لأغنية أنا وليلى وقعٌ يلغم سامعها لجلسة تحضير أرواح ، لا تشبه حلقات الدجل أو استصراخ الأموات ، بل استحضار مشاهدها روحياً لتكون هناك ليلى وقيس ما ، وبإبرة ترزيّ لكاظم يحاك الدانتيل تفاصيل من حب وآهٍ وسحيق أسى.
لا يشترط بك أن تكون من مفضلي كاظم الساهر ، أو طربي السماع ، أو من مؤيدي الأغنيات الفصيحة لتغرم بهذه المقطوعة ، صدقاً هناك سر "باتع" لها ، وهي بذات الآن لعنة ستحيق بنجاحات الساهر أياً كانت بعدها . لهذه الأغنية طقس انتظار يؤديه حاضري أياً من حفلات كاظم ، وتبدأ النداءات المطالبة بها بعد أي أغنية يستفتح بها كاظم حفلته ، ومهما حاول عن إحالة الجمهور لأغنية أخرى فلن يكف الطلب ، بل أنه سيفضلها على أي أغنية جديدة لم تُطرح بع قد يفاجئ بها الساهر حاضريه . وكثيراً ما وقف الساهر مسائلاً إياهم: ألم تملوا هذه الـ ليلى؟ .
في لقاء تلفزيوني مع كاظم الساهر سئل عن سرها ؟ وأي سحر حاق بمحبيها ؟ قال كل ما يعرفه أنها حبيبته المدللة التي لو بيده لوضع نوتاتها جدارية جبسية في سقف منزله! .
قصة " أنا وليلى " قصة حب أو إيجاز للحب بوصفه من طرف واحد ، أُبدعت من كلمات حفي لها توق كاظم الساهر _ كما قيل _ بحثاً منذ قرأها في فتره الثمانينات على صفحات جريدة كانت من أكثر الصحف انتشارا في الوسط الشبابي في العراق ، وكان من ضمن صفحاتها صفحة للمساهمات الشعرية ، وفي أحد الأعداد تضمنت مقاطعاً تحت اسم "أنا وليلى " ، فحاول كاظم الساهر البحث عن مؤلفها ، ولكثرة مدعيّ كتابتها لجأ الساهر إلى حيلة : "أكملْ القصيدة".. وبالتالي كل من ادّعى كتابتها لم يستطع إكمالها بنفس روح كلماتها ، حتى وصل إلى كاتبها الحقيقي وهو الشاعر المبدع (حسن المرواني) ، عن طريق ابن خالة الشاعر ، وقد كان الشاعر حينها يعمل في مجال التدريس في ليبيا .
أما القصة التي رويت عن حيثيات كتابة الشاعر حسن المرواني للقصيدة فتُنسب لقصة حقيقية عاشها الشاعر فترة شبابه في أروقة جامعة بغداد حيث كان يدرس في كلية الآداب ، حيث أحبّ إحدى زميلاته واسمها ( سندس ) من مدينة كركوك ، فصارحها بمشاعره تجاهها متجاوزاً حاله المعدمة فصدته ، ومن ثمَّ عاود كرته بعد عامين فصدته هذه المرة قطعياً ، وبعدها بفترة خُطبتْ لأحد الزملاء الأغنياء في نفس الكلية ، فاغتنم فرصة إحدى المناسبات في نشاطات الكلية وبحضور سندس ، وألقى قصيدته التي بدأها منذ أول صدٍّ لـها ( وقد كنّاها بـ ليلى في القصيدة ) .
تنساب الأغنية بفخ نفحة العطر البتول بعدما تُفتح الزجاجة المختومة.. كسكرة الرائحة الأولى فيما يشبه موالاً تتصاعد موسيقاه:
دع عنك لومي واعزف عن ملاماتي
إني هويت سريعاً من معاناتي
ملك أنا ودار العشق مملكتي
ديني الغرام وكتاب الحب توراتي
ما حرم الله حباً في شريعته
بل بارك الله أحلامي البريئاتي
أنا لمن طينة والله أودعها
روحاً ترف بها عذب المناجاة
دع الحرام ولا تعذل بفاتنة
ما كان قلبي مصنوع من حجارات
إني بغير الحب أخشاب يابسة
إني بغير الهوى أشباه أموات
إني لفي بلدة أمست عاداتها
ثوب الشريعة في مخرق عادات
نبض القلوب مورق عن قداستها
تسمع أحاديث أقوال الخرافات
عبارة علقت في كل منعطف
أعوذ بالله من تلك العبارات
عشق البنات حرام في مدينتنا
عشق البنات طريق للغاويات
إياك أن تلتقي يوماً بامرأة
إياك إياك أن تغري العاشقات
إن الهوى عار في مدينتنا
فكيف لو كان حبي للأميرات
يا للتعاسة من دعوى مدينتنا
فيها يعد الهوى كبرى الخطيئات
الحب أهدى إلى الأزهار قبلته
والزهر المرقد أمسى بكاساتي
ذوت أزهار روحي وهي يابسة
ماتت أغاني الهوى ماتت حكاياتي
