كيف وجدتم اسلوب تفسير من هدى القرآن ؟
ممتاز
جيد
ضعيف
ويل لكل همزة لمزة
بينات من الآيات
[1] كما صفات الخير تتداعى صفات السوء في أصحابها ، لأنها تنبعث من جذر واحد ، و هكذا ترى القرآن الكريم يذكرها معا ، لكي نعرف الناس و نقيمهم على مجمل سلوكهم و ليس ببعض ما تبدر منهم من صفات شاردة و شاذة .
انه الويل واللعنة لكل أولئك الذين يهمزون الناس في وجوههم علوا في الأرض و استكبارا ، و يلمزونهم - إذا غابوا عنهم - إفسادا في الارض و فتنة ، لا فرق بين من يتجاهر منهم بالكفر أو يدعي الايمان ، فليست هذه صفات المؤمنين ، و ليست بين الله و بين أحد من خلقه صلة قرابة أو رحم يمنعه عن عقابه بمثل هذه الأفعال الاجرامية .
[ ويل لكل همزة لمزة ]
قالوا : معنى الويل الخزي و العار ، و قالوا : انه واد في جهنم ، و لاتناقض بينهما .
و قالوا : أصل الهمز الدفع أو الكسر ، يقال : همزت الجوز بكفي أي كسرته ،وقيل لإعرابي : أتهمزون ( الفارة ) أي هل تجعلون فوق ألف لفظة الفارة همزة و تقرأونها فأرة . فقال : إنما تهمزها الهرة ، أي الهرة تكسر الفأرة و تأكلها ، ومن هنا أنشدوا لشاعر قوله :
و من همــزنا رأســه تهشمــا
وأنه هنا يعني أن يطعن المرء في وجهه ، و أنشدوا لحسان قوله :
همـزتــك فاختضعت بــذل نـــفس بقافيــة تأجـــج كالشــــــواظو قال بعضهم : أن الهمز هو الاغتياب بالقول ، بينما اللمز : هو الاغتياب بالإشارة ، وأنهما معا بالتالي نوع الحديث عن غائب ، و أنشدوا لشاعر قوله :
تدلــى بــودي إذا لاقيتنــي كذبــا وإن أغيــب فــأنت الهـــامز اللمـــزةأما اللمز فقال بعضهم : إنه الاغتياب ، أو ذكــر معايب الناس ، و المشيء بالنميمة .
و يبدو ان الهمز اشد من اللمز ، فإذا كان الهمز بالوجه فاللمز بالغيبة ، وأن كان الهمز بالنطق فاللمز بالإشارة ، وإذا كان الهمز يهدف العلو في الارض ، فأن اللمز يبقى الفساد فيها . الأول سمة التكبر و التجبر ، و الثاني علامة المكر و الاحتيال ، و قطع الأرحام ، و إثارة الفتن .
و جـاء في الحديث المأثور عن النبي - صلى الله عليه وآله - : " شرار عباد الله : المشاؤون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبراء العيب " (1) .
[2] هؤلاء الهمازون اللمازون يحسون بنقص في أنفسهم ، حيث جاء في(1) القرطبي ج 20 - ص 181 .
الحديث المأثور عن النبي - صلى الله عليه وآله و سلم - : " أذل الناس من أهان الناس " (1) .
و هذا الإحساس يجعلهم يستكبرون على الناس ، و يبحثون عما يجبر نقص أنفسهم بجمع المال و تعداده ، و الافتخار به ، و التعالي على الناس بسببه .
[ الذي جمع مالا و عدده ]
يبدو ان معنى " عدده " أحصاه و عدده المرة بعد الأخرى مباهاة به ، و اعتمادا عليه ، ولكي يرى هل بلغ مستوى طموحه أم لا ؟ أرأيت الاطفال كيف يحسبون دراهمهم باستمرار فرحا و فخرا .
[3] ما لذي يبعثه نحو جمع المال وعده ؟ هل مجرد المباهاة به . و الاستكبار عبره على الآخرين ؟ لا بل و ايضا رغبة جامحة في الخلود ، تلك الرغبة التي كانت وراء أكل أبينا آدم - عليه السلام - من الشجرة المحرمة ، تلك الرغبة التي تدفع الملوك لبسط سلطانهم و البطش بمن يخالفهم ، و تلك الرغبة التي تبعثنا نحو أكثر أفعالنا و أعمالنا .
