يوم أن ولَّى الربيع ]|..
.
.
لم أر أمامي سوى رفوف مزدحمة مملوءة بالكتب والأوراق نال منها الغبار ومد بساطة القاتم على أجزائها .. اقتربت أكثر وبدأت بتقليب ما وقعت عليه عيناي من أوراق وملفات وكتب .. في ركن قصي أسفل الرفوف وضع دفتر ذو غلاف جلدي أخضر اللون وأوراق صفراء كتب عليها " مذكرات" .
تناولته بخفة ومسحت بكمي ما علق به من غبار وفتحت الغلاف وقرأت " يوم أن ولى الربيع " .
( 1 )
إشراقات الصباح المتألقة بدأت تضمحل في حياتي .. صرت أفتش في الماضي ما بين ركام أيامه وتكدس أحداثهن لحظات جميلة عايشتها .. فما لاح لي إلى وميض من النور المشع يصارع السواد المتراكم .. أبحث بين أدراجي عن ذكريات عشتها بين سهاد وقلق وبين طموح وآمال وتطلعات متزاحمة تبحث عن عالم يملؤه الخير والسعادة والابتسامة بعدما مللت حياة الحزن والظلام المتواصل .. أصبحت أميل إلى الوحدة والتفكير العميق فيمن حولي .. أفكر في أيامي وليالي التي ما فتئت تنداح في طريق النهاية .. أفكر في العالم والكون والفضاءات الواسعة وعوالم الأجرم اللامتناهية التي تملأ العالم والحياة وتعيش في شموخ وكبرياء في فضاءات بعيدة ولا نرى منها إلا ضوءاً خافتاً يلمع من بعيد .. بدأت أفلسف حياتي بين جداول المنطقيين ورموز الجدليين حتى يكون لها معنىً أعمق وأكثر تألقاً .. بعدما كانت في الماضي البعيد تمر متوهجة الساعات عبقة الأرجاء ذهبية الحلقات تسير قوية العزم في طريقها الطويل .
عقارب السنين في داخلي تشير إلى خمسة وعشرين عاماً قضيتها دون منغصات تستحق الذكر .. عشتها في جو أسري متناغم يغلب عليه المودة والتفاهم .. عندي ثلاثة من الأخوة وأختان أنا أكبرهم سناً ولهذا فقد كنت أمل والدي الأول ومكمن تطلعاتهم .. كانت طفولتي جميلة ووادعة .. أشياء كثيرة كانت تذهلني وتسترعي انتباهي .. كنت أحس دوماً برعاية أبوي .. وكانت التوجيهات تنهال علي عند كل خطأ .. لهذا فقد عشت حياة أقرب إلى الدقة منها إلى الفوضى .. ثم كبرت ودخلت مرحلة الشباب وشاركني إخوتي عناية أبوي وقاسموني سبيل المحبة الأسرية .. وفرضوا علي قدراً من المسؤولية تجاههم لكوني الأكبر .. وجاءت مرحلة الجامعة فدخلتها بعد أن بهرتني بعالمها المختلف عما ألفته .. كل شيء بنظام .. أعداد غفيرة من الطلاب لم أعهدها من قبل .. وقدر من الحرية لم يكن موجوداً في المدارس .. حتى نوعية الخطاب الذي نلمسه من الأساتذة كان مختلفاً .. تأقلمت بسرعة مع الأجواء الجديدة .. وبدأت أخوض صراع التفوق وهاجس التحدي تحت أديم السماء الجامعية .. ومرت الأيام .. أربع سنوات انقضت كلمح البصر .. ورحلت معها أروع أيام الشباب وأكثرها إثارة .
