أرى بـ أُذني...
كانتْ خطواتُه بطيئةً، وصوتُ العصا وهو ينقر بها بلاطَ الممرِّ في الحديقةِ يُساعده على السير في الطَّريقِ الصَّحيح. كان واضحًا أنَّه لا يرى.
كنتُ جالساً على كرسيٍّ خشبيٍّ على جانب الممرِّ. عندما اقترب منِّي توقَّعْتُ أنه سيمرُّ دون أنْ يُؤذيَني، لكنَّه اصطدم بقدمي، وبسرعةٍ وضع يده على ركبتي في لطفٍ وقال:
- آسف، لم أرَك فأنا أعمَى كما تراني.
قلتُ له:
- لا بأسَ، لم يحصلْ شيءٌ. هل ترغب في الجلوس بجانبي؟
- نعم، فقد استأذنْتُ أبي أنْ أجلسَ لبعض الوقت هنا.
لم أسألْه، لكنه أخبرني أنه يراجع المستشفى المجاور للحديقة منذ فَقَدَ بصره قبل شهرين. كان حزينًا لأنه لن يرَى ما حوله مرةً أخرى.
حاولْتُ التَّخفيف عنه بأنَّ هذا قَدَر الله تعالى، وإن كان فَقَدَ البصر فإنَّ لديه حواسَّ أخرى يستطيع أن يستفيدَ منها وأن يستمتعَ بالحياة.
سمع صوت أطفال يلعبون فطلب منِّي أن أَصِفَ له المشهد. تردَّدْتُ قليلاً، ثم قلت له:
- يا صديقي تستطيع أن ترى بأُذُنكَ؟
- كيف؟
- عندما أغمضُ عيني وأُركِّزُ على السمع فإنَّني سأعرف ما يفعلون.
- سأحاول. لكن أريدك أن تصف لي ما تراه الآن.
بدأتُ أصف له ما يدور حولنا: أطفالٌ يلعبون الكرة، واحدٌ منهم يلعب دورَ حارس المرمى، ويُوجد طفلٌ مميز يحاول جاهدًا تسجيلَ هدفٍ.
وفي الجهة الأخرى من الحديقة توجد عدة أرجوحات منها واحدةٌ تُصدر صوتًا مزعجًا، ومع ذلك يستخدمها أحدُ الأطفال.
ويوجد بناتٌ صغيراتٌ ملابسهنَّ مُلوَّنةٌ زاهيةٌ. والأشجار في الحديقة كثيرةٌ جدًّا، وفيها أعشاش للطيور.
كان يستمع في سعادةٍ بالغةٍ. قال لي:
- أشكرك من كلِّ قلبي، لقد جعلْتَني أعيش هذه اللحظات وكأنَّ بصري قد عاد لي.
من بعيدٍ، كان والده يناديه، فنهض شاكرًا.
عندما ابتعد..
أخذتُ عصاي، وسرتُ أنقرُ بها بلاط الممر. كنتُ سعيدًا لأنني أدخلْتُ السرور على شخصٍ فَقَدَ البصر مثلي.