كان مجموعة من الشيعة مجتمعين في منزل احد الشيعة المعروفين بأحد المدن
وكان هذا الرجل معروف بصلاحه وسمعته الطيبة بين الناس وأيضاً معروف
بثرائه المادي،،
فبادره احد الحاضرين قائلاً:
حاج يوسف ،،لم يسمع الكثير من الحاضرين قصة تشيع عائلتكم التى كانت من
العوائل السنية من قبل ،فهلا حدثتنا عن ذلك ،،
فبدا الشغف والفضول يعترى الحاضرين الذين فوجئوا بهذا الأمر ،،
لأن الجميع يعرف ان الحاج يوسف من صلحاء الشيعة ووجهائهم في المدينة
لكنهم لم يكونوا على علم بأنهم كانوا على غير ذلك من قبل ،،،،
،،،،
فأجابهم الحاج يوسف بعد ان شرع حديثه بالبسملة ثم بالصلاة على النبي واله قائلاً،
،،
لقد كانت البداية في حياة جدتي أم أبي رحمها الله تعالى برحمته الواسعة،،
وكانت آنذاك قابلة تقصدها النساء في حالات الحمل والولادة ،،حيث لم يكن
حينها في المدينة مستشفيات وأطباء على مانحن عليه في هذا الوقت ،،،
بل وكان الناس يأنفون ان تلد نسائهم إلا بيد القابلة أو ( الجدة ) كما نسميها
وكانت اشهر تلك القابلات جدتي ،،وكانت عابدة متقية كثيرة الصلاة ،
تمضي معظم أيامها وهى صائمة ،،،وكانت تأنف ان تنال أجراً على توليد النساء ،،
هذا على رغم سوء حالتها المادية وبالأخص بعد وفاة جدي رحمه الله تعالى ،
واضطرارها لإعالة أبى وعمتى ،،،،
كان الناس يبعثون إليها بالهدايا النقدية والعينية بأساليب وطرق لا تجرح
إحساسها وعزتها بنفسها ،،،
وكان جدي قد خلف لها كوخاً صغيراً متواضعاً ،،ولكنه كان يستر تلك
العائلة الفقيرة المنكوبة ،،،فهو بالكاد كان يدبر قوت يومه من عمله في بناء البيوت
التى كانت محدودة آنذاك ،،،،
وفي ليلة شتائية باردة ، والريح تصهل خارج ذلك الكوخ الذي أمسى كالريشة
الحائرة وسط هذا الطوفان العظيم أطبق الجوع والبرد على تلك الأسرة
الفقيرة المغلوبة بعد يومين أمضوها دون طعام إلا من كسرات خبز يابسة
آثرت جدتي ولديها عليها ،، ولكن ذلك لم يكن ليسد رمق احد ،،،
وكان أشد الأمر على عمتى التى لم تكن تتجاوز حينها الخامسة من عمرها ،،،
والتى ما انفكت من الشكوى والبكاء ،،،
وهذا ماكان يقطع أنياط تلك الأم الحائرة العاجزة عن فعل أي شى سوى الدعاء
والتوسل لله تبارك وتعالى بأن يتولاهم برحمته ،،،وان ينيم تلك الطفلة الجائعة
في تلك الليلة الممطرة القارصة البرد،،،
وأخيراً نامت تلك الطفلة وتجوش في صدرها بين الحين والآخر شهقة مكبوتة
وحسرة دفينة مغلوبة ،،كانت تمزق أحشاء أمها وتذهلها ،،، فعمدت إلى تغطية
صغيريها بدثار قديم ثقيل وطفت تجول كالمجنونة في ذلك الكوخ الموحش
بصرير الرياح الذي ينفذ من خلال العديد من المنافذ والمسارب ،،،،
،،،،
مرت ساعات وساعات والام تقلب حالها يميناًوشمالاً ،،وهى تحاول ان تهدئ من
روعها بتذكر أحاديث متفرقة بينها وبين جاراتها ومعارفها ،،،،ولكن بلا جدوى
فالألم يعتصرها والحزن يأبى ان يفارقها ،،، والفجر يوشك ان يخترق السماء
بضوئه الهادئ الذي تحبسه الغيوم المتكاثفة ،والسحب الماطرة ،،،،وهاهو صوت
القارئ يردد بعض آيات مباركة من القرآن الكريم ،،،،