( 2 )
بدأت معاناة البحث عن وظيفة وعشت تحديات المستقبل الغامض .. فالحصول على وظيفة جيدة يتدخل فيه عامل الحظ بقوة .. فكيف تستطيع اقتناص الفرص .. هذه الفترة كانت مليئة بالمخاوف .. فترة هيجان التطلعات وشرود الخيال .. لم أستطع إخفاء قلقي من المستقبل عن أهلي فقد لمسوا حالة التوتر الدائم التي كانت أعانيها .. أحياناً كان يغمرني التفاؤل والاطمئنان وتسودني ومضات من القناعة والرضا يحسدني عليها أكبر القانعين .. وأحياناً أخرى أغرق في بحر من التشاؤم وأعيش الخوف والرهبة من الآتي وأنظر إلى عالمي من خلال نظارة سوداء .. كانت فترة تقلبات نفسية لا يعيها إلا من عايشها .. الشيء الوحيد الذي كان ثابتاً في عقلي هو قناعتي بأنني قد تجاوزت أجمل مراحل الشباب وأنني بدأت دخول معامع الحياة ومعتركات إثبات الوجود .. ثلاثة أشهر مرت محملة بقدر غير قليل من الاكتئابات والتقلبات النفسية .. بعدها استطعت الحصول على وظيفة جيدة في إحدى الشركات الخاصة .. وعند ذلك تبددت سحب التشاؤم والتوجس وانقشعت غيوم الكآبة السوداء .. وأشرقت الشمس في حياتي من جديد .
( 3 )
صديقي محمد هو الوحيد الذي عايش معي معاناة البحث عن وظيفة ساعة بساعة وخطوة بخطوة .. كيف لا وهو صديق الطفولة .. تعرفت عليه في السنة الرابعة الابتدائية ونشأت بيننا علاقة وطيدة من ذلك الحين .. وتخطينا سنين الدراسة معاً في المتوسطة والثانوية حتى دخلنا الجامعة وتوثقت صداقتنا أكثر فأكثر .. وتعاونا على حمل هموم الدراسة الجامعية معاً كما كنا نفعل ذلك من قبل في المدرسة .. عندها لاحت لنا رايات التخرج .. لكن محمد قد تعثر في بعض المواد التي اضطرته إلى البقاء فصلاً إضافياً .. وكانت أول مرحلة تفاوت دراسي بيننا .. وتخرجت أنا قبله ولحقني هو بعد أن أتم هذا الفصل وتخرج أيضاً .. لكنه لم يواجه نفس الصعوبات التي واجهتني في الحصول على وظيفة .. فقد استطاع الحصول على عمل مناسب في وقت قياسي مقارنة بالمدة التي قضيتها في ذلك .
( 4 )
بدت الحياة بثوب جديد .. كل شيء يسير على ما يرام .. برنامجي اليومي بدأ بالتشكل بصورة ثابتة .. العمل والبيت والمسجد إضافة إلى العلاقات الاجتماعية الكثيرة بين الأقارب والأصدقاء .. ذات يوم أحسست أن هناك أمر يدور في البيت دون علمي أو كما يقول السياسيون أن هناك مؤامرة تحاك ضدي .. كلام بين أبي وأمي بصوت خافت تصاحبه ابتسامات مقتضبة ونظرات متتابعة توجه إلي .. فضولي يدفعني إلى معرفة ما يقولون ولكنني افتعلت الهدوء .. وبعد يومين انكشفت الأمور .. لم تكن بعيدة عما توقعت .. فشاب أكمل دراسته وحصل على وظيفة جيدة ماذا ينتظر في العادة .. فاتحتني أمي بموضوع الزواج .. وأبدت استعجالها مع أبي بهذا الخصوص .. وفي الحقيقة لم تكن أمي وأبي هما الوحيدين العجلين على موضوع زواجي فقد كنت أنا أيضاً كذلك وإن تظاهرت باللامبالاة .. وفعلاً لم تمض سوى عدة أسابيع إلا وتمت خطوبتي على ابنة عمي .. وبدأت شعلة الحب في داخلي – والتي لم تخمد يوماً – تتوهج وتنمو تجاه ابنة عمي التي تصغرني بسنتين .. صرت أذكر أيام طفولتنا حين كنا نلهو ونلعب في كل مكان .. أذكر ابنة عمي بجسمها الصغير وبظفيرتها الطويلة وشعرها الأسود الفاحم .. آه يا أيام الطفولة ما أجملك وأسعد ساعاتك .. أصبحت أعيش في عالم مختلف عما يحيط بي .. أفكر وأتأمل كثيراً .. صرت أقرأ سير العاشقين .. كيف عاشوا وكيف ماتوا .. وأتمتع بشعر ابن الملوح وجميل وعمر بن ربيعة وأرثي شقاء المحبين وشكواهم .. هكذا كانت أيامي هذه محملة بتطلعات المستقبل القادم .. ومليئة بالعواطف والأشواق لتلك الأيام الوردية .
