الحمد لله الذي لا إله هو ، وله الحمد رب العالمين ، وصلى الله على محمد نبيه وآله وسلم تسليما . اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك ، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك ، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم ، الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية ، وزخرفها وزبرجها ، فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به .فقبلتهم وقربتهم وقدرت لهم الذكر العلي والثناء الجلي ، وأهبطت عليهم ملائكتك ، وكرمتهم بوحيك ورفدتهم بعلمك ، وجعلتهم الذريعة إليك والوسيلة إلى رضوانك . فبعض أسكنته جنتك ، إلى أن أخرجته منها ، وبعض حملته في فلكك ونجيته ومن آمن معه من الهلكة برحمتك ، وبعض اتخذته لنفسك خليلا ، وسألك لسان صدق في الآخرين ، فأجبته ، وجعلت ذلك عليا ، وبعض كلمته من شجرة تكليما ، وجعلت له من أخيه ردءا ووزيرا . وبعض أولدته من غير أب وآتيته البينات ، وأيدته بروح القدس وكل شرعت له شريعة ، ونهجت له منهاجا ، وتخيرت له أوصياء ، مستحفظا بعد مستحفظ ، من مدة إلى مدة ، إقامة لدينك ، وحجة على عبادك ، ولئلا يزول الحق عن مقره ، ويغلب الباطل على أهله ، ولا يقول أحد لولا أرسلت إلينا رسولا منذرا ، وأقمت لنا علما هاديا ، فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى . إلى أن انتهيت بالأمر إلى حبيبك ونجيبك ، محمد صلى الله عليه وآله ، فكان كما انتجبته سيد من خلقته ، وصفوة من اصطفيته ، وأفضل من اجتبيته ، وأكرم من اعتمدته ، قدمته على أنبيائك ، وبعثته إلى الثقلين من عبادك ، وأوطأته مشارقك ومغاربك ، وسخرت له البراق ، وعرجت بروحه إلى سمائك ، وأودعته علم ما كان وما يكون إلى انقضاء خلقك . ثم نصرته بالرعب ، وحففته بجبرئيل وميكائيل والمسومين من ملائكتك ، ووعدته أن تظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، وذلك بعد أن بوأته مبوء صدق من أهله ، وجعلت له ولهم أول بيت وضع للناس ، للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ، فيه آيات بينات ، مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا . وقلت : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، وجعلت أجر محمد صلى الله عليه وآله مودتهم في كتابك ، فقلت : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ، وقلت : ( ما سألتكم من أجر فهو لكم ) ، وقلت : ( ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ) ، فكانوا هم السبيل إليك والمسلك إلى رضوانك . فلما انقضت أيامه ، أقام وليه علي بن أبي طالب صلواتك عليهما وآلهما هاديا ، إذ كان هو المنذر ولكل قوم هاد ، فقال والملأ أمامه : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله . وقال : من كنت أنا نبيه فعلي أميره ، وقال : أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى ، وأحله محل هارون من موسى ، فقال : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .وزوجه ابنته سيدة نساء العالمين ، وأحل له من مسجده ما حل له ، وسد الأبواب إلا بابه ، ثم أودعه علمه وحكمته ، فقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها . ثم قال له : أنت أخي ووصيي ووارثي ، لحمك من لحمي ، ودمك من دمي ، وسلمك سلمي ، وحربك حربي ، والايمان مخالط لحمك ودمك ، كما خالط لحمي ودمي ، وأنت غدا على الحوض خليفتي ، وأنت تقضي ديني ، وتنجز عداتي ، وشيعتك على منابر من نور ، مبيضة وجوههم حولي في الجنة وهم جيراني ، ولولا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي . وكان بعده هدى من الضلال ، ونورا من العمى ، وحبل الله المتين ، وصراطه المستقيم ، ولا يسبق بقرابة في رحم ، ولا بسابقة في دين ، ولا يلحق في منقبة من مناقبه ، يحذو حذو الرسول صلى الله عليه وآله ، ويقاتل على التأويل ، ولا تأخذه في الله لومة لائم .