لدراسات والبحوث التجريبية، توصل إلى وجود عامل عام للتعبير عن السعادة وهو الشعور بـ "الرضا الشامل"، وقد يفسّر هذا العامل بالشعور بإعتدال المزاج والتعبير بالرضا عن الحياة.
والناس قد يصفون السعادة إمّا على أنها شعور بالرضا والإشباع وطمأنينة النفس وتحقيق الذات، أو أنها شعور بالبهجة والإستمتاع واللذة.
والجامع لكل هذه المشاعر، كما سبق، هو الشعور بالرضا - وإن اختلفت أحوال الناس وأوضاعهم وأفكارهم - فإذا قال بعض الناس إنهم راضون جداً عن معيشتهم في كوخ من الطين، فلابدّ أن نفترض أنهم راضون بالفعل(1).
وذلك لأنّ السعادة هي ما يشعر به الإنسان في داخله، فالعالم هو عالم النفس، لا العالم الخارجي، فإذا ما تنوّر القلب، كانت الدنيا منيرة في نظر الإنسان.. والعكس صحيح، فالظلمة تعني قبل كل شيء العتمة في عالم النفوس والأرواح.
في الفكر الإسلامي: الفلاح هو الظفر بالسعادة، وإدراك بغية النفس، أي تحقيق رضاها، وهي كذلك حالة نفسيّة ولكنها قد تحصل بالفوز بمغنم أو مكسب، وذلك شعور موقت، وقد تحصل بالتضحية بمغنم أو مكسب، مع رضا النفس ولذتها بهذه التضحية، لذلك عبّر القرآن الكريم عن الأنصار الذين قدّموا الأموال والمساكن وغيرها للمهاجرين، بأنهم مفلحون، كما قال تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون) (الحشر/ 9).
للسعادة في القرآن مراتب، كما هي في الحياة ولدى سائر الناس، فالإنسان في تعبير القرآن: كادح إلى ربّه (الإنشقاق/ 6)، ساعياً إلى لقائه، من خلال التمثل بأسمائه وصفاته.. إنّه يريد أن يتخلّق بأخلاق الله، ليكون ودوداً، رحيماً، رؤوفاً، كريماً، عالماً، مقدّساً، في أخلاقه وعاداته.
والدرجة العليا من السعادة هي النفس المطمئنة المتجلية في قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنّتي) (الفجر/ 27-30).
إنّه الأمن والإطمئنان الذي يطبع النفس فيملأها رضا عن ذاتها ورضا عمّا حولها.. وليس الرضا رضاها فقط، بل إنها مرضية أيضاً، فالله تعالى رضي عنها، والكون كلّه يعلن رضاه أيضاً لأنها لم تسلك طريقاً خاطئاً ولم تعمل عملاً سيِّئاً، بل كانت كلّها خير ومنفعة للناس جميعاً.. أليس الرسول الكريم (ص) يقول: "خير الناس أنفعهم لهم"؟.