( 5 )
لا حظ الجميع وأولهم صديقي محمد أنني بدأت أتقمص شخصية الزوج ورب الأسرة بشكل كبير .. وهكذا كنت بالفعل .. أصبحت أكثر اهتماماً بما ألبس وما أقتني .. وصرت أشعر بأنني مسؤول عن زوجة وعن أطفال في المستقبل .. أشياء كثيرة صارت تسترعي انتباهي لم أكن أعيرها اهتماماً في الماضي .. صارت تشدني ملابس الأطفال وأحذيتهم وأصبحت تجذبني أناقة المفروشات وجمال قطع الأثاث .. ربما بلغ بي التطلع أكثر من ذلك فقد صارحت محمد ذات يوم بأنني أتمنى من الله أن يرزقني بخمسة أولاد وابنتين .. فقد كان هذا التوزيع غاية ما أتمناه .
( 6 )
ذلك الصباح لا يمكن أن أنساه أبداً .. استيقظت مبكراً من النوم على غير عادتي حيث بقي على موعد العمل أكثر من الساعتين .. تناولت فطوري بروية غير معهودة .. قامت أمي بعد قليل لتوقظ إخوتي إلى المدرسة .. أما أنا بعد الانتهاء من الفطور غيرت ملابسي وتوجهت للخروج .. عند الباب الخارجي كان الشارع قد امتلأ بالماء فقد كانت ليلة البارحة شديدة الأمطار .. وكأن السماء تنذر بالمزيد فومضات البرق لا زالت تلمع فيها .. ركبت سيارتي وتوجهت إلى عملي .. وفي الطريق كان الضباب الكثيف قد ملأ الأجواء وكانت إمكانية الرؤية أمامي ضعيفة ولم أستطع تمييز المكان جيداً .. وفجأة وبحركة سريعة مالت إحدى السيارات نحوي بشدة .. حاولت تدارك الموقف لكن دون جدوى .. اصطدمت تلك السيارة بسيارتي وعلى إثر الاصطدام زحفت سيارتي بشدة نحو عمود الكهرباء .. وانتهت بذلك أحداث هذا المشهد الخاطف .. ولم أدر بما حصل لي بعد ذلك .
أفقت بعد زمن وأنا على السرير الأبيض في المستشفى .. حاولت فهم ما حصل .. التفت حولي فرأيت وجوه أهلي وقد علاها حزن عميق لا تجد جهداً في اكتشافه .. لكنها تحاول الإفراج عن ابتسامة مفتعلة لتلطف بها جو المكان .. حاولت الاعتدال في جلستي لكن خانتني قدماي .. حاولت مرة أخرى فلم أستطع .. علت وجهي قشعريرة غريبة وساد الموقف الذهول .. عندما رأت ذلك أمي لم تستطع الاحتمال فأجهشت في البكاء .. حاول أبي تدارك ما حصل فأخذ أمي بسرعة إلى الخارج .. والدهشة ما زالت ترسم خطوطها على وجهي .. رجع إلي أبي على الفور .. قال لي يا بني فليكن إيمانك بالله قوياً .. إن المؤمن إذا أصابه البلاء فصبر جوزي في الآخرة بخير الجزاء .. قال ذلك وقال كلاماً كثيراً لم أعه .. لم يكن في حاجة إلى أن يقول لي أنني أصبحت معاقاً .. أظلم المكان من حولي .. حاولت افتعال الصبر والثبات من هول ما حل بي .. أسندت رأسي على الوسادة وأغمضت عينيَّ . تركني أبي واتجه إلى الخارج .. بدأ شريط الذكرى يدور في مخيلتي .. تذكرت ساعة خروجي من البيت وبدأت مشاهد الحادث تنسج في رأسي من جديد .. لم أستطع تحمل ذلك .. وضعت كفي على وجهي وصرت أبكي .. أبكي من أعماقي على أيامي التي ولت ولن تعود .. بكيت بشدة مع أنني كنت في السابق أمقت الرجل الذي يبكي وأعتبر ذلك عيباً .. لم أستطع النوم في تلك الليلة .. وفي الصباح جاءني أبواي وجلسا بجانبي .. تظاهرت بأنني صابر على بلائي وراض بما قسم الله لي .. وحاولت إضافة شيء من الأريحية والمرح على المكان .. وأبويَّ كذلك .. علمت من أبي أنني كنت في غيبوبة منذ ثلاثة أيام .. ولم يطل بعد ذلك بقائي في المستشفى حيث رجعت إلى البيت .. لكن رجعت هذه المرة مع قرين عمري الذي سيلازمني طول حياتي .. رجعت مع الكرسي المتحرك .
