الموصل منذ القدم سوقا للصاغة واضحة المعالم، ومعروفة المكان ؛ بل كانت حرفة صياغة الذهب والفضة، وبقية النفائس، مقتصرة على أسر محدودة التي عرفت بهذا النوع من النشاط التجاري، أما المشتغلون بهذه الحرفة (الصاغة) ؛ فكانوا ينتجون داخل بيوتهم، ثم يحملون ما تبدع به أناملهم إلى مركز المدينة (باب الطوب)، والأسواق القديمة المحيطة بهذا الموقع، لغرض عرض ما لديهم من مقتنيات وحاجيات ذهبية، ومخشلات وقلائد وأساور وغيرها للناس الذين ينتقون منها ما يناسب أذواقهم، وأوضاعهم المادية.. ومن خلال الواجهات الزجاجية التي تجتذب الزبائن الذين يكونون في الغالب من النساء، أو من أولئك الذين يتخذون استعداداتهم لدخول قفص الزوجية.وأصبح بمرور الوقت للصاغة سوقا كبيرة خاصة بهم، تجمعهم في مكان واحد تقريبا ؛ حيث يعمل في هذه الحرفة حاليا مالا يقل عن 400 محل … ؛ ويدعى سوقهم بسوق الصاغة حيث يزوره يومياً بما لا يقل عن 10000 زبون، و لا يشترط بهم أن يكونوا من الشرّاء، فبعض النسوة يزرنَّ السوق من أجل الإطلاع على كل جديد، وأخريات يزرنَّ السوق من أجل (تصليح) حاجة معينة، أو لمجرد السؤال عن قيمة الذهب.ويشكو معظم الصاغة هذه الايام أضطرارهم لنقل ما يملكوه من كميات من الذهب إلى بيوتهم لإنتشار ظاهرة السرقات والإختطاف والى أماكن أخرى كونها أكثر أمانا تحت وطأة الوضع الأمني المتردي،، لذا ترى أن عدد الزائرين للسوق قد أنخفض جداً، ما دفع الصاغة الى تحويل بيوتهم إلى ورش للعمل لعدم قدرتهم على العمل داخل محالهم لجملة أمور.. السبب الأمني أولاً، وعدم توفر التيار الكهربائي.... الخ.. وبالمقارنة بين الصاغة القدماء والطارئين فقد طال هذه الحرفة الطارئون كما طالوا حرفاً أخرى، لذا تجد أن الكثير من الصاغة القدامى تنازلوا عن هذه الحرفة لأبنائهم، أو أنهم قرروا الإتجاه نحو مصدر آخر لكسب الرزق، ومن الناحية العملية نجد أن الصاغة القدامى كانوا (يتفننون) في حرفتهم، ويقدمون لزبائنهم أجود التحف المصنوعة باليد، وبوساطة أدوات يدوية بسيطة، حيث أنهم يرفضون تحويل حرفة الصياغة من حرفة تراثية إلى حرفة تجارية بحتة تنجز من قبل أشباه الصاغة الذين يستعينون بالآلة الكهربائية لإنتاج قطعهم الذهبية، وهذه هي حال سوق الصاغة اليوم … ولكي يتم الحفاظ على هذه الحرفة، ومدّها بعوامل النجاح من جديد، وحماية العاملين فيها ؛ نجد أن الصاغة في الموصل ؛ عادوا من جديد لتأسيس رابطة تجمع أرباب الحرفة كلهم ضمن توجهات مؤسسات المجتمع المدني الناشطة حالياً، حيث تعمل هذه الرابطة على تنظيم آلية العمل في سوق الذهب، وتوفر الضمان اللازم لكل من البائع والمشتري، وتعمل على حماية الطرفين من حوادث الغش والخداع التي قد تحدّث، كذلك يعمل صاغة آخرون من أجل تأسيس منظمات اخرى تعنى بشؤون الصاغة.. وكل هذا من أجل الحفاظ على حرفة الصياغة كواحدة من الموروث العراقي الأصيل.
ابو النون