سميرآميس الآشورية العراقية إسمها العطر ملك القلوب
(سميراميس) اي (الحمامة)،
حملت هذا الاسم لان الاساطير تقول ان الحمائم احتضنتها
عند مولدها ورعتها واشرفت على غذائها. قصة (سميراميس)
التي حدثت قبل اكثر من الفي عام ليست اسطورة بل هي جزء من التاريخ الساطع
الا ان قصتها تعتبر اسطورة هزت التاريخ والثقافة فرضت حضورها شأنها شأن
(كليوباترا) الفرعونية و (الزباء) و (بلقيس) في الادب والنقش والرسم والنحت
والمرئيات والموسيقى والسينما والمسرح والاسطورة في العالم حتى هذا اليوم.
انها (سميراميس) التي شربت من ماء دجلة والفرات.
(سميراميس) المعروفة بجمالها وقوتها وحكمتها،
وقدرتها الفائقة في ادارة الدولة وقيادة الحروب والتوسع بالفتوحات. تقول الاساطير،
انها هي التي شيدت (حدائق بابل المعلقة)،
وغزت ارض الفراعنة وشطرا كبيرا من آسيا حتى الحبشة،
حاربت الميديين واخيرا وصلت اعتاب الهند، القتال الذي كاد يؤدي بحياتها.
عن مولد (سميراميس الحمامة) تروي الاسطورة: في يوم،
ان سيولا عارمة تدفقت بقوة من منابع نهر الفرات ففاض النهر فاحدث طوفانا فتدفقت
الامواج وترامت الاسماك على الشواطئ، ولم يبق من الاسماك سوى سمكتان كبيرتان
سبحتا الى وسط النهر وبدأتا دفع بيضة كبيرة طافية على السطح الى ضفة الفرات،
واذا بحمامة بيضاء كبيرة تهبط من السماء وتحتضن البيضة بعيدا عن مجرى النهر.
احتظنت الحمامة (البيضة) حتى فقست،
وخرجت من داخل البيضة طفلة رائعة الجمال من حولها أسراب من الحمائم
ترف بعضها عليها بأجنحتها لترد عنها حر النهار وبرد الليل.
فبدأت الحمائم تبحث عن غذاء للطفلة، فاهتدت إلى مكان يضع فيه الرعاة
ما يصنعون من حلبان واجبان فكانت الحمائم تأخذ منها بمناقيرها ما استطاعت ان تحمل،
لتقدمه للطفلة طعاما عاشت به مع الحمائم سعيدة لا تعرف الشقاء أبداً.
فارسلوا راعيا منهم لمعرفة اين تحط الحمائم فعرف المكان ثم دلهم عليه،
فاذ وصلوا إلى المكان اكتشفوا صبية ذات حسن وجمال رائع، فأخذوها إلى خيامهم،
ثم اتفقوا على أن يبيعوها في سوق (نينوى) العظيم.
وفي الصبيحة حملوا الفتاة بعد ان اطلقوا عليها اسم (سميراميس) اي (الحمامة)
إلى سوق نينوى. وكان ذلك اليوم يوما يحتفل فيه القوم يسمى بـ (يوم الزواج) يقام كل عام،
حيث يجتمع في السوق الكبيرة الشباب والشابات قادمين من جميع انحاء البلاد،
لينتقي كل شاب عروساً شابة له، أو ينتقي صبية يحملها إلى داره فيربيها
إلى أن تبلغ سن الزواج فيتزوجها أو يقدمها عروساً لأحد ابنائه.
كانت ساحة (سوق نينوى) مشحونة بالكهول والشباب.
جلس الرعاة عارضين الصبية في المقدمة فشاهدهم (سيما)
رئيس اسطبلات خيول الملك، وكان عقيماً لا ولد له فارتاعه جمال (سميراميس) فقرر تبنيها.
فاشتراها (سيما) ثم عاد بها إلى منزله.
ما أن رأت زوجته الصبية ربة الجمال حتى فرحت بها فرحاً جارفا وتولت عنايتها كابنتها،
وبقيت ترعاها وعندما بلغت الرشد غدت ذات حسن وجمال وأنوثة لم تبلغه امرأة من قبل
ومن بعد! في يوم كان (اونس) مستشار الملك، يتفقد الجمهور المحتشد بأمر من الملك
فصعقت عيناه بجمال (سميراميس الحمامة) وكانت قد بلغت سن الزواج،
بقي مذهولا بجمالها وبراءتها. فاخذها الى نينوى وتزوجها، ثم انجبت (سميراميس)
له طفلين او ربما توأمين هما (هيفاتة) و (هيداسغة) كانا سعيدان حيث كانت (سميراميس)
تقدم لزوجها النصح والمشورة في الامور الخطيرة فأصبح ناجحا في كل مساعيه.
