اللهم صلِّ على مُحمد وآل ِمُحمد وعجل فرجهم وارحمنا بهم يـآكريم
السلآم عليكم ورحمة الله وبركــآته...
قال تعالى : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}..
إن اللسان نعمة قد من علينا الباري بها، فمن باب الأدب شكر الغني على نعمته وعلى عطيته، وما أجمل أن نطوع النعمة في أداء الشكر!..
لذا فقد ورد على لسان الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام رائعات الدعاء في شكر الإله: ( فكلما قلت لك الحمد، وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد )..
ومن سوء الأدب استعمال هذه النعمة والعطية في معصية الإله بدلاً من شكره.. فالإنسان مراقب ومحاسب على ما يقول، وكل ما يتلفظ به فالملائكة الكرام تكتب والغفلة لا زالت مواكبة لكلام اللسان.
وبعد أن عرفنا أن اللسان نعمة وموهبة، علينا أن نعرف أيضاً أن اللسان هو المنجي والمهلك.. فاللسان قد يكون زارعاً حذقاً للرياحين الموصلة إلى الجنان، أو يكون زارعاً للأشواك المؤدية إلى حرارة النيران.
إن لمناقشة دور اللسان والبحث عن الآفات القولية، لهي من الأمور المهمة التي تفتح آفاقاً جديدة لتبصرة المؤمن بالمحذور الشرعي؛ ليتجنبه ويبتعد عنه.. فالإنسان وكما أثبتت دراسات علم النفس، قد يعارض القاعدة التي سنها لنفسه، وألزم كيانه بالعمل بها.. فقد يخوض في أعراض الناس بالباطل، وقد يتكلم في أمورلا تخصه ولا تعنيه، شاهراً لسانه كالسيف، مغتالا لشخصية أخيه المؤمن من حيث لا يشعر، ناسياً قوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا}.. فالعبرة لمن اتعظ وفهم، وأراد لنفسه الخلاص والنجاة.
لذا فمن باب أولى أن نتطرق للحلول، لتحويل هذه الجارحة إلى وسيلة طيعة لرضا الرحمن، فمن الحلول لعلاج كلل اللسان:

أولاً :مراقبة المصلحة المرجوة في الحديث: إن المؤمن الكيس الفطن، هو الذي يراقب كل تصرفاته، سواء على مستوى الأقوال أو على مستوى الأفعال.. ولينظر نظرة فاحصة لمن يتكلم: لرضا الرحمن، أو لرضا الشيطان؟.. فإذا رأى أنه قد تكلم لرضا المنان، نال الجنان.. وإذا تكلم للشيطان، فقد أستحق الخلود في لظى النيران.. فأمير المؤمنين علي عليه السلام مضرب للشجاعة والإقدام، وهو خير أسوة وقدوة يحتذى بها، لمن أراد أن يسلك طريق النجاة، والوصول إلى شاطئ الأمان.. إذ أنه عليه السلام لم يقتل قط لرضا نفسه وللدفاع عنها، فكان عليه السلام يقاتل لله ولرضاه، كما فعل في يوم الخندق حينما أراد أن يقتل عدو الله عمرو بن عبد ود العامري، فقد كانت ضربة سيفه قربة لله تعالى، لا لإرضاء نزواته ورغباته.. لذا استحقت ضربة سيفه يوم الخندق أن تعدل عمل الثقلين.
ثانياً :ترك الاعتقاد السيئ بالإخوان: إن الله عز وجل قد حصن ذات المؤمن من العيوب والذنوب، فذات المؤمن طاهرة؛ لأنها مؤمنة بالله عز وجل..أما الجوارح فهي العاصية المخطئة في كل الأحوال، فالأولى بالمؤمن ترك ذكر عيوب الناس؛ لأنه بشغل دائم في عيبه عن ذكر عيوب غيره.. والمؤمن الحذق لا يتعامل مع الناس بالصور الذهنية الزائفة، بيد أن غالب الناس لا يتعاملون بالصورة الظاهرية الحسنة للغير؛وذاك لغلبة التعامل مع الصورة الخيالية الكاذبة، والتي تجعل اللسان يخوض في أعراض الناس بالباطل..لذا فمن المستحسن ترك تلك الصور الخادعة، وجعل الواقع الحاكم في البين.. فدين الإسلام -دين الحب والسلام- أمرنا أن نحمل الأخوان على سبعين محمل حسن، وترك التعامل مع الصور الخادعة الزائفة.. فيجب أن نحذو حذو الإمام زين العابدين عليه السلام حينما قال: (اللهم أرنا الأشياء كما هي)!..
ثالثاً :انكشاف ملكوت المعصية: قال تعالى واصفاً لحقيقة الغيبة: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}..
وقال تعالى في موضع آخر في الحديث عن الربا، وما يترتب عليه من أثار سيئة: {إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}.. إن إزالة الحجب المعنوية عن حقيقة المعصية، لتظهر بشكلها القبيح؛ لهو خير معين على الطاعة، وخير دافع لترك الذنوب.. فالمغتاب الذي تكشفت له حقيقة المعصية من أنه يأكل لحم أخيه الغائب، حتماً ستشمئز نفسه من هذه المعصية، وسيبتعد عن ارتكابها، وسيكون عقله هو الآمر والمسيطرعلى هواه، والمسيطر على هفوات لسانه.

رابعاً :التقليل من الكلام: إن بعض الغافلين عن ذكر الله، والمبعدين عن ساحة رضاه عز وجل، يرون في قلة الكلام نوعاً من التبرم الباطني والتقوقع الروحي.. لذا فإنهم يرون في كثرة الكلام لذة ومتعة، غافلين عن بعض الأضرار الناجمة من كثرة الكلام، والتي أشارت إلى هذه الحقيقة بعض الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، والتي مضمونها: (إذا وجدت قساوة في قلبك، وحريمة في رزقك، وسقماً في بدنك.. فانظر لعلك تكلمت فيما لا يعنيك).. لذا فمن المستحسن، ومن باب أولى بالمؤمن أن يترك كثرة الكلام، وأن يترك الخوض في بعض الأمور التي لا تعنيه؛ ليحفظ لسانه من أذى نفسه، وأذى الناس من حوله.. وليكون هادفاًفي كلامه، وفي تصرفاته، وأفعاله.
خامساً :ترك الكذب: إن الكذب هو من الأمور المحذورة شرعاً، وهي من كبائر الذنوب المحرمة.. وللكذب نوعان: كذب صريح، وكذب مبطن.. وقد يكون الكذب المبطن أشد شراً من الكذب الصريح؛لأنه يوقع في العداوة والبغضاء في القلب، قبل أن يوقع موقعه في الأسماع.. لذا فالحري بالمؤمن ترك الكذب وسفاسف الأمور؛لأن ذاته الطاهرة قد ارتبطت بالمولى سبحانه وتعالى، فهي بحصن حصين في الخوض بالأمور المحرمة والمحذورة، لينعم باللقاء الإلهي الموفق.
سادساً :جهاد النفس: إن تلقين النفس بالقوة لنيل رضا الله عز وجل، والابتعاد عن معاصيه، قد يكون سبباً للتوفيق الإلهي والرضى الرباني.. فالباحث عن رضا الله وعن توفيقه عز وجل، يستلزم من أن يكون مراقباً لنفسه،حريصاً على إصلاحها، وتقويم أمرها؛ ليحظى برضا الباري في الدنيا، وبنعيمه الجزيل في الآخرة.


الشيخ حبيب الكاظمي حفظهُ الله