هناك صفحة على الفيسبوك غريبة على الفيسبوك الناطق بالعربية، غريبة على ثقافتنا وغير مفهومة، صفحة صديقنا الشاعر فاضل الخياط، عنوانها "لا إعدام، لا سلاح، لاعنف". كان يمكنه أن يسميها "لاعنف" وحسب، فيندرج بذلك في سلسلة الداعين إلى اللاعنف بشكل مبهم لا يبدو منه إلا الشعار، لكنه أراد ن يكون اكثر وضوحاً، هو ضدّ الحكم بالإعدام مهما كانت مبرراته، وضدّ حمل السلاح بأيّة عقيدة تعضده.
تزامن فتح هذه الصفحة مع ثورات "الربيع العربيّ" التي كان آخر ثمراتها قتل ديكتاتور ليبيا القذافيّ بدم بارد وهو في أيدي آسريه، الأمر ملتبس في ثقافةٍ هي محض رقعة شطرنج بمربعات بيض وسود، فمن يستنكر قتل القذافيّ بهذه الطريقة البشعة سيوصم تلقائياً بالتعاطف معه ومع نظامه وبالتالي مع الطغيان والديكتاتورية والتسلّط الأعمى، لكنّ الأمر طبعاً ليس كذلك، فنحن لسنا بيادق في رقعة، نستطيع أن نقف ضدّ الديكتاتور وضدّ قاتليه معاً، ضدّ القتل الذي يجمعهما معاً تحت اسم واحد: الإجرام.
الثأر عمل لا ينتهي لوحده، قتلتم منا شخصاً ولذا سنقتل منكم آخر، وسيكون قتلنا إياه دعوة منا لكم لأن تقتلوا لنقتل، عمل لا ينتهي إلا إذا أنهاه أحدنا بقطع هذه السلسلة الجهنمية، في القرآن الكريم ما يعيننا على ذلك، قصة ابنَيْ آدم ذات ثقل رمزيّ رهيب، أحدهما عزم على افتتاح مسيل دم البشرية مؤذنا بإعلان حرب أهلية لن تنقضي لأن عمادها الثأر، أما الآخر فأوقف السلسلة وهو يدرك أن عمله هذا يعني موته الوشيك "لئن بسطت يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله ربّ العالمين".
طبيعيّ أن يصطفّ شاعر مع فهم كهذا حتى ولو لم يكن "ولن يكون" شائعاً ومقبولاً، فلذة الثأر والانتقام عظيمة وتهشّ لها النفوس، لا بل ان الثأر وحده الآن ما يمنح لذة لشعوب كثيرة ابتلتها المقادير بحكامٍ هم محض كائنات ثأريةٍ.
الشاعر "ومعه بعض المنظمات الهامشية وغير الفاعلة" يقف وحده أمام أعراف تقدّس الثأر معيدة الأمثولة العربية القديمة "الدم أنفى للدم"، لكنه يعرف ما يقول ويدرك أين يضع قدمه، يعرف ان عمله يثير ضحك الناس وريبتهم، كتب في مدونته " ليس دفاعا عن، أو تبريراً للقاتلين بالطبع، بل مسايرة للشرايع الإنسانية الحديثة الراقية التي جعلتْ، حسب ميشيل فوكو، من العقاب محاولة فقط للردع والمنع، وليس انتقاماً أو تدميراً. كنت أظن بكثير من اليقين ان أمراً كهذا مفروغ منه، لكن يبدو أن ظني، وبعضه ليس إثماً، على خطأ. على الأقل ليس في عالمنا العربي، حيث أصبح القتل المصدرَ الوحيد للاحتفال والفرح، وصارت وجوه القتلى على الفضائيات المشهد الوحيد الذي تأنس اليه العيون والقلوب".
لم نقرأ القرآن كله ونستمدّ منه أحكامنا وشرائعنا وآدابنا وننسى هذه الآية الكريمة التي تدعونا لأن نكره القتل الأبيض والأسود معاً؟