و لكن هل المال يخلد الانسان في الدنيا ؟ هيهات .
[ يحسب أن ماله أخلده ]
فأين قارون بكنوزه التي أرهقت مفاتحة الأشداء من الرجال ؟! وأين فرعون الذين استبد بملك مصر ، و افتخر بالأنهر التي تجري من تحته ؟ ! وأين القياصرة و الأكاسرة ؟! أين من ملك مليارات الدولارات ؟ ! كلهم أحبوا البقاء و ولهوا(1) تفسير نمونه نقلا عن موسوعة البحار ج 7 - ص 142 .
بالخلود ، و لكنهم لم يحملوا معهم الى قبورهم سوى الكفن ، و ذهبوا الى غير رجعة .
[4] تنعم الآخرون بجهدهم ، بينما هم يعودون الى ربهم محاسبون على كل درهم درهم من أموالهم ، من أين اكتسبوه و فيم صرفوه .
[ كلا ]
لا يخلد المال أحدا ، بل قد يعجل في وفاته ، وإننا نسمع كل يوم عن بعض المعمرين الذين تجاوزا المائة عام فلا نجد فيهم إلا عادة البسطاء من الناس ، ولو كانت الثروة سببا للخلود لكانت أعمار الناس تقاس بقدر أموالهم بينما قد نجد العكس .
ثم ان جمع المال بكمية كبيرة لا يكون إلا بالحرام مما يجعل صاحبه أكبر خاسر ، يجمع المال بكدح بالغ ثم يكون وبالا عليه ، جاء في الحديث المأثور عن الامام علي بن موسى الرضا - عليه السلام - : " لا يجتمع المال إلا بخمس خصال : بخل شديد . و أمل طويل ،و حرص غالب ، و قطيعة رحم ، و إيثار الدنيا على الآخرة " (1) .
[ لينبذن في الحطمة ]
لقد أهانوا الناس بهمزتهم ، و سخروا منهم بلمزهم ، فاليوم يلقون نبذا في نار جهنم التي تحطمهم .
[5] و هل تدري ما هي الحطمة ؟ إننا نعرف أن التحطيم من شأن ارتطام شيء خشن بمثله ، بينما النار سيالة فكيف تحطم ؟
(1) نور الثقلين / ج 5 - ص 668 .
[ ومآ أدراك ما الحطمة ]
ان علم البشر بحقائق الآخرة محدود جدا ، و عليه ان يتزود بمقاييس جديدة ليعرف ابعاد الحقائق فيها .
[6] مثـــلا النار ذات طبيعة سيالة في الدنيا لانها هنا مخففة سبعين مرة عنها هناك ، اما نار الله التي أوقدها جبار السموات و الارض تجليا لغضبه فانها - حسبما يبدو - تتفجر و تفجر مما تجعل كل شيء فيها عظيما .
[ نار الله الموقدة ]
و كفى بك أن تعرف أنها نار الله بعظمته و جلاله ، و شديد سطواته ، و عريض كبريائه ، و نسبتها الى الله بسبب أن ربها هو الذي أوقدها ، و لعل إيقاد النار غير إشعالها ، بل الهابها و تشديدها ، قالوا : ان الله عز أسمه قد أوقد عليها ألف عام ، و ألف عام ، و ألف عام حتى اسودت ، انتظارا لاعداء الله . أعاذنا الله منها .
[7] و لشدة النار تراها تطلع على الأفئدة ان تحرق الجلود و اللحم و العظام ، قالوا : فإذا بلغت الفؤاد عاد اليهم جلودهم و اللحم و العظام ، فيعذبون من جديد .
[ التي تطلع على الأفئدة ]
قــال بعضهم : أن نار جهنم تتجه رأسا الى لب الانسان فتحرقه ، و قال بعضهم : بل أنها شاعرة ، تعرف ماذا في قلوب المجرمين فتعذبهم بقدر ما فيها من كفر و نكد .
[8] و بعد ان ينبذوا في نار جهنم تطبق عليهم ، و توصد أبوابها ، فلا روح ، و لا نسيم ، و لا شكوى ، و لا كلام . انما هي شهيق ، و زفير ، و آهات ، و أنات ، و عذاب شديد .
[ إنها عليهم مؤصدة ]
أي مطبقة عليهم مغلقة أبوابها .