قد وتر فيه صناديد العرب ، وقتل أبطالهم ، وناوش ذؤبانهم ، وأودع قلوبهم أحقادا بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهن . فأضبت على عداوته ، وأكبت على منابذته حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين .ولما قضى نحبه ، وقتله أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين ، لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في الهادين بعد الهادين ، والأمة مصرة على مقته ، مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده ، إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم .فقتل من قتل ، وسبي من سبي ، وأقصي من أقصي ، وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة ، إذ كانت الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ، ولن يخلف الله وعده وهو العزيز الحكيم .فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما ، فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتذرف الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويضج الضاجون ، ويعج العاجون .أين الحسن ، أين الحسين ، أين أبناء الحسين ، صالح بعد صالح ، وصادق بعد صادق ، أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أين الشموس الطالعة ، وأين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين أعلام الدين وقواعد العلم . أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الطاهرة ، أين المعد لقطع دابر الظلمة ، أين المنتظر لإقامة الأمت والعوج ، أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان ، أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن ، أين المتخير لإعادة الملة والشريعة ، أين المؤمل لاحياء الكتاب وحدوده ، أين محيي معالم الدين وأهله ، أين قاصم شوكة المعتدين ، أين هادم أبنية الشرك والنفاق ، أين مبيد أهل الفسوق والعصيان والطغيان ، أين حاصد فروع الغي والشقاق ، أين طامس آثار الزيغ والأهوال ، أين قاطع حبائل الكذب والافتراء ، أين مبيد العتاة والمردة ، أين مستأصل أهل العناد والتضليل والالحاد . أين معز الأولياء ومذل الأعداء ، أين جامع الكلمة على التقوى ، أين باب الله الذي منه يؤتى ، أين وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء ، أين السبب المتصل بين أهل الأرض والسماء ، أين صاحب يوم الفتح وناشر راية الهدى ، أين مؤلف شمل الصلاح والرضا . أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء ، أين الطالب بدم المقتول بكربلا ، أين المنصور على من اعتدى عليه وافترى ، أين المضطر الذي يجاب إذا دعى ، أين صدر الخلائق ذو البر والتقوى ، أين ابن النبي المصطفى وابن علي المرتضى ، وابن خديجة الغراء فاطمة الكبرى . بأبي أنت وأمي ونفسي لك والوقاء والحما ، يا بن السادة المقربين ، يا بن النجباء الأكرمين ، يا بن الهداة المهديين ، يا بن الخيرة المهذبين ، يا بن الغطارفة الأنجبين ، يا بن الخضارمة المنتجبين ، يا بن القماقمة الأكرمين ، يا بن الأطائب المعظمين المطهرين ، يا بن البدور المنيرة ، يا بن السرج المضيئة ، يا بن الشهب الثاقبة ، يا بن الأنجم الزاهرة .