الحقيقة ببساطة هي أن السلطات في النظام السابق كانت صادقة في القول -كالعسل المغشوش- لأنه ليست هناك بيانات عن الفقر في العراق أصلا أو عن أي من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية فيه، وأن الذي يراه الرائي البسيط قد يكون مخادعا أو كاذبا.
فعندما كانت هناك دولة لم يكن هناك بالإمكان إعداد بيانات حقيقية قابلة للتحليل الاقتصادي أو لاتخاذ قرار، فكيف بنا الآن؟! إن عدم الشفافية في كل شيء هو الحقيقة السائدة حاليا، ولاسيما فيما يتعلق بإدارة موارد الدولة والأموال المخصصة لإعادة إعمار العراق.
واقع الاقتصاد العراقي الآن
لقد أتت الحرب على كل شيء، فلم تدمر الحرب البنى التحتية فقط والتي يعنى بها رأس مال المجتمع مثل المدارس والمستشفيات والطرق والجسور والسدود والمحطات والمطارات، وإنما دمرت البنى الفوقية ويقصد بها التشريعات والأنظمة والقوانين والإطار الأكبر لها هو مؤسسات الدولة التي كانت تحكم عمل البنى التحتية.
والذي لم تدمره الحرب دمرته أياد خبيثة جاهلة لا تنتمي إلى هذا الوطن بأي صلة من خلال عمليات السلب والنهب والحرق والتهريب إلى خارج البلاد. لقد نزحت ثروة البلد التي حققها عبر عقود عديدة كلها إلى بعض البلدان المجاورة بمساعدة من تعاون معها من المنتفعين الجهلة والمتسللين عبر الحدود إلى العراق وبمباركة قوات الاحتلال.

إن أكثر التحديات التي تواجه الاقتصاديين وصناع القرار في العراق لإعادة تنظيم الاقتصاد هي الخطوة الأولى أو خطوة البداية. فالتخلف ضارب بأطنابه في كل مكان، فهناك تخلف في القطاعات الرئيسية المختلفة كالقطاع الزراعي والصناعي وهناك تدمير في البنية التحتية نتيجة الحرب وما قبلها، واختلال في الإنتاج ومعدلات عالية من البطالة وتفاوت كبير في توزيع الدخول والثروات بين الأفراد والأقاليم على حد سواء، وانتشار الفقر بين أفراد المجتمع وتردي الحالة المعيشية للسكان والتدهور البيئي. وفوق ذلك غياب العناصر الرئيسية للسياسات الاقتصادية الكلية المتمثلة بالسياسات المالية والنقدية والتجارية وغيرها، نظرا لغياب كامل لدور الحكومة والبنك المركزي إضافة إلى عدم الثقة بالمستقبل.
من أين نبدأ؟ ومَن من هذه التحديات السالفة الذكر ذات أولوية؟ وكيف يمكن أن نحدد ما هو مهم وما هو أهم؟ وما هو مطلوب بشكل ملح؟ وكم هي الأموال المطلوبة؟ ومن الذي يقوم بكل تلك الأعمال؟ وما دور القطاع العام؟ وما دور القطاع الخاص؟ وما حجم الديون المطلوب من العراق الإيفاء بها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي تتطلب الإجابة عنها وبشكل دقيق. والأهم من ذلك كله.. من يدير اقتصاد العراق وله الحق في التصرف بموارده؟
في رأيي لابد أن نضع تحقيق الحاجات الأساسية في المقدمة أو بالأحرى سبل تحقيقها فالسكن حاجة أساسية وملحة، والعراق ربما لا يحتاج فقط إلى آلاف أو عشرات الآلاف من الوحدات السكنية، بل ربما إلى مئات الآلاف من الوحدات السكنية لأن معظم الوحدات الموجودة الآن لا تلبي ما هو مطلوب منها في تحقيق عيشة كريمة لساكنيها
يشبعون انشاء الله

ابو النون