الكيان اللقيط والربيع العربي
كانت إسرائيل بعيدة عن أحداث الربيع العربي، إلا أن موقعها في الشرق الأوسط جعلها جزءا من التطورات الأمنية، خصوصًا بعدما تفاقمت الأزمة السورية ووصلت قريبًا من خط وقف إطلاق النار في الجولان المحتل، وكذلك الاضطرابات في سيناء.
بعد ثلاث سنوات، كيف تنظر إسرائيل إلى الواقع الجديد في الشرق الأوسط، هل تتخوف التغيير؟ أمَّ أنَّها اليوم أقوى في ظل ضعف بعض الدول؟.
مرت ثلاثة أعوام إلا قليلا, منذ أن اندلعت ـ المصطلح المعد سلفا ـ ثورات الربيع العربي, ما يقرب من ثلاثة أعوام, لم تجني منها الشعوب التي ثارت علي الظلم والفساد والفقر والديكتاتورية , سوي المزيد من الفقر والكثير من الفوضي وزاد عليها الاقتتال الأهلي, واستبدال الديكتاتورية العلمانية بآخري دينية, ضيقة الأفق تعشق الدماء والخراب, في حين انه خلال تلك السنوات لم يشهد الغرب سوي اقل القليل من الهجمات الإرهابية.
سرعان ما تحول الربيع إلي خريف عربي سقيم, ولم يفلح الوصف الغربي المتحمس, في أن يمنعه من التحول إلي موجات من التدمير الذاتي, لقد خسر الجميع, حتي الإسلاميون الذين لهثوا طوال عقود وراء السلطة, سرعان ما اثبتوا فشلهم بجدارة لا يحسدون عليها, وسرعان ما سقطوا في مصر أولا, والبقية من المنتظر أن تلحق بهم فيما يشبه تساقط أحجار الدومينو, لكن يبقي رابح وحيد من وراء كل هذه الفوضي, إنها دولة إسرائيل, ظل هذا الكيان الشرق أوسطي البغيض الوحيد الذي صبت ثورات العرب في مصلحته, ومن قبلها كانت قد جنت ثمار التدمير شبه الكامل للعراق, حيث بدأت خطط الانهاك.
كان روبرت كابلان, كبير المحللين الجيوسياسيين في معهد ستراتفور, والمتخصص في الدراسات الاستخباراتية, من الشجاعة أن عبر مبكرا عن هذا التصور, وقد صدر له في سبتمبر من العام الماضي, كتاب في هذا السياق هو الانتقام من الجغرافيا, فقد كان من القلائل الذين قالوا إن المرحلة الأولي من ثورات الربيع العربي, كانت هي الأسهل, والكفيلة بان تجلب حالة من الإشباع الفوري للنخب الغربية التي انتظرت طويلا سقوط الأنظمة العربية الديكتاتورية, وتحقيق ما كانت تروج له من ضرورة إسقاطها أو علي اقل تقدير إضعافها, وهو ما كان, ثم كانت المرحلة الثانية, التي مكنت من حكم الإسلام السياسي, وهو ما يؤكده كابلان انه كان الحل الوحيد, لضمان أن يغير غضب الشارع العربي بكل زخمه, اتجاه من الولايات المتحدة وإسرائيل, إلي حكم الإسلام السياسي الجديد المنتظر, الذي كان من المتوقع أن يوجد لسنوات طويلة قادمة صراع علي السلطة بينه وبين النخب الليبرالية من ناحية والقوي الإسلامية الراديكالية المتضامنة معه من ناحية أخري, أشار كابلان أيضا إلي أن منظري الولايات المتحدة وإسرائيل كانوا يدركون انه بتزاوج كل من الحكم الإسلامي المتشدد, مع الأوضاع الاقتصادية المتردية في الكثير من دول’ الربيع العربي’, مع قلة خبرة هؤلاء الحكام الجدد في العمل فعليا كحكام علي ارض الواقع, بعد سنوات من التخطيط السري تحت الأرض, مع مؤسسات ظلت لعقود تعمل تحت حماية الحكومات الاستبدادية, ومع انهيار تلك المؤسسات أو ضعفها, كل هذا يعني في النهاية وببساطة شديدة, أن تغرق الأنظمة الحاكمة الجديدة, في مواجهة الاضطرابات السياسية الداخلية التي سيصنعهما بالأساس وجودها, وتلك الأنظمة الضعيفة, غير المؤهلة, سوف لن تجرؤ بالتأكيد علي التفكير في شن أي هجمات علي دول أخري, وبالتأكيد لن تنتبه لبناء إسرائيل المزيد من المستوطنات, بل لن يكون لديها القدرة علي الضغط من اجل حل عادل للشعب الفلسطيني, فصراعها من اجل البقاء, سيمنعها من أن تجاهد من اجل بقاء الشعوب الشقيقة المجاورة.
ثم أن الأنظمة العربية الجديدة التي امتطت أكتاف الشعوب البسيطة التي ثارت علي الفقر والجهل والفساد, لن تتمكن من السيطرة علي حدودها, وسوف تواجه صراعات دموية داخل مجتمعاتها, وبالتالي يري كابلان علي سبيل المثال, ووفقا لما تصوره قبل ثورة30 يونيو, ان سيناء سوف تشهد تناميا لقوة الجماعات الإسلامية المتشددة التي ستلقي دعما من الحكومة المركزية الإسلامية في القاهرة, مما سيجعل مصر غير قادرة علي تأمين حدودها, وذلك لعدة عقود كما كان مخططا له.
