة مونت كارلو، قال فيه إن جمعيته تندد بهذا العمل الآثم..وتطالب دعبول بالخروج حالاً من مصارينه الدقيقة والغليظة على حد سواء .
ومما جاء في الحديث قوله : إنني لم أرَ في حياتي كلها مثل هذه القسوة..ولا أدري كيف تأتّى لهذا البغل أن يخنق هذه المصارين الرقيقة بحشر نفسه فيها ! هل يظن نفسه قالباً من "الآيس كريم" ؟!
***
وناقش البيت الأبيض، في جلسات مطوّلة ما سمّاه ب" دابولز سيتيويشن"..وحذّر من احتمالات أن تعطل هذه المسألة مسيرة السلام في الشرق الأوسط..وأنحى باللاّئمة على بكين، كما حذّر إيران من مغبّة اللعب بالنار .
وفي الوقت نفسه أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بياناً أكّد فيه أن "بلعة دعبول" تعتبر تهديداً صارخاً لأمن إسرائيل .
***
وارتفع سعر الدولار إلى أعلى معدّل له منذ سبع سنوات، فيما انخفضت أسهم نفط بحر الشمال إلى أدنى معدل لها، ولم تتوفر على الفور أية معلومات عمّا إذا كان لقضية دعبول تأثير مباشر في هذا الشأن .
***
وأدلى مندوب لجنة الدفاع عن حقوق الأقمشة بتصريح قال فيه : لا يهمنا نوع قماش قميصه أو بنطلونه..إنها مسألة مبدأ بالنسبة لنا، لا فرق إن كان قميصه من الحرير أو من الخيش..كلُّها في النهاية، أقمشة بكماء ضعيفة لا تحسن الدفاع عن نفسها..وعليه فإننا نطالب هذا الدعبول الأجرب بالإفراج عن قميصه وبنطلونه فوراً .
إن أنظار العالم تراقب معنا، بقلق شديد، معاناة هذه الأقمشة المرتهنة في جوف هذا الأحمق .
***
وأعلن أكثر من فصيل عربي معارض مسؤوليته عن بلع دعبول لنفسه، دون أن يتعرّض أيٌّ منها إلى مسألة بلع الأموال من أيّة جهة كانت..فيما نفت جميع الحكومات العربية أن يكون لها أي دور في مثل هذه(البلعة) .
وعززَّ هذا النفيَ تصريح لدبلوماسي غربي(رفض فقدان عمولاته) حيث قال أن خبرته الطويلة في الشؤون العربية تجعله يعتقد بأن هذا النوع من البلع غير متعارف عليه رسمياً لدى جميع حكومات المنطقة .
***
وأعربت الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق(البنكرياس)عن قلقها البالغ على مصير الغدّة المسكينة، واتخذت بالتعاون مع حركة الدفاع عن حقوق(الأنزيمات)إجراءات فورية لتقديم شكوى عاجلة إلى منظمة(الفيفا)على اعتبار أن دعبول في شكله الكروي الراهن، يدخل ضمن مسؤوليتها .
***
وفيما كان العالم يتابع هذه القضية بذهول وترقّب وقلق..بدا فجأة، أن كرة دعبول قد أخذت تتمدّد..
وعلى حين غرّة، انطلق منها صوت صاعق أقرب ما يكون إلى(تفوووو)..ثم استوى دعبول قائماً على قدميه حافياً عارياً !
بهت الجمهور الغفير..ولمعت فلاشات أجهزة التصوير، وتراكض مندوبوا وسائل الإعلام لتسجيل صورة إفراج دعبول عن نفسه..لحظة بلحظة .
زمجر دعبول : يا أولاد الكلب المحترمين...ما أنا إلاّ جائع ،عارٍ ،مشرّد ،عاطل عن العمل..فماذا أفعل سوى أن آكل نفسي، لأكون أنا طعامي وأنا بيتي ؟!
إنني ضحيّة كل هذه الجهات التي انكرت واستنكرت واحتجت ونددّت ونفت وأعلنت وادّعت وحذّرت، في الوقت الذي كان فمي مغلقاً بجسمي، ولا قدرة لي على الشكوى أو نفي ألا تها مات .
لقد تشرّفت، هذا اليوم، برؤية منظمات للدفاع عن حقوق كل شيء في هذه القرية الصغيرة..وها أنتم ترون أن الأحذية بخير، والأقمشة بخير، والمصارين بخير، والبنكرياس بخير، وإسرائيل بخير..وأنا الوحيد الذي ليس بخير..فلماذا لا أرى، وسط كل هذه القيامة، منظمة واحدة للدفاع عن حقوق دعبول ؟!
ستقولون، يا أولاد الكلب المحترمين، إنَّ الضغط الدولي قد أجبرني على الإفراج عن جسمي .
لا والله .. إنني،ببساطة شديدة، تقيّأت نفسي قَرَفاً من هذا العالم !
***
تقول أنباء غير مؤكّدة إن السلطات أجبرت دعبول على ابتلاع نفسه..عقوبة له لوقوفه عارياً وسط الشارع..الأمر الذي يعتبر خدشاً للحياء العام !