حينها تذكرت واقعة جرت لها عند حضورها مخاض إحدى نساء الشيعة
وهى تصرخ من الألم مستغيثة بنداء لم تألفه من قبل وهو { يا أبا صالح }
ولما تساءلت عن ذلك من بعد أخبروها ان هذه الكنية هى للإمام المهدي عليه السلام
،،الامام الثاني عشر عند الشيعة الأمامية ،،وان هؤلاء الأئمة هم ذرية رسول الله
صلى الله عليه وآله وانهم خلفائه من بعده ،،وانه ،،وانهم ،،،الخ ،،،
حتى انتهى بهم المطاف عند الامام المهدي سلام الله عليه ،،،
وكيف انه لازال حياً يرزق يعيش بين ظهرانى هذه الأمة حتى يأذن الله تعالى
بظهوره وإقامته لدولة الحق المنتظرة ،،وان الشيعة تستغيث وتتوسل الله تبارك وتعالى به لما له ،،كما لآبائه عليهم السلام من قبل ،مكانة وكرامة عظيمة ،،
وقد تكرر حديث جدتى مع بعض العوائل الشيعية عن هذا الأمر وهو ما جعلها
تعشق أهل البيت الطاهر ،،ولكنها كانت لا زالت على بعض البعد عنهم ،،
وفي تلك الليلة الشتائية الباردة بكل مافيها من أشجان وأحزان تبادرت إلى ذهنها
تلك الأحاديث ،، وارتسم في مخيلتها كل مافيها من التفاصيل والأبعاد ،،
فرفعت عينيها باكية نحو السماء وهى تردد ،،،اللهم أسالك بما لأهل هذا البيت
عندك من الكرامة العظيمة ،والمنزلة الجليلة ،ولما لآخرهم وهو الامام المهدى الغائب
عن الأبصار ،المحتجب عن العيون ،،ذلك الامام الذي أمضت الشيعة من عمرها قروناً
وقروناً بانتظاره وترقب ظهوره ،،،،ذلك الامام الحى الساكن في قلوب محبيه
والموالين له ،،اللهم أسالك بحقه وكرامته إلا فرجت عنا وفتحت لنا من عندك
فتحاً يسيراً ورزقتنا رزقاً طيباً مباركاً ،،،وانت ارحم الراحمين ،،،
ولم يطل بها الأمر كثيرا ،،،إذ مزق حجب الليل المظلم وعويل رياحه الصاخبة
وحتى هدير المطر المتساقط ،،كل ذلك مزقته طرقات متتالية !!
هادئة على الباب الخشبي المتهرئ الذي لا يمنع دافع ولا يحجب عن قرب ناظر
لولا الستارة القديمة الممتدة على طوله ،والمتلفع هو بأطرافها المتخرّقة ،،،
ترددت جدتي قليلا ً قبل ان تمد رأسها من كوة الحجرة السالمة التى بقيت من هذا
الكوخ ،،والتى أمست هى الملاذ الوحيد لهم ،،،وحدقت صوب الباب الخارجي
بتوجس وخوف ،،وفي عينيها ألف تساؤل لا وجود فيها للخوف أي محل،،،
نعم ،، لم يكن في قلبها إبان تلك اللحظات المقلقة أي إحساس بالخوف ،،
كذلك حدثتنى في ليلة من ليالي الشتاء من بعد ،،،،
تقول ان هناك احساساً غريباً بالأمن ،،وشعوراً عجيباً بالاطمئنان كان قد فرض
نفسه على قلبها وتلك ظاهرة لم تعرفها من قبل ،،لا سيما في مثل هذه الأوقات الحرجة
،،،
توقف الحاج يوسف ،،هنيئة وهو يتطلع فى وجوه القوم الحاضرين وعيونهم
وقد لفها الانتباه والترقب حتى لا تكاد تأتى باى حركة أو التفاته ،،،ماذا ،ومِن وكيف؟
أسئلة كبرى تستلزم لها إجابات متعجلة ،،،
واصل الحاج يوسف حديثه،،،
فتلفعت جدتي بعباءتها ودلفت في فسحة الدار بخطوات متسارعة حتى ،،،
وصلت إلى طرفه الأخير والطرقات تتكرر مرة أخرى ،،،،
من الطارق؟؟
قالت جدتى بصوت أجش هادئ حين اخترق حجب الليل المظلمة صوت المؤذن
،،،،الله أكبر
