قد هيّأ الله سبحانه وتعالى البيئة الصالحة لتكوين شخصية الصّديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) ، فالأب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والاُم خديجة (عليها السلام).
الأمر الإلهي في خلق فاطمة (عليها السلام)
والروايات تحدثنا عن مزيد من الاهتمام الربّاني والعناية الإلهية في مسألة خلق الزهراء ووجودها، وأشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى هذه المسألة في مواطن عديدة .
فقد روي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) بينما كان جالساً بالأبطح إذ هبط عليه جبرئيل(عليه السلام) فناداه : « يا محمد! العليّ الأعلى يقرئك السلام ، وهو يأمرك أن تعتزل خديجة أربعين صباحاً » فبعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وأخبرها بالأمر الإلهي، وأقام النبي (صلى الله عليه وآله) أربعين يوماً يصوم نهاراً ويقوم ليلاً، فلمّا كان تمام الأربعين هبط جبرئيل (عليه السلام) فقال : « يا محمّد! العليّ الأعلى يقرئك السلام ، وهو يأمرك أن تتأهّب لتحيته وتحفته » . فبينما النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس ، فوضعه بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) وأقبل جبرئيل (عليه السلام) وقال: « يا محمّد! يأمرك ربّك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام ». فأكل النبي (صلى الله عليه وآله) شبعاً وشرب من الماء ريّاً ، ثم قام ليصلي فأقبل عليه جبرئيل وقال : « الصلاة محرمة[1] عليك في وقتك حتى تأتي منزل خديجة، فإنّ الله ـ عزّوجلّ ـ آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة » . فوثب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزل خديجة رضي الله عنها .
قالت خديجة رضي الله عنها : وكنت قد ألفت الوحدة ، فكان إذا جنّني الليل غطيت رأسي ، وأسجفت ستري وغلقت بابي ، وصلّيت وردي ، وأطفأت مصباحي ، وآويت إلى فراشي ، فلمّا كان تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة ، إذ جاء النبيّ فقرع الباب فناديت : « من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلاّ محمّد(صلى الله عليه وآله) ؟ .. قالت خديجة : فنادى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه : « افتحي يا خديجة ، فإنّي محمّد » وفتحت الباب ودخل النبيّ المنزل ، فلا والذي سمك السماء وأنبع الماء ما تباعد عنّي النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتى أحسست بثقل فاطمة في بطني[2] .
[1] قد يكون المراد هو الصلاة النافلة .
[2] بحار الأنوار : 16 / 79 ـ 80 ، وروى هذا المضمون . الذهبي في ميزان الاعتدال : 3 / 540 ، والخطيب البغدادي في تأريخه : 5 / 87 ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى : 54 ـ 55 .