سالم ايليا
في بلادي يعيش المرء حياة السلاطين ـ ـ
حيثُ يُخلقُ الإنسان من الطين ـ ـ
ويعشقُ البشرُ فيها شمّ الرياحين ـ ـ
وتُزفّ العروسُ بهودجٍ من الياسمين ـ ـ
وفي بلادي تذبحُ المرأة بالسكين ـ ـ
وتتزايد فيها أعداد الأرامل واليتامى بالملايين ـ ـ
فبلادي ليست ككل البلدان ، يسكنُ أزقتها الأنسُ والجان ـ ـ
وقد حباها الله بكنوز اللؤلؤ والمرجان ـ ـ
وفي بلادي لا يوجد للصفحِ مكان ـ ـ
فالإنتقام سيد كل الأزمان ـ ـ
فلا ينعمُ البشرُ فيها بنعمة النسيان ـ ـ
- - - - -
في بلادي يصبحُ الجاهل في الشعرِ شاعراً ـ ـ
ويصبحُ المؤمنُ التقي فاجراً ـ ـ
وفي بلادي يُخطفُ المرء من بيتهِ في وضح النهار ـ ـ
ويكسرُ سكون الليل بصوتِ الإنفجار ـ ـ
فتُضاءُ عتمة الدُجى بلهيبٍ من النار ـ ـ
ويمتلأ جوف الفضاء بسحابةٍ من الغبار ـ ـ
وفي بلادي يصنعُ الخبزُ من جسد الأحرار ـ ـ
ويُصنعُ الخمرُ من دم الأخيار ـ ـ
- - - - -
ففي بلادي كلّ شئ مجاز ، وكل شئ مباح - -
فلا يشنقُ المدانُ بحبل المشنقة - -
وإنما يُسحلُ حتى تغدو جثّته ممزقة - -
ـ ـ ـ ـ ـ
وفي بلادي يخرجُ الطفلُ من رحمِ أمهِ حاملاً للبندقية - -
ولم يعد يكتبُ في شهادةِ ميلادهِ حاملاً للجنسية العراقية - -
بل يكتبُ فيها هويته الطائفية - -
وفي بلادي كان الناس يسهرون على سطوح منازلها في الليالي القمرية - -
ويلتقي الخلاّن فيها في المتنزهاتِ الشعبية - -
ويتبارى الشعراءُ في أمسياتها الشعرية - -
وبلادي وقفت بوجه الجيوش الهمجية - -
حين دنّستها أقدام الغزاة البربرية - -
ورقص المدافعون عنها على أكتاف المنيّة - -
وفيها غابت القوانين الآلهية - -
وتبعت الجموع أوامر المرجعية - -
وقدّسَ الرُعاع دعوات المذهبية - -
وبلادي أسست أولى الحضارات الإنسانية - -
وعلّمت البشرية حروف الأبجدية - -
وأُنزِلت فيها أولى الشرائع السماوية - -
وسُنّت أولى القوانين البشرية - -
حيثُ لا يوجد فيها فارق كبير بين المذنب والشاهد على القضية - -
فالحُكم صادر بحقهما قبل الجلسة الأولية - -
وقد كثُرت الوفيات فيها بالسكتات القلبية - -
وإزدهرت صناعة التوابيت الخشبية - -
ـ ـ ـ ـ ـ
وفي بلادي تغنى جرفُ دجلة بنديم الشعراء - -
وتحول الفرح فيها في لحظاتٍ الى عويلٍ وبكاء - -
ولم يعد فيها معنى للألوان ، فقد إصطبغت كل الوانها بالصبغة الحمراء - -
فبلادي التي أعشقها وأنبذها ليست ككل البلدان ، يسكنُ أزقتها الأنس والجان