خلال ذلك كان ملك نينوى ينضم حملة عسكرية ضد الجارة (باكتريا)،
فأعد جيشا ضخما لهذا الغرض لانه كان يدرك صعوبة الاستيلاء عليها.
بعد الهجوم الاول استطاع ان يسيطر على البلد عدا العاصمة (باكترا) التي صمدت.
شعرالملك الحاجة للاستعانة بـ (اونس) بيد ان (اونس)
ما كان يهوى مفارقة زوجته الحبيبة (سميراميس)
فسألها ان كانت ترغب مرافقته فوافقت. تابعت (سميراميس)
ما يجري خلال المعارك دارسة بعناية سيرها فقدمت اقتراحات فيما يدار في الحصار.
فحيث ان القتال كان يدور في السهل وان كل من المدافعين والمهاجمين لم يعيروا للقلعة اهمية،
اشارت (سميراميس) ارسال مجموعة من الجنود المدربين على القتال الى الجبال،
الى المرتفع الشاهق الذي كان يحمي الموقع.
ففعلوا ذلك ملتفين حول العدو المدافع فاصبح الاعداء محاصرين و لا خيار لهم غير الاستسلام.
اثر هذا الانتصار غدى الملك (نينوس) غاويا ومعجبا بشجاعة وذكاء (سميراميس)
في التوصل الى الانتصار الحاسم في المعركة. راح الملك (نينوس)
يتفرس ويتمعن في وجهها الساحر وجمالها الأخاذ، فادرك استسلام قلبه لهذا السحر
القاتل فلم يستطع مقاومة هذه المرأة التي اخذت بمجامع قلبه فطلب يدها كزوجة وملكة.
فعرض الطلب على (اونس) ، الا ان (اونس) رفض هذا الطلب الملكي
فهدده الملك بقلع عينيه وتحت هذا الخوف واليأس وافق مرغما على التنازل عن (سميراميس)
للملك، غير ان (اونس) تجرع السم فمات كمدا،
لارغام الملك (نينوس) وخطف زوجته منه، انجبت (سميراميس) من الملك طفلا اسمياه (نيناس)
واثر موت الملك اعتلت (سميراميس)ملكة على عرش نينوى عاصمة آشور.
تقول الاسطورة الدائرة، ان (سميراميس) حكمت آشور 42 عاما،
الا انها كانت قد شاركت الحكم مع زوجها الملك بحكمتها لسنوات خمس
ثم تابعت الحكم بمفردها اثر موت زوجها.
بدأت (سميراميس) حكمها ببناء ضريح فخم في نينوى تمجيدا لزوجها الملك (نينوس).
وتنسب اليها الأسطورة الشعبية بانها بنت مدينة (بابل)، لكن في الواقع ،
ان الذي بنى حدائق بابل هو (نبوخذنصر) تلبية لرغبة زوجته الميدية،
وقد عمل في هذا الانشاء اكثر من مليوني عامل وفق ما يقوله المؤرخ الاغريقي (ديودروس)،
جاء بالعمال من ارجاء الامبراطورية المترامية الاطراف.
كان محيط السور ما يقرب من 66 كيلومترا طولا، اما عرضه فقد كان بوسع 6 عربات
تجرها خيول بالمرور فوقه سائرة جنبا الى جنب، وكان ارتفاعه مايفرب من 100
متر وشيد 250 برجا لحماية المدينة، واقيم جسر بطول 900 متر على نهر الفرات
الذي كان يمر وسط المدينة. و قد اقيمت عند نهاية كل جسر قلعة محصنة كانت الملكة
تستخدمها كدار استراحة، هذه القلاع كانت متصلة عبر ممرات سرية تحت النهر.
وفي هذا العهد بنت الحدائق المعلقة المعروفة في التاريخ.قامت (سميراميس)
بحملات عسكرية واسعة بعيدا في اسيا حتى قيل انها فاقت في امور القتال العديد من النساء
المقاتلات في تلك العصور. قيل عن (سميراميس) انها انشات العديد من مدن العالم القديم
أقيمت على نهري دجلة والفرات، واقامة العديد من اجمل واروع الاضرحة الفريدة
والمواقع النادرة الاخرى في كل آسيا. في جولاتها العسكرية استولت على ميديا
وبلاد الفراعنة والجزء الاكبر من الحبشة، وحاولت اخضاع الهند،
فشكلت جيشا جرارا فعبرت نهر السند،الا ان جيشها واجه اعدادا هائلة من الفيلة
المدربة فافزعت الخيول والجنود، فانسحب فرارا،
وقيل انها تعرضت لطعنة كادت تودي بحياتها، وبعد جهد جهيد عبرت النهر
وامرت بتدمير الجسر الذي اشادته كي لا يستطيعوا ملاحقة جيشها المهزوم.