أما بالنسبة إلي ليبيا, فبعد إن تتخلص إسرائيل من ديكتاتورها المزعج, الذي لم تأمن أبدا لتقلبات مزاجه, فسوف تنتشر الجماعات المتشددة المسلحة في أرجاء ليبيا, بحيث تفرض المزيد من الفوضي علي الأبعاد الجغرافية, وتصنع المزيد من الإرباك للحكومة غير المؤهلة علي مواجهة الاضطرابات القبلية, مما سيفتت ليبيا في نهاية المطاف.
كثير من المنظرين الغربيين كانوا قد وضعوا في قلب مراكز الأبحاث وخزانات الفكر, من بين الخطوط العريضة لهذه الخطة المنتظرة, أن تزدهر الجماعات الجهادية وسط فراغ في السلطة, ناشئ عن استبدال الأنظمة المركزية الحاكمة القوية والمستبدة, بآخري ضعيفة قادمة عبر صناديق الاقتراع, لكن هذه الجماعات الجهادية, سوف لن تركز علي التخطيط لهجمات ضد الغرب, أو هجمات عابرة للحدود المحلية, وستكتفي بالصراع من اجل السلطة السياسية داخل مجتمعاتها, إضافة إلي أن سقوط الحكومات العربية العلمانية التي كانت تلقي دعما من الغرب, سوف يفقد تنظيمات إرهابية وجهادية مثل القاعدة وغيرها, المبرر التي كانت تروج له من وراء هجماتها علي الدول الغربية أو المصالح الغربية داخل المنطقة العربية, حيث سيكون الصراع الرئيس ضد من يحاول أن يقوض أركان حكم الإسلام السياسي الوليد داخل الحدود الإقليمية, وأيضا ضد ما تبقي من الهياكل السياسية المتداعية, وهذا يعني أن تتزايد حمامات الدم الطائفية في دول مثل سوريا والعراق وليبيا, وان يدخل علي المشهد السياسي الجديد, أمراء حرب جدد, يتدفقون عبر الشوارع العربية ويرسمون ملامحها البائسة.
كل هذه الفوضي, التي جاءت تحت ستار المصطلح الموسمي الرومانسي الربيع العربي هي بالتأكيد ما أدركته إسرائيل بكل دقة,وانتظرته بفارغ الصبر, حكام جدد غير قادرين علي تحمل مخاطر المواجهة, في ظل هذه الفوضي تستطيع إسرائيل أن تتوسع في بناء مستوطناتها كيفما شاءت, وربما في لحظة مواتية, قد تقوم بانسحاب أحادي استراتيجي من مدن الضفة الغربية والمناطق المجاورة التي كانت قد اختارت بالأساس عدم احتلالها.
وفقا لعدد من المحللين فقد استفادت إسرائيل أيضا في ظل هذه الفوضي الشرق أوسطية الجديدة, من أن تبعد مصر لوهلة عن أن تكون مرساة الغرب السياسية في المنطقة, لقد تمكنت أخيرا من الانتقام من مصر السادات في السبعينيات, وتصورت أنها ستتمكن من إرباكها جغرافيا, وان تقلل من ثقلها الديمغرافي, المرتكز علي ارتفاع نسب الشباب, وذلك من خلال صنع موجات استياء متواصلة لديهم, يغذيها, مزيج سام يندس عبر وسائل التواصل الالكترونية والمزيد من البطالة في ظل أنظمة جديدة عاجزة عن توفير فرص عمل, واقتصاد منهار, وإيجاد حالة فزع لدي المستثمرين الأجانب, مع انهيار شبكة المحسوبية التي صنعها عبر عقود نظام مبارك, كل هذا كفيل بان يجعل ثقل الشباب المصري المرعب لإسرائيل, قنبلة متفجرة في وجه المصريين أنفسهم.
فيما يخص الجحيم العربي الدائر في سوريا, كتب داني دانون, نائب وزير الدفاع الإسرائيلي, في مقال له نشر مؤخرا في فورن بوليسي, هناك نتيجة واحدة تخص إسرائيل فيما يحدث في سوريا الآن, لا جدال فيها, لقد حسنت الأزمة السورية موقف إسرائيل الاستراتيجي في المنطقة, إن إضعاف بشار الأسد وتعطيل خطته للهيمنة الاستراتيجية بالتعاون مع إيران, هو نعمة لأمن إسرائيل, وانه فقط مع ضمان أن لا تقع أسلحة’ لعبة التغيير’ في أيدي من قد يهدد امن إسرائيل, فان ما يحدث لسوريا الآن هو في مصلحة إسرائيل, بعد التخلص أيضا من حزب الله المتورط حاليا في سوريا, مما يعني أن مواطني إسرائيل يمكنهم النوم آمنين.
إسرائيل خرجت أقوى من أي وقت مضى بعد أن طويت صفحة الربيع العربي! هذا ما كتبه داني دانون، نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، في مجلة «فورين بوليسي» مؤخرا في تعليقه على احداث الربيع العربي التي حملت آمال الشباب الثائر بالديمقراطية ونهاية عهد الديكتاتوريات العربية. يقول دانون، إن هذه الآمال تحطمت وسط ازيز الطائرات المقاتلة ومناظر ضحايا الغاز السام ومشاهد الاقتتال الطائفي والمذهبي.
المَقطَع مأخُوذ من مُحاضَرَة بعُنوَان : "الحرب الإسلاَميَّة ضدَّ إسرائل، و لماذا تَربحُ إسرائيل؟!"
"The Islamic war against Israel, and why Israel is winning"
ألقاها اليهودي المدعُو.(David M. Weinberg)
بتاريخ : 2 يونيو 2013