فجلجل خيراً وبركة بين الأزقة والبيوت داعياً المؤمنين لأداء صلاة الفجر ،،،،
فقال الطارق ،،،أليس هذا بيت المرحوم الحاج عبد الوهاب فارس أبو محمد؟
طرق سمعها صوت أحست معه بحالة لا توصف من الاسترخاء
والأمن ،،،،لم ؟ لم تكن تعلم ،،،
نعم ،،من انت أيها الطارق ،،؟؟ وماذا تريد في هذه الساعة المبكرة من الفجر
،،
قال ،،وهل أنتِ زوجته ؟
قالت،، نعم ولكنى سألتك عن بغيتك وهويتك فلم ترد على ولم تجبنى ،،،
قال،،، أسمى لا يهمك كثيراً ،ولكنى احمل أمانة يجب ان تصل إلى عائلته بعد وفاته
وكنت قاصداً الصلاة فخذيها يا أختاه ولا تشغلينى عن اللحوق بالصلاة ،،
ترددت جدتى قليلاً ولم تعرف بِمَ تجب ،،ولما ابتغت ان تكرر عليه تساؤلاتها شعرت
بشئ يدفع من تحت الباب ، ثم بخطوات متزنة هادئة كأنها تبتعد قليلاً عن الباب
،،،
أسرعت جدتى رافعة الستارة وهى تحدق من إحدى خلل الباب لترى من هذا
المتحدث إليها ،،،،ولكنها لم تجد شيئاً ولا أى اثر لمخلوق!!!
ما هذا ؟؟
تساءلت جدتى وهى تفتح الباب على مصراعيه وتحدق في الزقاق
الطويل الممتد أمامها ،،كان لابد ان يكون الرجل قرب الباب الآن أو على بعد خطوات على ابعد تقدير ،،، ولكن لا احد ،، ولا اثر ،، هل طار؟!!! أم ابتلعته الأرض !!
أم اختفى ،،، أمر محير لا جواب له ،،،
ولما أغلقت جدتى الباب أحست بطرف قدمها اليمنى بما دفعه الرجل من تحت الباب
فانحنت وأمسكت يدها بصرة ثقيلة تأملتها قليلاً قبل ان تهرع مسرعة إلى الحجرة
الطينية بعد ان بللها المطر ،،،
فتحتها على عجل فوجدت فيها بعض الليرات الذهبية اللامعة ،،،تحسستها
بيدها وهى تستغرب من حديث هذا الزائر الغريب ،،،،
أى أمانة لزوجى وقد مات بين يدي وترك في ذمته ديوناً أوصانى بأن استسمح
أهلها بعجزه عن سدادها؟؟
ان هذا الأمر محسوم لا شك فيه ،،،،
فمن يكون إذن ؟؟
تساؤلات لم تجد لها جواباً مقنعاً حتى فُرض على عقلها جواب واحد لا مناص منه،،
أيكون هو الامام المهدى أمام الشيعة الثاني عشر ،،،
ثم الم تستغث بما له من كرامة عند الله عز وجل قبل ذلك ببضع دقائق ،،بل ثواني؟؟
وهكذا بقيت في حيرة من أمرها حتى الصباح وحينها قصدت عائلة العالم
الشيعي في القرية ،،فقصت عليه الأمر ،،،
فلما أتمت حديثها بكى العالم بكاء شديد ،،أخضلت له لحيته البيضاء الكثة
وأخبرها بأن هناك اخباراً كثيرة لأناس تشرفوا ببركة هذا الامام المغيب عن الأبصار
الحاضر في العقول والقلوب ،،،
حينها بدأت بالتساؤل عن هذا الامام وعن آبائه وعن سيرتهم
ومسؤولية الأمة تجاههم وبقت على ذلك أياما طويلة حتى أعلنت تشيعها
واتباعها لمذهب أهل البيت عليهم السلام ،،
وأما بخصوص المال الذي وصلها فقد أوصاها العالم الشيعي بان تتاجر به
فانه سيكون مباركا بإذن الله تعالى ،،
وصدق هذا العالم ،،،إذ كانت البركة تلاحق هذا المال والوفرة تلازمه حتى
تحولت حالة جدتى ومن بعدها أبى وها أنا أيضاً وكلها ببركة الامام المهدى روحى
له الفداء،،،
انتهت القصة،،
ومنقولة من كتاب
حوار حول الامام المهدى
للعالم العرفاني سماحة السيد
أبو القاسم الديباجى
،،،،،
السلام عليك يا حجة الله