[9] جاء في الحديث المأثور عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - : " ثم إن الله يبعث اليهم ملائكة بأطباق من نار ، و مسامير من نار ، و عمد من نار ، فتطبق عليهم بتلك الأطباق ، و تشد عليهم بتلك المسامير ، و تمد بتلك العمد ، فلا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح ، و لا يخرج منه غم ، و ينساهم الرحمن على عرشه ، و يتشاغل أهل الجنة بنعيمهم ، و لا يستغيثون بعدها أبدا ، و ينقطع الكلام ، فيكون كلامهم زفيرا و شهيقا ، فذلك قوله تعالى : " إنها عليهم مؤصدة " (1) .
[ في عمد ممددة ]
اختلفوا في هذه العمد الممدة ماذا تكون ؟
هل هي أغلال في أعناقهم ، أم قيود في أرجلهم ، أم هي الاوتاد التي تشد الأطباق بها ام ماذا ؟ و قال بعضهم : انها كناية عن الدهر . فهي في دهور متطاولة و قال أبو عبيدة : العمود كل مستطيل من خشب او حديد ، و هو أصل للبناء مثل العماد .
و يحتمل أن تكون في النار اسطوانات يدخل أهلها فيها ، فهم في هذه العمد أي وسطها و الله العالم .
و أنى كان فان نهاية فظيعة تنتظر كل مستكبر في الأرض ، هماز لماز ، ولكي لا يغرنا الشيطان بما نملك من أموال و بنين نقرأ معا حديثا مفصلا عن الامام الباقر - عليه السلام - يحذرنا بما في النار من عذاب رهيب ، و نكتفي بذكر بعض مقاطع(1) القرطبي / ج 20 - ص 186 .
الحديث اختصارا .
" و يغضب الحي القيوم فيقول : يا مالك ! قل لهم : ذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ، يا ملك ! سعر سعر فقد اشتد غضبي على من شتمني على عرشي ، و استخف بحقي ، و أنا الملك الجبار ، فينادي مالك : يا أهل الضلال و الاستكبار و النعمة في دار الدنيا ! كيف تجدونمس سقر ؟ ! فيقولون : قد أنضجت قلوبنا ، و أكلت لحومنا ، و حطمت عظامنا ، فليس لنا مستغيث ، و لا لنا معين ، فيقول مالك : و عزة ربي لا أزيدكم إلا عذابا ، فيقولون : ان عذبنا ربنا لم يظلمنا شيئا ، فيقول مالك : " فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير " يعني بعدا لأصحاب السعير ، ثم يغضب الجبار فيقول : يا مالك ! سعر سعر ، فيغضب مالك ، فيبعث عليهم سحابة سوداء يظل أهل النار كلهم ، ثم يناديهم - فيسمعها أولهم و آخرهم ، و أفضلهم و أدناهم - فيقول : ماذا تريدون أن أمطركم ؟ فيقولون : الماء البارد ، واعطشاه ! و أطول هواناه ! فيمطرهم حجارة و كلاليبا و خطاطيفا ، و غسلينا ، و ديدانا من نار ، فينضج وجوههم و جباههم ، و يغض أبصارهم ، و يحطم عظامهم ، فعند ذلك ينادون : واثبوراه ! فاذا بقيت العظام عواري من اللحوم اشتد غضب الله ، فيقول : يا مالك ! اسجرها عليهمكالحطب في النار ، ثم يضرب أمواجها أرواحهم سبعين خريقا في النار ، ثم يطبق عليهم أبوابها من الباب الى الباب مسيرة خمسمائة عام ، و غلظ الباب مسيرة خمسمائة عام ، ثم يجعل كل رجل منهم في ثلاث توابيت من حديد من نار بعضها في بعض ، فلا يسمع لهم كلام أبدا إلا أن لهم شهيق كشهيق البغل ، و زفير مثل نهيق الحمير ، و عواء كعواء الكلاب ، صم بكم عمي فليس لهم فيها كلام إلا أنين ، فيطبق عليهم أبوابها ، و يسد ( يمد د خ ل ) عليهم عمدها ، فلا يدخل عليهم روح أبدا ، ولا يخرج منهم الغم أبدا ، فهي " عليهم مؤصدة " يعني مطبقة ، ليس لهم من الملائكة شافعون ، ولا من أهل الجنة صديق حميم ، و ينساهم الرب ، و يمحو ذكرهم من قلوب العباد ، فلا يذكرون أبدا " (1) .
(1) موسوعة بحار الانوار / ج 8 - ص 323 .