ماتت بمحراب عينيك ابتهالاتي
واستسلمت لرياح اليأس راياتي
جفت على بابك الموصود أزمنتي
ليلى وما أثمرت شيئاً نداءاتي
أنا الذي ضاع لي عامان من عمري
وباركت همي وصدقت افتراضاتي
عامان ما رف لي لحن على وتر
ولا استفاقت على نور سماواتي
أعتق الحب في قلبي وأعصره
فأرشف الهم في مغبرّ كاساتي
وأودع الورد أتعابي وأزرعه
فيروق شوكاً ينمو في ملء أحشائي
سمراء ما عمري حزن ٍ أبدده
ولكني عاشق ! والحب مأساتي
يا قبلة الحب يا من كنت أعشقها
عشقاً لعل الهوى يشفي جراحاتي
ما ضر لو عانق النيروز غاباتي
أو صافح الظل أوراقي الحزينات
ما ضر لو أطياف عينيك جاءتنا
بحقد تخفي آلامي المريرات
تسع سنين مضت والأحزان تسحقني
ومت حتى تناستني أحــــــــــــــزاني
تسع على مركب الأشواق في سفر
والريح تعصف في عنف شراعات
طال انتظاري متى ستعودين سيدتي
لقاؤك لي يطفئ نار آهـــــــــــــــاتي
متى ستوصلني ذي قار قافلتي
متى ترفرف يا عشاق راياتي
غداً سأقتل أحزاني وادفنــــــها
غداً سأطلق أنغامي المضحكات
غداًً سأنسى من كنت عاشقها
غداً سأنسى أحزاني ولوعاتي
ولكن نعتي إلى العشاق قاتلتي
إذا أعقبت فرحي شلال حيرات
فعدت أحمل نعش الحب مكتئباً
أمضي البوادي وأسماري قصيداتي
ممزق أنا لا جاه ولا ترف
يغريكِ فيَّ فخليني لآهاتي
لو تعصرين سنين العمر أكملها
لسال منها نزيف من جراحاتي
لو كنت ذا ترف ما كنت رافضة
حبي ، ولكن فقر الحال مأساتـي
فليمضغ اليأس آمالي التي يبست
وليغرق الموج يا ليلى بضاعاتي
كل القناديل ساطع نورها وأنا
تظل تشكو نضوب الزيت مشكاتي
عانيت عانيت لا حزني أبوح به
ولست تدرين شيئاً عن معاناتي
أمشي وأضحك يا ليلى مكابرةً
علّي أخبي عن الناس احتضاراتي
لا الناس تعرف ما خطبي فتعذرني
ولا سبيل لديهم في مواساتي
يرسو بجفنيي حرمان يمص دمي
ويستبيح إذا شاء ابتساماتي
عندي أحاديث حزنٍ كيف أنشدها
تضيق ذرعاً بي أو في عباراتي
ينزّ من حرقتي القلب فأسأله
لمن أبثّ دموعي المريضات
ينز من حزني الشوق فأسأله
كيف سأقضي أيامي الحائرات
معذورة أنت إن أجهضت لي أملي
لا الذنب ذنبك بل كانت حماقاتي
أضعت في عرب الصحراء قافلتي
وجئت أبحث في عينيك عن ذاتي
وجئت أوطانك الخضراء منتشياَ
كالطفل أحمل أحلامي البريئاتِ
لاموا افتتاني بزرقاء العيون ولو
رأوا جمال عينيك ما لاموا افتتاناتي
لو لم يكن أجمل الألوان أزرقها
لما اختاره الله لوناً للسماوات
وجدت في عينيك ألف أغنية
غينيتها كلما طال الفراق
وجئت أحمل في كفيّ أغنيةً
أجترها كلما بعدت مسافاتي
حتى إذا انبلجت عيناك في أفق
وطرز الفجر أيامي الكئيباتِ
غرست كفك تجتثين أوردتي
وتسحقين بلا رفق مسراتي
واحسرتاه ... مضاعٌ هاجرت سفني عني
وما أبحرت منها شراعاتي
نُفيت واستوطن الأغراب في بلدي
ومزقوا كل أشيائي الحبيبات
خانتك عيناك في زيف وفي كذب
أم غرّك البهرج الخداع مولاتي
توغلي يا رماح الحقد في جسدي
ومزقي ما تبقى في كل أحشائي
فراشة جئت ألقي كحل أجنحتي
لديك فاحترقت ظلماً جناحاتي
أصيح والسيف مزروع بخاصرتي
والغدر حطم آمالي العريضــــــــات
هل سينمحي طيفك السحري من أملي؟
وهل ستغرب عينيك الرائعات
هل من سبيل إلى ليلى أودعها
أم هل من رحيل دون وداع
من بعدكم كيف السبيل إلى وطني؟
ومن دونكم اضعت طريقاتي
كتبت فوق سماء الدنيا لافتةً
أشكو بها إلى الله آلآمي
وأنت أيــــــــــضاً ألا تبّت يداكِ
إذا آثرتِ قتلي واستعذبت أنّاتي
من لي بحذف اسمك الشفاف من لغتي
إذنً ستمسي بلا ليلى حكـــــــــــــاياتي
إذن ها هو المصــــــــــــــــــير يا ليلى
سأبقى بدونك طـــــــــــــــــــوال حياتي
من موقعي منقول