( 7 )
عدت إلى البيت .. عدت من جديد يدفعني أبي وأنا على الكرسي .. كانت أمي وأخوتي في انتظاري وكلهم قد رسم ابتسامة على وجهه .. نظرت إلى المكان .. كل شيء على ما كان عليه .. لم يتغير شيء .. هذه صالة الجلوس التي كنا نجلس فيها .. وهذه طاولة الطعام التي نتناول طعامنا عليها .. وهذا هو درج السلم الذي طالما وقعت منه وأنا صغير .. حتى حقيبتي التي نسيتها ذلك الصباح لا زالت موجودة في مكانها بجانب الباب .. ما الذي تغير إذن ؟! دخلت غرفتي وأغلقت الباب علي .. كل شيء كما تركته .. هذا هو سريري وهذه هي طاولتي .. وهذه رفوف الكتب المتكدسة فوق بعضها .. ابتلعت غصة وقفت في حلقي ومسحت دموعي التي بدأت تتساقط .. تتابعت بعد ذلك زيارات الأقارب والأصدقاء .. وتوالت الاجتماعات العائلية وكثرت لقاءات الأصدقاء والأحباب .. وأنا ألمس من الجميع مداراتي الشديدة ومحاولة إخراجي مما أنا فيه .. ومضت الأيام .. ومضت معها أيامي بطيئة الساعات .. ثقيلة اللحظات .. صرت أميل إلى الوحدة والتفكير العميق بما حل بي .. صرت ابتعد عن الناس وأجلس وحيداً أستعرض صفحات عمري الذي ولى وأتصفح أيامي التي انقضت .. أصبحت أستمتع بالذكريات .. وأستمتع بنومي وأحلامي التي ما زلت أركض فيها على قدمي كما كنت .. قررت ألا أركن لليأس .. ألا أقنط من رحمة ربي الذي خلقني والذي يعلم مصيبتي وبلواي .. حمدت ربي على ما قدر وأراد وقررت أن أعيش حياتي من جديد .