يبدو ان اسم (سميراميس) تحريف اغريقي لـ (سمورامات) وهي ملكة مقدسة،
ام الملك الآشوري (اداد - نيناري الثالث) الذي حكم بين (810- 783 ق م)
زوجة شمشي - اداد الخامس، الذي حكم بين 823 - 811 ق م ،
و هو ابن شلمنصر الثالث الذي حكم بين
( 859 - 824 ق م ، و قد تميز حكمها بالقسوة بين 810- 805 ق م.
هذه الحكاية الاسطورية مستلة من (الملكة سمورات)
وبعد قرون طويلة حرف الاغريق الاسم الى (سميراميس).
وهي اسطورة مفتبسة من بابل، و(الملكة سمورات) تزوجت من ملك نينوى
(شمسو حدد الخامس) (823-811 ق.م).
بعد ان توفى زوجها لم يكن يبلغ ابنها ولي العهد (حدد نيراني) 811-783ق م
سن الرشد، فاستلمت زوجته (سميرامات) الملكة الحكم.
يبدو ان (سمورامات) أضفت نوعا من الرقة والروحانية الجنوبية على السلوك الآشوري
الذي اتسم بتقديس الفحولة المتمثل بالآله آشور واختيار منطق القوة والحرب.
ونجحت في ابراز ادوار آلهة كانت ثانوية عند الآشوريين مثل اله الحكمة (نبو).
لقد ملكت (سمورامات) كالملوك العظام، حيث أقامت مسلة لتخلد ذكرها في ساحة المسلات
في معبد آشور، وقد سجل على هذه المسلة العبارة التالية
(مسلة "سمورامات" ملكة سيد القصر - شمس حدد ملك الكون ملك آشور)
والد (حدد نيراني) ملك الكون ملك آشور وكنّاه (شلما نصر) ملك الجهات الاربعة.
وأصبحت وصية على عرش ولدها لمدة 5 سنوات حتى بلغ سن الرشد.
صحيح انها استلمت الحكم رسميا لفترة خمسة سنوات،
الا انها كانت تشارك بالحكم منذ ايام زوجها وكذلك مع ابنها.
ان شخصيتها القوية وذكائها الحاد وجمالها الاخاذ جعلاها تفرض سطوتها طيلة حكمها،
وتمسك بتلابيب دولة بلاد النهرين طيلة عشرات السنين.
و قد عثر على نقش حجري تذكاري في مدينة (آشور) واخر في (كالح)
تصور فيه انها الملكة التي حكمت خلفا لزوجها المتوفى.
لم تكتف هذه المرأة العظيمة بالسلطة السياسية وإدارة شؤون البلاد
بل تعدتها إلى التأثير في الحياة الدينية والفكرية والاجتماعية.
فهي رغم انها تشارك سكان آشور بالحضارة العراقية المشتركة،
الا ان اصلها الجنوبي منحها بعض الخصوصيات المذهبية والثقافية
حيث تمكنت ان تشيع مثل هذه المؤثرات البابلية على طريقة الحكم وعلى الكهنوت الآشوري
وعلى عموم الحياة في نينوى. ومهما يكن الامر فان (سميراميس) هي (سميرامات)
ثم انقلب اسمها عبر الازمة والعصور والدهور التوالي الى اسم يملك عطرا اسطوريا وعبيرا
على مر الدهور، وقد حمل لنا التاريخ اسطورة كونها (الامرأة الامرأة)
بالمعنى العالي اذ كانت رائعة الجمال باعلى اشكاله،
بالاظافة الى كونها كانت فائقة في قوتها وحكمتها.
انها (سميراميس) الاسطورة التاريخية. نجد في اسم (سميراميس)
العطر الانثوي وقوتها الخارقة كبطلة انثى تجعلها امرآة تنافس البطل (كلكامش)
الذَكر بل ربما تفوقه سحرا. (سميراميس) بجمالها الخلاب
اطلقوا اسمها على بعض ملكات عصور تالية منها (ماركريت)
ملكة الدانمارك والسويد والنرويج 135-1412 وكذلك (كاترين الثانية)
قيصرة روسيا 1729-1796 اعتبروهما (سميراميس) اوربا.
وفي العصور الحديثة طغت شخصيتها على عقول وافئدة العالم بشكل لم يسبق له مثيل،
حيث كتبوا ونشروا في العالم العديد من الكتب والروايات والاوبرات العالمية والمسرحيات،
ولم تستطع هوليوود الا ان تذكرهاا باكبر افلامها. واسم (سميراميس)
اطلق في جميع انحاء العالم وفي جميع اللغات وما لايحصى من المراكز السياحية
والفنادق ودور التجميل والانوثة والمتعة. يصفها الكاتب (ويفي ميليفل)
في ثنايا روايته (ساركادون.. اسطورة الملكة العظيمة) فيقول
( كانت فائقة الجمال، لا شك في الامر، ذلك الجمال الذي تعجز الكلمات عن وصفه،
انه الجمال المنتصر، ليس باقل من الجمال الذي يذعن له الآخرون مرغمين).