يا بن السبل الواضحة ، يا بن الأعلام اللائحة ، يا بن العلوم الكاملة ، يا بن السنن المشهورة ، يا بن المعالم المأثورة ، يا بن المعجزات الموجودة ، يا بن الدلائل المشهودة ، يا بن الصراط المستقيم ، يا بن النبأ العظيم ، يا بن من هو في أم الكتاب لدى الله علي حكيم . يا بن الآيات والبينات ، يا بن الدلائل الظاهرات ، يا بن البراهين الواضحات الباهرات ، يا بن الحجج البالغات ، يا بن النعم السابغات ، يا بن طه والمحكمات ، يا بن يس والذاريات ، يا بن الطور والعاديات ، يا بن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، دنوا واقترابا من العلي الأعلى . ليت شعري أين استقرت بك النوى ، بل أي أرض تقلك أو ثرى ، أبرضوى أم غيرها أم ذي طوى ، عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى ، ولا أسمع لك حسيسا ولا نجوى ، عزيز علي أن تحيط بك دوني البلوى ، ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى . بنفسي أنت من مغيب لم يخل منا ، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا ، بنفسي أنت أمنية شائق يتمنى ، من مؤمن ومؤمنة ذكرا فحنا ، بنفسي أنت من عقيد عز لا يسامى ، بنفسي أنت من أثيل مجد لا يجازى ، بنفسي أنت من تلاد نعم لا تضاهي ، بنفسي أنت من نصيف شرف لا يساوى . إلى متى أحار فيك يا مولاي ، والى متى ، وأي خطاب أصف فيك ، وأي نجوى ، عزيز علي أن أجاب دونك وأناغي ، عزيز علي أن أبكيك ويخذلك الورى ، عزيز علي أن يجري عليك دونهم ما جرى . هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء ، هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا ، هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى ، هل إليك يا بن أحمد سبيل فتلقى ، هل يتصل يومنا منك بغده فنحظى ، متى نرد مناهلك الروية فنروي ، متى ننتقع من عذب مائك فقد طال الصدى ، متى نغاديك ونراوحك فتقر عيوننا ، متى ترانا ونريك وقد نشرت لواء النصر ترى . أترانا نحف بك ، وأنت تام الملأ ، وقد ملأت الأرض عدلا ، وأذقت أعداءك هوانا وعقابا ، وأبرت العتاة وجحدة الحق ، وقطعت دابر المتكبرين ، واجتثثت أصول الظالمين ، ونحن نقول : الحمد لله رب العالمين . اللهم أنت كشاف الكرب والبلوى ، وإليك أستعدي فعندك العدوي ، وأنت رب الآخرة والأولى ، فأغث يا غياث المستغيثين عبيدك المبتلى ، وأره سيده يا شديد القوى ، وأزل عنه به الأسا والجوا وبرد غليله يا من على العرش استوى ، ومن إليه الرجعي والمنتهى .اللهم ونحن عبيدك التائقون إلى وليك ، المذكر بك وبنبيك ، خلقته لنا عصمة وملاذا ، وأقمته لنا قواما ومعاذا ، وجعلته للمؤمنين منا إماما ، فبلغه منا تحية وسلاما ، وزدنا بذلك يا رب إكراما ، واجعل مستقره لنا مستقرا ومقاما ، وأتمم نعمتك بتقديمك إياه أمامنا ، حتى توردنا جنانك ومرافقة الشهداء من خلصائك .اللهم صل على حجتك وولي أمرك ، وصل على جده محمد رسولك السيد الأكبر ، وصل على على علي أبيه السيد القسور ، وحامل اللواء في المحشر ، وساقي أولياءه من نهر الكوثر ، والأمير على سائر البشر ، الذي من آمن به فقد ظفر ، ومن لم يؤمن به فقد خطر وكفر .صلى الله عليه وعلى أخيه وعلى نجلهما الميامين الغرر ، ما طلعت شمس وما أضاء قمر ، وعلى جدته الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى ، وعلى من اصطفيت من آبائه البررة ، وعليه أفضل وأكمل ، وأتم وأدوم ، وأكبر وأوفر ما صليت على أحد من أصفيائك وخيرتك من خلقك ، وصل عليه صلاة لا غاية لعددها ، ولا نهاية لمددها ، ولا نفاد لأمدها . اللهم وأقم به الحق ، وأدحض به الباطل ، وأدل به أوليائك ، وأذلل به أعداءك ، وصل اللهم بيننا وبينه وصلة تؤدي إلى مرافقة سلفه ، واجعلنا ممن يأخذ بحجزتهم ، ويمكث في ظلهم ، وأعنا على تأدية حقوقه إليه ، والاجتهاد في طاعته ، والاجتناب عن معصيته . وامنن علينا برضاه ، وهب لنا رأفته ورحمته ، ودعاءه وخيره ، ما ننال به سعة من رحمتك وفوزا عندك ، واجعل صلاتنا به مقبولة ، وذنوبنا به مغفورة ، ودعائنا به مستجابا ، واجعل أرزاقنا به مبسوطة وهمومنا به مكفية ، وحوائجنا به مقضية ، وأقبل إلينا بوجهك الكريم ، واقبل تقربنا إليك ، وانظر إلينا نظرة رحيمة ، نستكمل بها الكرامة عندك . ثم لا تصرفها عنا بجودك ، واسقنا من حوض جده صلى الله عليه وآله بكأسه وبيده ، ريا رويا هنيئا سائغا لا ظمأ بعده ، يا أرحم الراحمين .