( 8 )
فوجئت في إحدى الليالي وبعد مرور ما يزيد عن الشهرين على الحادث المؤلم بزيارة عمي .. سلم علي بحرارة وقد بدت على وجهه أموراً لا أعرفها .. وبعدما لاطفني قليلاً توجه مع أبي إلى غرفة الجلوس وأغلقا عليهما الباب .. لا أعلم كم استغرقا من الوقت ربما ساعة أو أكثر خرج بعدها عمي وخرج معه أبي لتوديعه .. كان الموقف لا يثير أي استغراب .. لكن قد بدت على وجه أبي كآبة واضحة وحزن ظاهر لم يستطع إخفاءه .. وكان يسترق النظر إلي بين آونة وأخرى .. أما أنا فلم أعر الموضوع أي اهتمام
( 9 )
في نهار اليوم التالي دخل علي أبي وقد علت وجهه علامات البارحة التي لم تتغير .. وبدا في عينيه كلام كثير يريد قوله .. بدأ كلامه بمقدمات طويلة عن قضايا متعددة .. أدركت أن في جعبته خبراً سيئاً يريد إخباري به .. استعديت نفسياً لتقبل ما يقول .. فماذا سيجري أكثر مما جرى .. لم يطل علي أبي حتى قال لي أن عمي كان يريده في أمر مهم ولهذا زاره ليلة البارحة .. لقد أراد أن يستسمحني في أمر ابنته فقد جاءها أحد الخاطبين قبل أيام .. وقد سئل عن هذا الشاب فوجده مهذباً وخلوقاً ومناسباً لابنته .. وتمت الموافقة على الزواج .. وانتهى كل شيء .. وقع الخبر علي لم يكن شديداً في البداية .. نظرت إلى أبي وقد رسمت ابتسامة خفيفة على شفتي .. لم أزد على قول قدر الله وما شاء فعل .. ولم يزد أبي على ذلك .. رأى أبي مني صبراً واحتمالاً وعدم تأثر بما قال فحمد الله على ذلك .. لقد ظللت صامتاً ذلك اليوم .. وتلك الليلة ما أقساها من ليلة مرت على قلبي المكلوم .. لم أستطع النوم فيها .. دفعت كرسيي واتجهت إلى فناء البيت .. بدأت أتأمل السماء والنجوم وهذا الكون الفسيح .. ومع نسائم الهواء العليل بدأت رواسب الماضي تشخص أمام عيني .. وعاد شريط الذكريات يدور في رأسي .. عدت إلى الماضي بكل دقائقه وساعاته .. وتذكرت طفولتي معها كيف ولت لحظاتها وانقضت .. وتذكرت أيامنا وليالينا بكل أحداثها وتفاصيلها .. منذ طفولتي وأنا أتمنى على الله أن يجعلها زوجة لي .. وأعتقد أنها كانت تتمنى الأمر نفسه .. ثم قضى الله بعد ذلك ما أراد .. أنا الآن لا ألومها أبداً فيما فعلت .. ماذا كانت تنتظر من رجل على كرسي متحرك .. وماذا كنت أرجو منها بعدما حصل لي .. قضى الله علي العذاب بقية أيامي التي لا تكاد تسير إلى نهاية .. يجب أن أحيا بلا قلب وبلا طموح وبلا أمل حتى أستطيع العيش في عالم الجمادات الذي يحيط بي .
( 10 )
وتمضي الأيام .. وتمضي معها ساعات عمري وحياتي محملة باليأس والقنوط .. سنتان مرت علي منذ ذلك اليوم الحزين .. سنتان أبحث بين طياتها عن معاني الحياة والسعادة والإنسانية فلا أكاد أرى شيئاً يلوح لي .. تساوى عندي الليل والنهار فكلاهما مظلم كئيب لا تبصر وراءه بصيص أمل .. اليوم في حياتي كالبارحة .. والبارحة كالذي قبله .. وغداً كيومي هذا .. بقيت لي ذكرياتي الجميلة معيناً لا ينضب عندي أبداً .. هي سعادتي ومتعتي أركن إليها حتى أظل أحمل روح الإنسان وأظل باقياً في دائرة الحياة .. صديقي محمد تزوج منذ سنة وأنجب قبل أيام طفلاً جميلاً كأنه القمر .. وابنة عمي تعيش الآن مع زوجها وحياتها تملؤها السعادة والسرور وهي ترقب ابنها الذي تحمله في أحشائها وتنتظر الساعة التي يرى فيها النور .. حتى أخي الذي يصغرني صار يعيش تلك اللحظات التي عشتها يوماً وسعِدتُ فيها والتي سأظل أعيشها بخيالي كل يوم .. أما أنا الآن فلا يشغلني من أمر المستقبل سوى انتظار حياتي الأخرى .. حياتي التي تملؤها السعادة والفرحة والبهجة والتي لا مجال فيها لآلام الإنسان وحزنه وعذابه .. حياتي عند ربي يوم لا ينفع إلا التقوى والعمل الصالح .. أما الحياة الدنيا فما الذي بقي لي فيها .. وما الذي أرجوه منها بعد أن ولى الربيع .
من كتاب : باتجاه الشمس ..
م/ن